ما هو حكم لعب البلياردو

الأصل في الرياضات المحمدية أنها توقع الأبدان وتقويها، وتجعل صاحبها يستثمر الأوقات المهدورة في أدائها مقابل فائدة معتبرة، ولذا من الرياضات المحمدية التي مارسها صلى الله عليه وسلم، وشجع عليها السباق، العدو على الأقدام، والعدو على الخيل، والمصارعة، فقد صارع صلى الله عليه وسلم بطلاً عربياً كان يسمى ركانة بنفسه، وأظهر نبوته من خلال صرعه.
وأما الألعاب التي تمارس ولا تعود على صاحبها بما يعين على الجهاد في سبيل الله عز وجل، فهذا الأمر ليس بمحمود.
ولعبة البلياردو هي لعبة أشبه ما تكون بالتسلية، وهي لعبة عرفت في القرن الثالث عشر في أوروبا، وأكثر من مارسها لويس الرابع عشر، وكان يمارسها هذا الملك بعد الغداء، وهذه لعبة تمارس من خلال طاولة فيها ثقوب، وعصا تضرب بها كرات على هذه الطاولة، لتدخل هذه الثقوب وفق قانون معين، وهذه اللعبة فيها هدر للوقت دون كبير فائدة، وإن كان فيها المشي، فكما يقولون من لعب مئة شوط متتاليات فكأنما مشى ألفي قدم حول الطاولة.
والذي انشرح صدري إليه، من خلال ما أعلم من القواعد الفقهية والمقاصد الشرعية، أن هذه اللعبة لا تخلو من مكروه، من أجل هدر الوقت من غير كبير فائدة، وعدم وجود نظير لها يشجع عليه الشرع، وغالباً تصطحبها أمور قد تجعلها حراماً، فهي للأسف موطن اجتماع شباب لا يقيمون للدين وزناً، ولا لصلاة الجماعة، بل يهدرون الأوقات ويضيعونها، وأمر آخر أن أغلب صورها التي تمارس في الواقع يصطحبها قمار، والقمار يكون من خلال أن المغلوب هو الذي يدفع.
أما المعاوضات الشرعية في الرياضات فهذا باب واسع ولا بأس من إلمامة سريعة بأصولها، فهذا باب امتحن به بعض الأئمة كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، بل سجن ابن القيم من أجل هذه المسألة، وهي مسألة المعاوضة على الفروسية.
والمعاوضة إن كانت من طرف خارج عمن يلعبون، كأن يقول طرف لاثنين: من غلب أجعل له كذا، فهذا حلال، وليس من باب القمار في شيء، وإنما هذا من باب الجعالة.
والجعالة مشروعة ومشروعيتها في القرآن والسنة، وذلك من مثل قوله تعالى في سورة يوسف: {ولمن جاء به حمل بعير}.
وأما إن كانت المغالبة من طرفين الغالب يأخذ والمغلوب يدفع، فهذا هو القمار، سواء كان المدفوع مالاً، أم طعاماً، أم شراباً، قل أو كثر، سواء كان بغيضاً أم حبيباً، أجنبياً أم قريباً، فما يلعبه الناس اليوم في سهراتهم، كالضاما والشدة والنرد، على أن المغلوب يطعم الموجودين أو يسقيهم شيئاً، فهذا المطعوم أو المشروب في دين الله قمار، حرام بذله، حرام أخذه وحرام أكله، بل حرام المشارطة عليه السابقة.
وأما ما يبذل في توقيح الأبدان وفي المراهنة على مسائل علمية من أصول الأديان، من جعل بين الطرفين يأخذه الغالب، ويدفعه المغلوب، فهو جائز، وهذا أقرب إلى ظاهرة الأدلة الشرعية وأرجحها وأسلمها، فقد تراهن أبو بكر مع كفار قريش على من يغلب، الفرس أو الروم، وكان المسلمون يحبون أن يغلب الروم الفرس، لأن الروم أهل كتاب، فتراهن أبو بكر معهم على شيء معلوم، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على هذه المراهنة، وهذه مراهنة على مسائل العلم الكبار.
وأما المراهنة على ما يوقح الأبدان  فقد صنع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بنفسه مع ركانة  لما تحداه، وكان ركانة رجل لا يغلب، ولا يستطيع أحد أن يرميه الأرض، فاستعان النبي صلى الله عليه وسلم بربه وغلبه ثلاثاً، وكان بينهما المراهنة في كل مرة على شاة، فلما أراد ركانة أن يدفع ثلاثة شياة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تجمع عليك خسارتين}، فعفا عنه، وورد عن ابن اسحاق وغيره أن ركانة قال: والله لا يقدر على صرعي إلا نبي، فأشهد أنك رسول الله.
وهنا نكتة ولطيفة، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم آمن به كثير من الناس وكان علاج الإيمان أشياء تخص هؤلاء الناس، فمراعاة حال المخاطب وحاجة المخاطب ونفسيته لا يقوى عليها إلا الموفق، فالأحنف بن قيس كان بخيلاً، فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم، وكان النبي قد غنم في بعض المعارك من الغنم أشياء كثيرة، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم تعلقه بالمال، أقطعه وادياً من غنم، فاستغرب وقال: والله لا يصلح ذلك إلا نبي، فأشهد أنك رسول الله.