السؤال الثامن عشر عندما قال النبي –صلى الله عليه وسلم- رحم الله المحلقين ثلاثا…

السّؤال الثّامن عشر : عندما قال النّبي –صلّى الله عليه وسلّم-: “رحم الله المحلّقين” ثلاثًا ثمّ قال والمقصّرين عند التّحلل من الحجّ أو اْلعمرة ،فهل كان ذلك الدّعاء أثناء تحلّل الصّحابة ولم يحلّقوا رؤوسهم؟ أم كان المقصّرون لم يسمعوا دعاء النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم ،ولذلك لم يحلّقوا وقصّروا ؟
الجواب : هذا وردَ في الحديبيّة ، كانت نفوس الصّحابة مشتاقة لمكّة والعمرة ،وساق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم معه الهدي ،والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم آتاه الله تعالى من اْلفهم ومعرفة أحوال النّاس ما الله به عليم، والله الّذي ربّاه، ودبّر شأنه ، أنا فهمي ،وأقول هذا من كِيسِي، لكنّ قلبي وعقلي مطمئنّان إليه تمامًا ،لا يقع عندي شكٌّ ،لكن لو أنّ غيري خالفَني لا أنكرُ عليه ،فهذه فهومٌ .
فأنا في فهمي أنّ النّبي-صلّى الله عليه وسلّم في خطبة الحديبية لمّا خرج كان يعلمُ أنّه لن يعتمر ،هذا فهمي أنا، وكان النّبي صلّى الله عليه وسلّم له تدبيرٌ عجيبٌ، وصلح الحديبية له موقعٌ في نصرة الإسلام ما الله به عليم، وكان سببهُ حُسنَ توقيتِ ، ودقّة معرفة نفسيّات الأعداء، وهم العرب في ذاك الزّمان .
الدّول في بعض الأحايين إذا تأخّرت في بعض الإجراءات ولاسيّما مع الأعداء فتكونُ لها مقتلةٌ ، أحيانًا بعض الاجراءات تأتي متأخّرة مع الأعداء ،تكون مقتلةٌ عظيمةٌ لهذه الدول .
أوّل ما بدأنا نقرأُ في التّفسير ، كنت أقرأ في سورة اْلفتح ،تفسير قول الله عزّوجلّ :
{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا }
وأنظرُ في كتب المفسّرين، فتتفق كلمة المفسّرين:
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا }
أن المراد بالفتح صلح الحديبية .
غريب ،كنت أنا شخصيًّا أستغرب ُ، أريد أن أفهم، غريب ، يبدو الأمر فيه غرابة ، فبدأت من هناك .
أوّل ما قرأت تفسير قول الله عزوجل :
{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا }
قبل أكثر من عشرين سنة أو ثلاثين سنة بدأ معي الإشكال وأحتاج إلى حل:
كيف صلح الحديبية هو اْلفتح الْمبين للإسلام ؟
فجاءني فهمٌ ، وجاءني مع كثرة تدبّر ونظر، النّبي صلّى الله عليه وسلّم يعرف أعداءه .
اْلعربي يتعجّل ،وصناديد قريش لم يأذنوا للنّبي صلّى الله عليه وسلّم ومن معه أن يمكّنوهم من الطواف بالبيت ،لكن هم قوّامون على اْلبيت ، وأمام الرّأي العام كما يقولون لابدّ أن يُظهروا أنّهم لا يمنعوا أحدًا ،وأمام هذين الأمرين الكلّيين ،الأصلين ،لا بدّ أن يمنعوا النبيّ صلى الله عليه وسلم وصحبه من الطّواف باْلبيت فترة ، وحتّى يحافظوا على النّصف الثّاني يأذنُون لهم بعد فترة، فيلبّوا العنجهيّة التي عندهم ،ويعقدون صلحًا مع النبي صلى الله عليه وسلم .
النبي صلى الله عليه وسلم ما مرّ عليه أشدّ من الأحزاب،الّتي اجتمع عليه الأعداء من كلّ حدبٍ وصوبٍ في غزوة الأحزاب .
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : “لا يُلدغ المؤمن من جحرٍ مرّتين” .
والنّبي صلى الله عليه وسلم اجتمع عليه اْليهود والمنافقين وكفّار قريش ، والله الّذي تدخّل بالرّيح [بالصّبا] فهزمهم ، لا يمكن أنْ يعود هذا الاجتماع على النّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو يقول :” لا يُلدغ المؤمن من جحرٍ مرّتين ” .
فكان مقصدُ النّبي عليه السلام لمّا خرج الصّلح ، وأحسن النّبي صلى الله عليه وسلم من يصالح ،فصالح النّبي العرب ،ما صالح اْليهود ،فالصّلح مع اْليهود وهمٌ وسراب لا وجود له ،الصّلح مع اْليهود غيرممكن ،وهم ،سراب ،أماني ،خدع .
فالنّبي صلّى الله عليه وسلّم يعرف طبيعة الأعداء ،اْلعربيّ يفي بوعدهِ، اْلعربيّ صادقٌ ،فمجرّد ما عقد النّبي-صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية ، ولبّى النّهمة واْلحاجة في نفوس اْلعرب، مباشرة فُتحت مكّة .
