كلمة عن سورة الفاتحة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان

http://meshhoor.com/wp/wp-content/uploads/2017/03/AUD-20170325-WA0021.mp3فمن المعلوم أن الفاتحة هي أم الكتاب ( وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ) ، فمكة أم القرى في القرآن الكريم ، لأن غيرها يعود إليها وينتسب إليها من سائر القرى .
والفاتحة أم الكتاب لأن غيرها مما أنزل الله تعالى على أنبيائه في كتبه كلها إنما يعود إليها وإلى معانيها .
وأريد أن أخص الفاتحة والتوحيد والإتباع ببعض الكلمات المهمات التي ما ينبغي أن تغيب عن فطن حريص على رضى الله عز وجل .
ننطلق من المقامات الأربعة المذكورة في سورة الفاتحة ، و كل مقام يدعو إلى الذي بعده وترتقي سموا وعلوا في هذه المقامات المبتدئة أولا (( بالحمد ))، ثم ثانياً (( العبادة )) ، ثم ثالثاً (( الهداية )) ، ثم رأبعاً (( النعمة ))، هذه هي المقامات الأربعة .
وسورة الفاتحة حوت على أصول الخير كله ، وأصول الخير توحيد واتباع ، والتوحيد الذي في سورة الفاتحة مذكور فيه التوحيد بأصنافه الثلاثة : توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، بل مذكور في سورة الفاتحة أيضا أركان الإيمان الستة ، ومذكور أيضا الإتباع ، والكلام يحتاج إلى تدقيق وتطويل وتفصيل لكنِ ألتزم بإذن الله تعالى في هذه الكلمة .
أما أنواع التوحيد الثلاثة فمذكورة في أوائل الآيات ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ، الربوبية ، فالعالمون هم ما عدا الله ، والرب هو الخالق ، والرب هو المالك ، والرب هو السيد ، والرب هو المدبر ، والرب هو المربي ، هذه معاني الرب في اللغة ، فرب الدار أي مدبر أمرها ، قال تعالى : والربانيون والأحبار ، الذين يدبرون أمر دينهم ، المرأة ربة البيت تدبر أمر البيت ، فالله الذي خلق ، والله عز وجل الذي ملك ، والذي يخلق ويملك لا بد أن يتصرف في ملكه كيف ما شاء وأن يأمرهم وينهاهم كيف ما شاء ، فهو المدبر ، وهو المربي ، وهو المالك سبحانه وتعالى ، وهو السيد وهذا معنى (ِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ) أي الله السيد الذي ليس فوق سؤدده سؤدد ، والله السيد الذي تصمد إليه كل الحاجيات لأنه الذي خلقهم والذي ملكهم ، فالذي يخلق والذي يملك هو الذي يتصرف كيف ما شاء كما لو أنك ملكت الجاكيت الذي تلبسه فليس لأحد أن يقول لك لماذا أنت تلبسه ، لماذا أنت تهديه لماذا أن تضعه في البيت ، أنت الذي تملكه ، فمن ملك الشيء تصرف .
إذا مما ينبغي أن يعلم أن الإنفصال بين أنواع التوحيد خطأ ، يعني هناك صلة وثيقة بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وصلة وثيقة بين توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات والذي يقصر في العبادة ما عرف الله ما عرف الله ، ما يعرف أسماء الله ما يعرف أسماءه معرفتنا بربنا ما ينبغي أن تكون كمعرفة المشركين يعلمون فقط أن الله تعالى موجود وأنه حق لا معرفتنا بربنا تعالى ينبغي أن تكون معرفة شرعية توافق الفطرة التي فطر الله الناس عليها فكم من رجل أعرابي بوال على عقبيه جاهل لا يعرف شيئا عنده من الإيمان ما ينجيه عند الله وكم من انسان بروفسور ويتكلم لك في معجزات الله وآياته في المحيطات والأجنة وما شابه وهو كافر ليس له من الإسلام نصيب ، فأن نعرف أن الله حق فقط فهذه معرفة عقلية مجردة لا تنفع صاحبها ، فالمعرفة بالله تعالى التي تنفع صاحبها أن تعرفه معرفة شرعية .
( الحمد لله رب العالمين ) الله عز وجل في كونه مالكا وفي كونه سيدا هذا يشمل الخلق كلهم أما في كونه مدبرا ومربيا فهذا يفاوت فيه الناس .
