كلمة حول اختلاف اجتهاد  العلماء وتغير الحكم الشرعي بتغير الزمان والمكان

http://meshhoor.com/wp/wp-content/uploads/2017/10/كلمة.mp3كلمة حول اختلاف اجتهاد  العلماء وتغير الحكم الشرعي بتغير الزمان والمكان.
 
الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.
 
قد جاءتني عدة أسئلة عن اختلاف اجتهاد العلماء، وهل الحكم الشرعي يتغير بتغير الزمان والمكان؟ ولا أدري ماذا وراء السؤال، ولكني أجيب عليه بمقدار ما ورد فيه، فأقول وبه سبحانه وتعالى أصول وأجول: اختلاف اﻷحكام بعضها يعود إلى اختلاف اجتهاد العالم، فالعالم بشر يصيب ويخطئ، والواجب على العالم أن يتجرد للحق لذات الحق، ومتى ظهر له الحق أن يفزع إليه وأن يقطع به، ولا تمنعه اجتهاداته التي سبقت أن يبقى عليها.
ولذا متى تراجع العالم عن قول، وكان أهلا للاجتهاد، فهو أولا: مأجور على الحالين، وثانيا: هو صادق مخلص،ما منعه شيئ من أن يقول الحق، واﻷصل في المسلم ألا يوجد مانع، ولا حاجب،ولا حاجز يحول دون التزامه بالحق متى ظهر له، وهذا شأن علمائنا السابقين، فالعالم في الابتداء ليس كالعالم في الانتهاء، والعالم قد يحاقق ويناقش، فيبدو له الصواب مع غيره، فحينئذ ما المطلوب منه؟
 
متى ظهر له الحق خضع به، اﻹمام الشافعي- رحمه الله – لما ذهب لمصر، والتقى بمن لم يكن قد التقى به في العراق، ظهرت له مسائل جديدة، فله مذهب قديم في العراق، وله مذهب جديد في مصر، وأعاد تأليف بعض كتبه وهو في مصر، وصرح بأن المعتمد عنده ما كتبه أخيرا.
 
