وأقبلت عشر ذي الحجة

وأقبلت عشر ذي الحجة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك وأشهد أن محمد عبده ورسوله.

أما بعد.

فنحن مقبلون على أيام يعظُم فيها الأجر، وهذا من منة الله سبحانه وتعالى وإفضاله ونعمه على عباده، أن خصهم بمواسم، وخصهم بأزمنة وأمكنة عظم فيها سبحانه وتعالى العبادة.

ولله نفحات في هذا الدهر، فينبغي للعاقل أن يتعرض لها، وأن يستجيب لما حث عليه الشرع في هذه الأماكن، أو في مثل هذه الازمنة.

نحن على أبواب العشر الأوائل من ذي الحجة، وقد ثبت في صحيح الإمام البخاري وسنن الترمذي عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ. قَالُوا: وَلا الْجِهَادُ، قَالَ: وَلا الْجِهَادُ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ.
[ صحيح البخاري، (969) ].
إلا: أي إلا جهاد رجل.
وفي رواية الترمذي وأبي داود: وعَنه أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ الْعَشْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ.
[ صحيح / صحيح سنن الترمذي، (757).

فالعمل الصالح في هذه الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة يفضل كل عمل صالح في سائر أيام السنة.

ولذا فضلَ الله تعالى العمل الصالح في هذه الأيام على الجهاد في سبيل الله، إلا في صورة واحدة، أن يخرح رجل بماله، وفرسه.

ولذا قال علمائنا رحمهم الله تعالى مفاضلين بين العمل الصالح في العشر الأوائل من ذي الحجة، وبين العمل الصالح في العشر الأواخر من رمضان.
ففصلوا وعدلوا وقالوا مايحب الله سبحانه وتعالى.
قالوا: العمل الصالح في نهار العشر الأوائل من ذي الحجة أحب إلى الله تعالى من العمل الصالح في نهار العشر الأواخر من رمضان.
وقالوا: والعمل الصالح في ليالي العشر الأواخر من رمضان أحب إلى الله تعالى من العمل الصالح في ليالي العشر الأوائل من ذي الحجة.
مع التنويه والتنبيه على أن ليالي العشر الأوائل من ذي الحجة، معظمة أقسم الله تعالى بها فقال: قال تعالى: (( وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ)).
والمراد بالليال العشر، هي ليالي العشر الأوائل من ذي الحجة.
وأن العمل الصالح في نهار العشر الأواخر من رمضان فاضلة أيضاً، إلا أن العدل ووضع الأشياء في أماكنها جمعاً بين جميع ما ورد في الشرع من أدلة تقضي بأن العمل في نهار العشر الأوائل من ذي الحجة أحب إلى الله تعالى من العمل الصالح في نهار العشر الأواخر من رمضان.
رمضان فضله بلياليه، وليالي العشر في رمضان فيها ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر؟
وأما العشر الاوائل من ذي الحجة فالعمل فيهن بين يدي أعظم يوم من أيام السنة وهو يوم النحر.

فقد ثبت في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :أحب الأيام إلى الله يوم النحر ثم يوم القر.
فأفضل يوم من أيام السنة اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو يوم النحر، وبعد يوم النحر يفضله أيام القر.
وأيام القر المراد بها أيام الاستقرار بمنى، الأيام التي يكون فيها الاستقرار بمنى، وهي أيام التشريق بعد يوم النحر، فأفضل يوم على الاطلاق يوم النحر.
والأيام التسع التي هي بين يدي يوم النحر إنما عظم شأنها بسبب هذا اليوم.
وكذلك الليالي العشر التي بين يدي ليلة القدر عظم شأنها من أجل ليلة القدر .
يا حسرة على الناس ويا حسرة على من كان غافلًا من الناس، فإنهم لا يعظمون يوم النحر على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه، فما أكثر الغفلة فيه ويا للأسف، ربما بعض الناس يتساهل في هذا اليوم فيقع في كثر من المخالفات، أعني في يوم النحر، وإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة الا بالله.