فلله تربية عامة ولله تدبير عام يشمل المسلمين والكفار ولله تربية خاصة وتدبير خاص يخص أولياءه ويخص أحبابه ويخص الذين يعرفوه فهنالك تدبير خاص وتدبير عام ، فالتدبير الخاص يكون بين الرب وبين العبد بمقدار صدقه وبمقدار إخلاصه وبمقدار توجهه لربه عز وجل ، فالله يدبر شؤون الصالحين ويربيهم تربية خاصة كما فعل مع الأنبياء سبحانه وتعالى ثم بعد ذلك أتباع الأنبياء .
الحمد لله رب العالمين فيه توحيد الربوبية ثم بعد ذلك (الرحمن الرحيم ) ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ) فالأسماء الحسنى مردها ومدارها على الله وعلى الرحمن ، فما اشترك أحد قط مع الله في هذين الاسمين أما إنسان عليم إنسان حكيم هذا كثير في القرآن ، الله وصف كثيرا من الأنبياء بأنه عليم وأنه حكيم وأنه عزيز عزيز مصر إلى آخره ، مع التفاوت الشديد بين حقائق الأشياء ، فأنت ن أضفت الصفة لموصوفات مخلوقات متعددات فإنها تتفاوت بتفاوت مقدار المخلوقات فإن قلت رأس فالرأس صفة إن أضفتها لذوات المخلوقات متعددات فإنها تتفاوت كتفاوت هؤلاء المخلوقات ، فقل رأس الإبرة وقل رأس جبل هل من فرق بين رأس الإبرة ورأس الجبل ، والإبرة مخلوقة والجبل مخلوق قل رأس فلان وقل رأس حمار أجلكم الله أو رأس خنزير ففرق كبير في الصفة ، فالصفة تختلف بإختلاف الذوات المخوقات فيك بالصفة إن أضيفة إلى خالق ثم أضيفة إلى مخلوق ، فصفة الله والرحمن خاصة بالله جل في علاه ، ولذا سر ذكر الله والرحمن دون غيرهما من الأسماء في سورة الفاتحة لتكون ركنا ركينا لتوحيد الأسماء والصفات .
ولذا بعض أهل العلم يقسم التوحيد إلى قسمين ، وهذان القسمان ألصق بتقسيم الفاتحة من التقسيم الذي ذكرناه ، فمنهم من يقول ( توحيد خبر ) و ( توحيد طلب ) ، أخبار تصدق وطلب تعمل ، فتوحيد الخبر إنما هو توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الطلب ، لأن توحيد الألوهية المطلوب فيه أن تتوجه بقلبك لربك وأن ألا تصرف العبادة إلا له سبحانه وتعالى ، والعبادة إسم جامع شامل للأقوال والأفعال التي يحبها الله وتعالى الظاهرة والباطنة هذا معنى العبادة .
لذا جاء في سورة الفاتحة بدايةً ذكر توحيد الربوبية ثم بعدها جاء ذكر توحيد الأسماء والصفات وهو توحيد الخبر ، فالله جل في علاه أخبرنا ، والتوحيد فيه إتباع ، فليس لك أن تعرف ربك بعقلك ، الخلق كلهم لو أنهم إجتمعوا بأذكياءهم فيعلمون أن الله تعالى حق و لكنه لا يمكن للعقول مستقلة أن تعلم ماذا يريد الله تعالى منهم ، يستحيل للعقل بالإستقلال أن يعرف أن الله تعالى مثلا يحب الصلوات الخمس في الأوقات الخمس بعدد معين من الركعات بشروط معينة فالله لا يقبل الصلاة إلا بشروط معينة فهذه لا يمكن للعقل إستقلالا أن يعلمها مهما بلغت عقول أصحابها ، وإنما الذي يعلم ذلك العبد من خلال الوحي الذي أنزله الله تعالى وهذا تحصيل حاصل .
الآن نحن نتكلم وندور في فلك الإيمان بالرسل والأنبياء والكتب والملائكة ، فالعلاقة بين الرسل وبين الله تعالى وإنزال الكتب إنما هو من خلال الملائكة ، فهذا هو سر عدم ذكر الإيمان بالكتب والإيمان بالرسل والإيمان بالملائكة في سورة الفاتحة لأن صاحبها والذي يحقق درجاتها ومراتبها الأربعة هو متحقق قطعا بالإيمان بهذه الأشياء الثلاثة وهذا سر ذكر العبد لقوله ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ولا يقول اهدنا إلى الصراط المستقيم لو أنه كان يقول اهدنا إلى الصراط المستقيم لإاحتاج ذكر الملائكة والإنبياء والرسل .
