ما هي نصيحتكم لمن يتصل عبر الهاتف بالعلماء وطلبة العلم

جزى الله السائل خيراً فإن في النفس كلاماً في هذا الموضوع أحب أن أذكر إخواني به، فيا أخي؛ بارك الله فيك وزادك حرصاً إن رفعت السماعة وسألت فشكر الله لك وبارك فيك، ولا يفعل ذلك إلا حريص يريد أن يعرف حكم الله عز وجل في مسألة.
 
لكن ينبغي لمن يفعل ذلك أن يتأدب بآداب، وينبغي أن يراعي أشياء؛ فأولاً: عليه أن يعلم أنه ليس الوحيد الذي يتصل، فإنه قد يتصل مئة غيره، والأمر الثاني: ينبغي أن يسأل عن الشيء الذي لا يقبل التأجيل وأن يعلم أن الهاتف هو لقضاء غرض على أسرع وجه.
 
فليس الهاتف موطن الجواب المفصل والمدلل، وما ينبغي للعالم و طالب العلم أن يذكر على الهاتف الشبه وكيف ترد وكيف تناقش، فعلى الهاتف يطلب الجواب فقط، من أجل أن يقضي حاجة وغرضاً عجلاً، وفيما بعد يستفصل، أما أن تصبح طالب علم على الهاتف فلا يجوز لك ذلك إلا أن تطلب موعداً مسبقاً وأن يحول أمر دونك ودون العالم أو طالب العلم كمن يكون خارج البلاد، لكن أن تطلب محاضرة وأنت تعلم أن هناك مئة غيرك يتصلون فمسكين طالب العلم هذا، على من يجيب ومع من يتكلم؟ فلا يستطيع أن يتكلم، فالهاتف من أجل قضاء الغرض الذي لا يقبل التأجيل.
 
والأمر الثالث: ينبي للسائل أن يعلم أن وقت المسؤول ثمين فالوقت نفيس، فوالذي نفسي بيده لو أن الوقت يباع لبعت بيتي واشتريت وقتاً وكما قال الحسن: ((يا بن آدم، إنما أنت أيام فإذا مضي يوم مات بعضك))، فبعض الأخوة يسألون ويكونون أمام عوام فتجيبهم، فيقول لك: لو سمحت؛ اقنع فلان، ثم اقنع فلان، فما هذا؟ فالمسؤول ليس مسجل يبقى يعيد، فأنت يا طالب العلم تسأل ولا تطلب أن تخاطب العامة، وبعد أن تضع الهاتف اشرح لهم أنت واحلم عليهم.
 
والأمر الرابع: ينبغي للسائل أن يعلم أن الهاتف ليس للإجابة على مسائل الأمة العامة، فالمسائل القلقة لا يسأل عنها على الهاتف.
 
والأمر الخامس: ما ينبغي أن تقضى مسابقات الناس على الهاتف فبعض الناس يسأل عن المسابقات لينال الجوائز، وطلبة العلم أوقاتهم أنفس من هذا.
 
والأمر السادس: ينبغي للطالب إن سأل أن يبدأ بـ : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بارك الله فيكم يا شيخنا سؤالي كذا وكذا، فيسأل السؤال بأقصر عبارة ومن غير أن يقص قصة، فقد يقص الإنسان قصة عشر دقائق ثم يسأل السؤال، فأقول دعك من القصص، وقل سؤالك مباشرة، من غير ذكر التفصيل، ودعك من الأسئلة التي لا معنى لها، والأسئلة التي فيها إثارة وضجة، ولا ينبني عليها عمل، وإن حقك أن تأخذ الحكم الشرعي فيها لكن بتأصيل وتفصيل ليس عبر الهاتف.
 
والأمر السابع: إن كان عند البعض أسئلة كثيرة، ويصعب عليه إلا أن يسألها على الهاتف فينبغي أن يشرح للمسؤول ذلك، ويقول له: يا فلان عندي مجموعة من الأسئلة أريد منك وقتاً تحدده لي حتى ألقي عليك هذه الأسئلة.
 
والأمر الثامن: يقبح بالسائل أن يضارب بين قول المسؤول وغيره، كأن يقول: يا شيخ سألنا فلان وفلان وقالوا كذا وأنت ماذا تقول؟ فهذا امتحان ليس بحسن لكن إن استشكل عليه شيء فاسأل عنه من غير أن تقول : فلان قال كذا.
 
والأمر التاسع: من أسوأ الأشياء أن يسجل طالب العلم الفتوى دون أن يستأذن، فهذه خيانة فينبغي إن أردت أن تسجل أن تستأذن، فالكلام الذي يسجل ليس كالكلام الذي يلقى عبر الخاطر.
 
والأمر العاشر: ينبغي أن نراعي وقت السؤال فإن طرأت عليك مسألة في منتصف الليل مثلاً وتريد أن تسأل عنها فهذا ليس بحسن، ثم إن اتصلت مرة ومرتين وما أجابك فلا تلح كثيراً، فلعله مشغول، فلطالب العلم لبدنه حق، ولزوجه حق، ولأبناءه حق، ولعلمه وأبحاثه حق، وللناس حق، نعم إن طالب العلم ليس ملكاً لنفسه ولا لأهله، وأولاده، وإنما كل صادق وطالب علم له فيه نصيب، ويجب عليه أن يعطى هذا النصيب له، لكن بترتيب وبعدم تشويش وتداخل الحقوق، وإنما يعطي كل ذي حق حقه في الوقت الذي لا يقع فيه تضارب.
 
ثم مسائل الطلاق والقضاء وفصل الحقوق والميراث لا تصلح على الهاتف، ومخطئ من أفتى الناس بالطلاق على الهاتف كائن من كان، فأئمة الدنيا: ابن باز، الألباني، ابن عيثمين، ما كانوا أبداً يفتون على الهاتف في الطلاق، وأنت لا تعرف السائل فلعله يلعب والطلاق قضاء، ومسألة يحتاط فيها ولا يجوز لها الهاتف والعوام لا يضبطون ألفاظهم، والمفتي حتى يفتي فلاناً يحتاج إلى أن يتحايل عليه وأن يسأله أسئلة كثيرة، بصيغ مختلفة حتى يكيف ماذا قال، وهذا يصعب أن يقع على الهاتف ويحتاج إلى قرائن، فربما يحتاج أن يسمع من حاضر ماذا نطق والناس الآن في عصر الآلة جفت مشاعرهم، وأصبحوا يريدون كل شيء على وجه السرعة، وهذا لا يصلح به الشرع.
 
فالهاتف له آداب يستخدم عند الحاجة، بمقدار الحاجة من غير تفصيل ومن غير إزعاج وفي وقت معين، وينبغي أن نراعي هذه الآداب، ووفق الله الجميع .