اﻹمام أحمد لما كانت تجتمع عنده اﻻدلة، وتتساوى قوتها، نازلة ما وردت في زمن النبي- صلى الله عليه وسلم-، ما ورد فيها أحاديث، بلغه فيها أقوال خمسة من الصحابة، أو ستة، أو عشرة، فكان يقول في مسألة خمسة أقوال، في المسألة ستة أقوال، و يذكر أقوال الصحابة، ويقول: يسعنا في الخلاف وسعته ما وسع من قبلنا من الصحابة، أو من التابعين – رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
اﻹمام الشافعي واﻹمام أبو عبيد القاسم بن سلام تناظر في (القرء)، وهو جمع قروء، وهو الوارد في قول الله تعالى: ” والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء”.
قال: ما القرء؟
الشافعي رحمه الله- كان يقول: (القرء): الحيض.
وأبو عبيد كان يقول (القرء): الطهر.
المرأة لما تطلقها، متى تنفصل عنها؟
لو أردنا أن نجعل الكلام كلام عملي، فبعض اﻷئمة يقولون (القرء): الطهر، لما تطهر من الحيضة الثالثة، يعني لك أن تدخل عليها وهي تغتسل من الحيض- في  الحيضة الثالثة-،فمتى ارتدت ملابسها أصبحت أجنبية عنك، تعامل معاملة اﻷجنبيات، والذي يقول الحيض يقول: تنفصل عنها لما تحيض، أول ما ترى الحيضة الثالثة يحرم أن تخلو بها إلى أن تجدد عقدها إلى تفاصيل أخرى في  الاحكام.
ما القرء؟
جرى نقاش طويل بين إﻹمام أبي عبيد القاسم بن سلام وبين اﻹمام محمد بن إدريس الشافعي -رحمها الله-، فكان اﻹمام الشافعي يقول: الحيض، وكان اﻹمام أبو عبيد يقول: الطهر، وكلاهما إمام كبير في اللغة.
تدرون بم انتهت المناظرة؟
انتهت المناظرة أصبح اﻹمام الشافعي يقول: القرء الطهر، وأصبح أبوعبيد يقول القرء الحيض، كل منهما ترك قوله و أخذ بقول اﻵخر، هذه المناظرات العلمية أصحابها صادقون مخلصون، فقد يتغير اجتهاد العالم، هذا نوع من أنواع يخص العالم.
هنالك أشياء تختلف باختلاف الزمان والمكان، مثل:مثلا الصيد بالبندقة،الصيد بالبندقة من نظر في كلام السابقين من العلماء كانوا يقولون عن البندقة الشيئ الذي يقتل بثقله، أصبحت عند المتأخرين البندقة ما يقتل بحده ونفوذه لا بثقله، اختلف معنى البندقة من زمن لزمن، اﻷحكام ما تدور مع اﻷلفاظ، تدور مع الحقائق فالشيئ الذي يقتل بثقله حرام صيده المصيد لا يؤكل، والشيئ الذي يقتل بنفوذه فهذا حلال صيده، بشروط مرعية في  الشريعة.
مثل مثلا ماعلق الشرع الحكم فيه على العرف، فالعرف يختلف من زمان لزمان، ولذا اﻷحكام التي تتغير بتغير الزمان والمكان مردها اﻷحكام المنوطة والمتعلقة باﻷعراف، يعني: واحد يقول: والله ما آكل لحم، أكل سمكا عليه كفارة يمين؟
العلماء يقولون إذا كان الله يقول عن البحر يقول :” تأكلون]منه لحما طريا ” السمك الله قال عنه لحم طري، فأنا إذا كنت بين قوم يسمون السمكة لحما فأكلته،علي  كفارة يمين،
وإذا كنت بين قوم (أهل ساحل)و يفرقون بين السمك وبين اللحم فليس علي كفارة يمين،هذا اﻷمر يختلف باختلاف العادات،ومثل هذا مايعلق بالمصالح والمفاسد، أنا قد تبدو لي مصلحة في وقت، ثم تبدو لي أن المصلحة اختلفت،من وقت لوقت،أو قد يبدو لي أن اﻷمر قد عمت به البلوى،وأن القول بالتحريم قول عزيز، و يوقع الناس في حرج شديد.
مثلا اﻵن صور الخلويات، تصوير الخلوي عمت البلوى به، صورة الخلوي غير صورة غير الخلوي، صورة الخلوي خفية غير ظاهرة، وصورة الخلوي تمسح، ولا تبقى غير صورة الرسم أو التصوير، كذلك التصوير الفوتوغرافي اختلف من زمان لزمان، ما يمكن واحد يقول: التصوير الفوتوغرافي حرام، فيحرم من جواز السفر ومن التنقل، والذهاب للحج والعمرة، وفي فترة من الفترات كان الأمر واسع، فكان بإمكان الإنسان أن يذهب دون هذا.
فالشاهد أن الأحكام المتعلقة بالمصالح متروكة إلى رأي اﻹمام، رأي اﻹمام ينزع، يقطع الخلاف، وأنا لا أريد أن أسوغ لأحد، ولا أريد أن أتكلم إلا بالتأصيل العلمي وهذا همي، وهذه رسالتي.