كيف فتحت مكة؟
بعدها تفرّغ النّبي-صلّى الله عليه وسلّم- لأعدائه، فصنعَ بهم ما تعلمون، أجلى بعضَهم ،وقتل بعضَهم ،وظهرت قوّة الإسلام وشوكة الإسلام ،ومتى تظهر قوّة الإسلام وشوكة الإسلام يتبخّر الْمنافقون ،المنافق يظهر لمّا يضعف الإسلام .
ما بقي للنّبي صلى الله عليه وسلم بعد أنْ تفرّغ من اليهود إلاّ فتح مكّة .
فصلح الحديبية هو اْلفتح اْلمبين ، صلح الحديبية هو فتح مكّة فهذا أخذٌ بالأسباب .
النّبيّ عليه السلام قدوةٌ لكم ،ومعنى قدوة لكم : يعني قدوة للأميرِ ،واْلملهوف واْلكبار، والصّغار،قدوة لكلّ اْلخلق .
فالنّبي صلى الله عليه وسلم أحسنَ مع من يعقدُ صلحًا ،ومع من يقاتلُ ومن يحارب، ومتى يعقد الصّلح ، ومتى لا يعقد الصّلح ، هذه كلّها تدابيرٌ نبوّيةٌ ،هي أصلها قائمٌ على النّظر واْلفهم .
الصّحابة بشر، ونفوسهم وأرواحهم تهفُو لبيت الله الحرام ،فلمّا خرج بهم ومعه اْلهدي ،وفي هذا إشارة إلى أنّ الهدْي عند التّحلل من اْلعمرة سنّة ،وهذه السّنّة اْلمهجورة ،ما في أحد اْليوم إذا تحلّل من العمرة يذبح ،ثبت ذلك في موطأ مالك عن عبد الله بن عمر كان يهدي إذا تحلل ، ولذا من وسّع الله عليه واعتمر لو ذبح أمر طيّب ( سنة مهجورة ) ، فخرج النّبي صلى الله عليه وسلم ومعه الهدي يقول لْلعرب : أنا لم اتيكم مقاتلا ،أنا جئتكم معظّمًا لبيت الله بأمارة أنّه أنا معي ذبائح أريد أنْ أذبحها بعد أنْ أتمكّن من عمرتي ، نريد أنْ نذبح ونتقرّب إلى الله بالذّبح والطّواف والصّلاة ،ومعهم سلاح اْلعربي، سلاح المسافر، ليس سلاح المحارب ، وسوق الهدي إشارة واضحة إلى أنّ الموضوع موضوع تعبّدٍ وتألّهٍ الخ .
كانت معه أمّ سلمة في تلك النّوبة ، وأمّ سلمة-رضي الله تعالى عنها- امرأةٌ عاقلةٌ حصيفةٌ .
النّبي تحلّل، حلق شعره ،أمرهم أنْ يتحلّلوا فأبوا ،أبى الصّحابة ،يريدون أنْ يذهبوا إلى مكّة، أبى الصّحابة ، أمرهم بالتّحلل فأبوا فشاور أمّ سلمة قال : ماذا أصنع؟
ماذا تشيرين علي ؟
فقالت أمّ سلمة : يا رسول الله أشيرُ عليك بأنْ تتحلّل ،تصعد على الجمل وتخرج ، ترجع، ما تأمرهم ،تحلّلْ أمامهم وأرهِمْ تحلُّلك وارجع يعني : هم سيلحقوك ، قلوبهم انتهت ولكن هم سليحقُوك، فبعضهم قصّر في هذه الحادثة وبعضهم حلق ،فقال النبي –صلى الله عليه وسلم :”رحم الله المحلّقين رحم الله المحلّقين رحم الله المحلّقين” ثم قال:” والمقصّرين” قال :رحم الله المقصّرين .
في بعض الرّوايات قال : كانت رؤوسهم تسيلُ دمًا ، يعني حلّل بعضُهم لبعضٍ بغضبِ ،كانت رؤوس بعضهم تسيلُ دمًا يعني من شدّة غضبهم ،وأنّهم ما تمكّنوا من الذّهاب لمكّة ، فانظرْ إلى رؤية النّبي صلى الله عليه وسلم وانظرْ إلى رؤية الصّحابة ، يعني كيف ينظر هذا ،هذا ينظر لعبادةٍ خالصةٍ يريدها لنفسه،يريد أنْ يتقرّب إلى الله، فاتته، والنّبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى مصلحة الإسلام ومصلحة المسلمين ، وتمكين الإسلام، وأنْ ينقذ الله تعالى به عشيرته وقومه ،وقريش ،وأنْ يرجع إليهم فاتحاً ، وهذا الذي حصل ،فقوله: المحلّقين والمقصّرين  أوّل ما قيل فيما أعلم في هذه المناسبة ، هذا والله أعلم .    
↩ رابط الفتوى : http://meshhoor.com/fatawa/825/
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
20 جمادى الأولى 1438 هجري
2017 – 2 – 17 إفرنجي
◀ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.✍✍