هذه الأيام إخواني فاضلة تحتاج من العبد اليقض الحريص الموفق أن يجد ويجتهد ويكثر من الطاعات.

ماهي أفضل الطاعات في هذه الأيام؟
أفضل الطاعات واجب الوقت.
ما هو واجب الوقت؟
واجب الوقت الحج.
فأفضل عمل في هذه الأيام العشر من ذي الحجة ( الحج )، أن يحج الإنسان، ولا سيما إذا كانت حجة الإسلام، والواجب على المكلف أن يبذل جهده على قدر استطاعته في كل عام، وأن يجدد ذلك في كل عام، وأن يحدث نفسه وأن يعزم نيته بأن يسلك سبل تحصيل الحج، ولا سيما أصحاب الأموال واليسار فهذا أمر سهل عليهم، فإن لم يستطع نال الأجر بالنية، أما أن يبقى غافلًا عن الحج ولا يذكر الحج فلا.

لما نزلت آية { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} نزلت في يوم عرفة، في حجة النبي صلى الله عليه وسلم، في مكة المكرمة، وإتمام الدين إنما كان بسبب النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه وزادوا عن مئة ألف أتموا فريضة الحج، فلما أتموا فريضة الحج قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} كانوا قد فعلوا الأركان الأربعة، وأما الركن الخامس فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قد حج فلما أتم الحج هو ومن معه أنزل الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}
هل حج النبي قبل هذه الحجة؟
نعم؛ لكن حج في الجاهلية حج قبل أن يبعث، وحج على غير نهج الجاهلية، وحج على نهج أبينا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم، فإنه ذهب إلى عرفة وكانت العرب في الجاهلية كان أهل الحمس وهم أهل قريش كانوا لا يخرجون من الحرم، كانوا إذا بلغوا عرفة ماوصلوها لأن عرفة حِلٌ وليست عرفةُ بحرمٍ، ولذا قال علمائنا رحمهم الله -وهذه فائدة مهمة-: قالوا الحجيج يخرجون من حرم الله إلى حله.
وما هو حله؟
عرفة.
ثم الله جل في علاه يردهم من حله وهو عرفة إلى حرمه، وهو مزدلفة، فمزدلفة حرم.
قال علمائنا رحمهم الله: أن يخرج الحجيج من الحرم إلى الحل ثم يردهم الله تعالى من الحل إلى الحرم مرة أخرى معنى ذلك أن الله تعالى قال لهم: أخرجتكم مساكين حاسري الرؤوس متجردين من الملابس من حرمي إلى حلي، ورددتكم إلى حرمي.
قالوا في هذا إشارة إلى أن الله قد قبلهم وغفر لهم، إخراجهم ثم عودهم فيها هذه الإشارة.
ثم بعد واجب الحج الفروض المنساة وما أكثر الفروض المنساة في هذه الأيام وإلى الله المشتكى؟
تفقد حالك واسأل نفسك هل تركت من فروض؟
فالفرض مقدم على السنة.
أحب ما يتعبد الله إليه الفرض، إنسان تارك الزكاة اتق أخرج زكاة مالك، إنسان قاطع للرحم اتق الله صل رحمك، إنسان بينه وبين إخوانه مشاجرة ومنازعة من أجل الدنيا أصلح ما بينك وبين إخوانك، إنسان أكل حقوق الناس وظلمهم أرجع إلى أصحاب المظالم مظالمهم، فأحب الأعمال إلى الله بعد الحج الفرائض التي قصرت فيها وتركتها، فهذه أحب إلى الله عز وجل من الأعمال النوافل.