موضوع مثلا قيادة المرأة للسيارة، لا ضير أن العلماء في فترة يرون أن المصلحة منعها، ثم يرون فيما بعد أن في المصلحة عدم منعها، وهذا لا يخل بديانة، وهذا أمر ترتضيه القواعد العلمية، وأنا ذكرت في هذا المجلس سنة2014 لما سئلت عن حكم قيادة المرأة للسيارة قلت: في بلادنا عمت البلوى بها، و في بلادنا تقود المرأة السيارة دون تلك المحاذير التي يتصورها بعض من يفتي بالمنع.
ما يمنع أنه زوجتي تقود السيارة وأنا بجانبها مثلا؟
هل المنع لذات القيادة؟
أم المنع لأشياء محتملة من حيث وقوع المحاذير؟
قالوا: ممكن المرأة تنقطع فيها الطريق والسبيل، ويتعرض لها الرجال.
تقود السيارة ومعها الخلوي ، ومتى صار معها شيئ تتصل بزوجها ، وتتصل بأخيها، اﻷمور واسعة، وفي صحيح البخاري يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: خير نساء ركبن اﻹبل نساء قريش، وقلت في تلك الفتوى سنة 2014 ما الأحسن الأسهل للمرأة أن تركب اﻹبل ولا تركب الأوبل؟
الأسهل اﻷوبل أحسن، أستر لها، والنبي يقول: خير نساء نساء قريش ركبن اﻹبل.
ولما سئل شيخنا اﻷلباني -رحمه الله- عن قيادة المرأة للسيارة قال: أيهما اﻷسهل تركب سيارة ولا تركب حمارة، أيهما أستر للمرأة ركوبها للسيارة أم الحمار؟ ركوبها السيارة أهون من ركوبها للحمار؟
اﻵن أنا لست مطلوبا مني إلا أن أحسن الظن بالعلماء، العلماء أولياء الأمور، والعلماء أولياء الله، والطعن في العلماء ذنب عظيم يقسي القلب، فالعالم إن تغير اجتهاده سواء أكان اجتهادا فرديا أو كان اجتهادا جماعيا، فلا يظن به إلا الأمر الحسن، واﻷمر الطيب، ولا يجوز أن ندخل نوايا العلماء، وأن نسيئ الظن بهم وأن نتكلم عليهم وأن نغمز فيهم، وأن نطعن فيهم، فلا يفعل ذلك إلا من في لسانه رهق، ومن في قلبه خبث، أما الإنسان السوي الإنسان التقي يحسن الظن بالعلماء،ولا يظن بهم إلا خيرا، ولاسيما في مسألة نازلة لم يرد فيها نص قطعي، مسائل ورد فيها نص قطعي مسائل ما فيها خلاف، أما مسائل مدارها على المصالح والمفاسد ، والمصالح والمفاسد يختلف تقديرها باختلاف اﻷزمنة، ويختلف تقديرها باختلاف اﻷمكنة، المصالح و المفاسد تختلف من وقت لوقت، وتختلف من بلد لبلد، ولا أظن أن اﻷمر في قابل اﻷيام إلا على هذا الحال، أحيانا اختلاف تصور المسألة يجعلك تغير الحكم، يعني أول ما ظهر الدخان كانوا يعتقدون أن الدخان علاج، وكانوا يسمون الدخان نبات ملوكي، واﻹمام الشوكاني في كتابه: ” الرسائل السلفية” يرى أن الدخان مباح، وناقشه المباركفوري في كتابه “تحفة اﻷحوذي شرح جامع الترمذي”، في شرح كتاب اللباس، عند قول النبي- صلى الله عليه وسلم : “إلبس ماشئت، وكل ماشئت، فقال له الدخان الذي تصورته أنت، وكان المباركفوري طبيبا يقول: الدخان الذي تصورته وهو مفيد وليس كذلك، فأنا إن تخيلت أن الدخان شيئ مفيد فأقول أنه حلال، فإن جاءت اﻷدلة القاطعة الطبية فأثبتت أنه مضر، فحينئذ يدخل تحت عموم قول النبي-صلى الله عليه وسلم -:” لا ضرر ولا ضرار “، لا ضرر تلحقه بنفسك ولاضرار تلحقه بغيرك، فالشيئ إن تصورته على حال، العلماء في يوم من اﻷيام كانوا يقولون بحرمة القهوة ، القهوة-البن- ، كانوا يرون حرمته وبعضهم ألف في ذلك وكانوا يذكرون ضرها، اليوم اﻷطباء مايقولون بضرها، يقولون بنفعها، أطباء اليوم يقولون اﻹفراط فيها واﻹكثار منها يضعف وتنعش عضلة القلب، ولها فوائد.
 
الشاهد أنك إن اختلفت في تصور المسألة، أو طرأت أشياء تغيرت فيها تقدير المصالح والمفاسد، فالشرع يقضي بالمصالح الغالبة، ويدور الحكم معها، فمتى تحققت المصالح الغالبة قلنا بالحل، ومتى تحققت المفاسد الغالبة قلنا بالحرمة، فالشرع جاء لتحقيق المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها.
هذا والله سبحانه وتعالى أعلم.
 
⬅ *مجلس فتاوى الجمعة.*
٩ محرم 1439 هجري ٢٩ – ٩ – ٢٠١٧ إفرنجي
↩ *رابط الفتوى:* http://meshhoor.com/fatawa/1441/
⬅ *خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.*✍✍
⬅ *للاشتراك في قناة التلغرام:*
http://t.me/meshhoor