( اهدنا الصراط ) ، أنت تسأل ربك الهداية التي في الصراط ولا تسأل ربك أن تهدى إلا الصراط ، لأن الذي يقرأ الفاتحة هو في الصراط ، فالهداية قسمان :
1 – هداية إلى الصراط .
2 – هداية في الصراط .
فالذي يقرأ الفاتحة يدعو ربه الهداية التي في الصراط ، ومما ينبغي أن يعلم أن الهداية درجات ، وأن ليس كل عابد مهدي ، فكم من عابد ليس له من الهداية نصيب ، فكما أنك إن تحققت بالحمد فإنك تتوجه بعد ذلك إلى العبادة ثم بعد العبادة تتوجه إلى الهداية ثم بعد الهداية تتوجه إلى النعمة .
أما توحيد الألوهية فمذكور في قوله تعالى ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) فتوحيد الألوهية مداره أن تخلص العبادة لله وهذا هو سر ذكر المعمول قبل العامل ، المفعول به قبل الفعل ، فترتيب الجملة عند العرب فعل وفاعل ومغعول به أما بالفاتحة فربي علمنا جل في علاه أن نقول إياك وهو المفعول به إياك نعبد فقدم المفعول به على الفعل والعرب إذا قدمت المفعول به على الفعل فإنما يدل ذلك على الحصر والقصر ، فلا يجوز للعبد أن يوجه أي لون من ألوان العبادة الظاهرة أو الباطنة لغير الله عز وجل ، وكذلك لا يستطيع العبد أن يعبد ربه سبحانه بذكائه ولا بعقله ولا بماله ولة بجاهه وإنما هو فقط بالذل والحاجة والخروج عن الحول والطول التي أوتيها ، وأن يفزع إلى الله عز وجل ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) ، فالواجب على العبد حتى يحقق العبادة لا بد أن يخرج من حوله وقوله وأن يستعين بربه جل في علاه على هذه العبادة .
فسورة الفاتحة سورة عظيمة جدا لو مهما طال العبد في تأملها وتدبرها لبقي عاجزا ولبقي الأمر يحتاج إلى مزيد .
كلمة عن سورة الفاتحة .
الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان .
فمن المعلوم أن الفاتحة هي أم الكتاب ( وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ) ، فمكة أم القرى في القرآن الكريم ، لأن غيرها يعود إليها وينتسب إليها من سائر القرى .
والفاتحة أم الكتاب لأن غيرها مما أنزل الله تعالى على أنبيائه في كتبه كلها إنما يعود إليها وإلى معانيها .
وأريد أن أخص الفاتحة والتوحيد والإتباع ببعض الكلمات المهمات التي ما ينبغي أن تغيب عن فطن حريص على رضى الله عز وجل .
ننطلق من المقامات الأربعة المذكورة في سورة الفاتحة ، و كل مقام يدعو إلى الذي بعده وترتقي سموا وعلوا في هذه المقامات المبتدئة أولا (( بالحمد ))، ثم ثانياً (( العبادة )) ، ثم ثالثاً (( الهداية )) ، ثم رأبعاً (( النعمة ))، هذه المقامات الأربعة .
وسورة الفاتحة حوَت على أصول الخير كله ، وأصول الخير توحيد واتباع ، والتوحيد الذي في سورة الفاتحة مذكور فيه التوحيد بأصنافه الثلاثة : توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، بل مذكور في سورة الفاتحة أيضا أركان الإيمان الستة ، ومذكور أيضا الإتباع ، والكلام يحتاج إلى تدقيق وتطويل وتفصيل لكنِ أجتزئ بإذن الله تعالى في هذه الكلمة .
أما أنواع التوحيد الثلاثة فمذكورة في أوائل الآيات ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ، الربوبية ، فالعالمون هم ما عدا الله ، والرب هو الخالق ، والرب هو المالك ، والرب هو السيد ، والرب هو المدبر ، والرب هو المربي ، هذه معاني الرب في اللغة ، فرب الدار أي مدبر أمرها ، قال تعالى : “والربانيون والأحبار” ، الذين يدبرون أمر دينهم ، المرأة ربة البيت تدبر أمر البيت ، فالله الذي خلق ، والله عز وجل الذي ملك ، والذي يخلق ويملك لا بد أن يتصرف في ملكه كيف ما شاء وأن يأمرهم وينهاهم كيف ما شاء ، فهو المدبر ، وهو المربي ، وهو المالك سبحانه وتعالى ، وهو السيد وهذا معنى (ِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ) أي الله السيد الذي ليس فوق سؤدده سؤدد ، والله السيد الذي تصمد إليه كل الحاجيات لأنه الذي خلقهم والذي ملكهم ، فالذي يخلق والذي يملك هو الذي يتصرف كيف ما شاء كما لو أنك ملكت الجاكيت الذي تلبسه فليس لأحد أن يقول لك لماذا أنت تلبسه ، لماذا أنت تهديه لماذا أن تضعه في البيت ، أنت الذي تملكه ، فمن ملك الشيء تصرف .
إذا مما ينبغي أن يعلم أن الانفصال بين أنواع التوحيد خطأ ، يعني هناك صلة وثيقة بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وصلة وثيقة بين توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات والذي يقصر في العبادة ما عرف الله ما عرف الله ، ما يعرف أسماء الله ما يعرف أسماءه معرفتنا بربنا ما ينبغي أن تكون كمعرفة المشركين يعلمون فقط أن الله تعالى موجود وأنه حق ،لا ،فمعرفتنا بربنا تعالى ينبغي أن تكون معرفة شرعية توافق الفطرة التي فطر الله الناس عليها فكم من رجل أعرابي بوال على عقبيه جاهل لا يعرف شيئا،لكن عنده من الإيمان ما ينجيه عند الله، وكم من انسان بروفسور ويتكلم لك في معجزات الله وآياته في المحيطات والأجنة وما شابه وهو كافر ليس له من الإسلام نصيب ، فأن نعرف أن الله حق فقط فهذه معرفة عقلية مجردة لا تنفع صاحبها ، فالمعرفة بالله تعالى التي تنفع صاحبها أن تعرفه معرفة شرعية .
( الحمد لله رب العالمين ) الله عز وجل في كونه مالكا وفي كونه سيدا هذا يشمل الخلق كلهم أما في كونه مدبرا ومربيا فهذا يفاوت فيه الناس .
فلله تربية عامة ولله تدبير عام يشمل المسلمين والكفار ولله تربية خاصة وتدبير خاص يخص أولياءه ويخص أحبابه ويخص الذين يعرفوه ،فهنالك تدبير خاص وتدبير عام ، فالتدبير الخاص يكون بين الرب وبين العبد بمقدار صدقه وبمقدار إخلاصه وبمقدار توجهه لربه عز وجل ، فالله يدبر شؤون الصالحين ويربيهم تربية خاصة كما فعل مع الأنبياء سبحانه وتعالى ثم بعد ذلك أتباع الأنبياء .
الحمد لله رب العالمين فيه توحيد الربوبية ثم بعد ذلك (الرحمن الرحيم ) ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ) فالأسماء الحسنى مردها ومدارها على الله وعلى الرحمن ، فلم يشترك أحد قط مع الله في هذين الاسمين أما إنسان عليم إنسان حكيم هذا كثير في القرآن ، الله وصف كثيرا من الأنبياء بأنه عليم وأنه حكيم وأنه عزيز مثل عزيز مصر إلى آخره ، مع التفاوت الشديد بين حقائق الأشياء ، فأنت إن أضفت الصفة لموصوفات مخلوقات متعددات فإنها تتفاوت بتفاوت مقدار المخلوقات فإن قلت رأس فالرأس صفة إن أضفتها لذوات المخلوقات متعددات فإنها تتفاوت كتفاوت هؤلاء المخلوقات ، فقل رأس الإبرة وقل رأس جبل هل من فرق بين رأس الإبرة ورأس الجبل ، والإبرة مخلوقة والجبل مخلوق قل رأس فلان وقل رأس حمار، أجلكم الله، أو رأس خنزير ففرق كبير في الصفة ، فالصفة تختلف بإختلاف الذوات المخوقات، فكيف بالصفة إن أضيفت إلى خالق ثم أضيفت إلى مخلوق ، فصفة الله والرحمن خاصة بالله جل في علاه ، ولذا سر ذكر الله والرحمن دون غيرهما من الأسماء في سورة الفاتحة لتكون ركنا ركينا لتوحيد الأسماء والصفات .
ولذا بعض أهل العلم يقسم التوحيد إلى قسمين ، وهذان القسمان ألصق بتقسيم الفاتحة من التقسيم الذي ذكرناه ، فمنهم من يقول ( توحيد خبر ) و ( توحيد طلب ) ، أخبار تصدق وطلب تعمل ، فتوحيد الخبر إنما هو توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الطلب هو توحيد الألوهية ، لأن توحيد الألوهية المطلوب فيه أن تتوجه بقلبك لربك وأن لا تصرف العبادة إلا له سبحانه وتعالى ، والعبادة إسم جامع شامل للأقوال والأفعال التي يحبها الله وتعالى الظاهرة والباطنة هذا معنى العبادة .
لذا جاء في سورة الفاتحة بدايةً ذكر توحيد الربوبية ثم بعدها جاء ذكر توحيد الأسماء والصفات وهو توحيد الخبر ، فالله جل في علاه أخبرنا ، والتوحيد فيه إتباع ، فليس لك أن تعرف ربك بعقلك ، الخلق كلهم لو أنهم إجتمعوا بأذكياءهم فيعلمون أن الله تعالى حق و لكنه لا يمكن للعقول مستقلة أن تعلم ماذا يريد الله تعالى منهم ، يستحيل للعقل بالإستقلال أن يعرف أن الله تعالى مثلا يحب الصلوات الخمس في الأوقات الخمس بعدد معين من الركعات بشروط معينة فالله لا يقبل الصلاة إلا بشروط معينة فهذه لا يمكن للعقل إستقلالا أن يعلمها مهما بلغت عقول أصحابها ، وإنما الذي يعلم ذلك العبد من خلال الوحي الذي أنزله الله تعالى وهذا تحصيل حاصل .
الآن نحن نتكلم وندور في فلك الإيمان بالرسل والأنبياء والكتب والملائكة ، فالعلاقة بين الرسل وبين الله تعالى وإنزال الكتب إنما هو من خلال الملائكة ، فهذا هو سر عدم ذكر الإيمان بالكتب والإيمان بالرسل والإيمان بالملائكة في سورة الفاتحة لأن صاحبها والذي يحقق درجاتها ومراتبها الأربعة هو متحقق قطعا بالإيمان بهذه الأشياء الثلاثة وهذا هو سر ذكر العبد لقوله ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ولا يقول اهدنا إلى الصراط المستقيم لو أنه كان يقول اهدنا إلى الصراط المستقيم لاحتاج ذكر الملائكة والإنبياء والرسل .
( اهدنا الصراط ) ، أنت تسأل ربك الهداية التي في الصراط ولا تسأل ربك أن تهدى إلى الصراط ، لأن الذي يقرأ الفاتحة هو في الصراط ، فالهداية قسمان :
1 – هداية إلى الصراط .
2 – هداية في الصراط .
فالذي يقرأ الفاتحة يدعو ربه الهداية التي في الصراط ، ومما ينبغي أن يعلم أن الهداية درجات ، وأن ليس كل عابد مهدي ، فكم من عابد ليس له من الهداية نصيب ، فكما أنك إن تحققت بالحمد فإنك تتوجه بعد ذلك إلى العبادة ثم بعد العبادة تتوجه إلى الهداية ثم بعد الهداية تتوجه إلى النعمة .
أما توحيد الألوهية فمذكور في قوله تعالى ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) فتوحيد الألوهية مداره أن تخلص العبادة لله وهذا هو سر ذكر المعمول قبل العامل ، المفعول به قبل الفعل ، فترتيب الجملة عند العرب فعل وفاعل ومغعول به أما بالفاتحة فربنا علمنا جل في علاه أن نقول إياك وهو المفعول به ،إياك نعبد ،فقدم المفعول به على الفعل ،والعرب إذا قدمت المفعول به على الفعل فإنما يدل ذلك على الحصر والقصر ، فلا يجوز للعبد أن يوجه أي لون من ألوان العبادة الظاهرة أو الباطنة لغير الله عز وجل ، وكذلك لا يستطيع العبد أن يعبد ربه سبحانه بذكائه ولا بعقله ولا بماله ولة بجاهه وإنما هو فقط بالذل والحاجة والخروج عن الحول والطول التي أوتيها ، وأن يفزع إلى الله عز وجل ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) ، فالواجب على العبد حتى يحقق العبادة لا بد أن يخرج من حوله وطوله وأن يستعين بربه جل في علاه على هذه العبادة .
فسورة الفاتحة سورة عظيمة جدا لو مهما طال العبد في تأملها وتدبرها لبقي عاجزا ولبقي الأمر يحتاج إلى مزيد
↩ رابط الكلنة :
◀ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان. ✍✍
⬅ للإشتراك في قناة التلغرام :
http://t.me/meshhoor .✍✍