فرجل لله الحمد والمنة يقظ، حريص، قلبه متوجه إلى اليوم الآخر لم يجد في نفسه ولله الحمد والمنة قد قصر في هذه الفرائض فحينئذ العمل الصالح مطلق.
النبي صلى الله عليه وسلم قال في مسند الإمام أحمد: (فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير).
فالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير من الأعمال الصالحة.
ولذا كان سلفنا الصالح كما علق الإمام البخاري عن أبي هريرة وغيره كانوا في العشر الأوائل من ذي الحجة يخرجون إلى السوق ويكبرون.
يعني يبدأ التكبير من العشر الأوائل من ذي الحجةِ، وهذا التكبير يُسميه عُلمائنا رحِمهم اللهُ تعالى التكبير المُطلق، لا المقيد.
التكبير في العشرِ الأوائل مطلق ومقيد.
التكبير المطلق متى يبدأ؟
يبدأ من الأول من ذي الحجة.
والتكبير المقيد متى يبدأ؟
يبدأ من عرفة و ينتهي بغروب اليوم الثالث من أيام التشريق وهو اليوم الرابع عشر من أيام ذي الحجة، فبِغروب شمسه ينتهي التكبيرُ المقيّد.
أما التكبير المطلق و ذكر الله المطلق فهذا يُسن، يسن للإنسان في السوق في أول ذي الحجة يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا حرج في هذا، حتى يتذكّر أهلُ الغفلةِ، فعموم التسبيح و التهليل و التكبير خصّه النّبي ﷺ بالذكر.

أما الصيام فقد و رد عند أبي داود بإسنادٍ جيد أن النّبي ﷺ كان يصوم التسع من ذي الحجة، حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ وَعَفَّانُ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا الْحُرُّ بْنُ الصَّيَّاحِ قَالَ سُرَيْجٌ عَنِ الْحُرِّ عَنْ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ قَالَ عَفَّانُ أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنْ الشَّهْرِ وَخَمِيسَيْنِ.
قال العلامة المحدث الألباني – رحمه الله – في ( صحيح أبي داود – الأم ) ( 7/196 ) : وهذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات معروفون؛ غير هنيدة بن خالد.

لا تقول صيام العشر؟
فصيام يوم عشرة من ذي الحجة حرام، يوم عشرة ويوم النحر صيامه حرام هذا في غير حق الحاج، أما الحاج فقد ذهب جماهير أهل العلم إلى كراهة صيام يوم عرفة، وذهب الحنابة إلى حرمة صيام يوم عرفة في حق الحاج لظاهر قول النبي ﷺ يوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ. سنن أبي داود كتاب الصوم / باب صيام أيام التشريق / حديث رقم 2419

الحاج متي يبدأ عيده؟
الحاج يبدأ عيدُه يوم عرفة.

و لذا الصحابة وقع خلاف بينهم هل النبي ﷺ كان صائمًا أم كان مفطرًا في عرفة؟

سبحان الله بعض الناس موفّقين يصلُ إلى الحق و الحقيقة بأقرب و أسهل و أوضح طريق، امرأة ذاتُ لُبٌ لمّا سمِعت الصحابة وقع بينهم خلاف و النبي ﷺ قاعدٌ على ناقته في يوم عرفة أرسلت له ماء بارد قد شيب بلبن، يعني خلِطت معه ماء بارد بلبن وأرسلت كوباً للنبي ﷺ وهو على ناقته، فالنبيُ ﷺ شرِبَ الماء أمامَ الناسِ، فقطعت كما يقولون في المثل العربي، جَهِيْزَةُ قَوْلَ كُلِّ خَطِيْبٍ، قطعت الخلاف، النبي ﷺ شرب.
فقال جماهيرُ أهلِ العلمِ يُكره و قال بعضُهم يُحرم للحاج أن يصومَ يومَ عرفة، يومُ عرفة يوم عيد للحاج، الحاج يبدأ عيده يوم عرفة.

مُطلَق الأعمال الصالحة في العشر من ذي الحجة حسنة، صيام، صدقة، ذكر لله عزّ و جلّ، قيام ليل، مع التركيز أن يكون العمل في النهار مُركّز أكثر من العمل في الليل.
انتبه لعملك في النهار ولا تنسى عملك في اللّيل.
لكن احرص على عملك في النهار، أدخل السرور على المسلمين، صل المسلمين، ذكرهم بالله، أدِ حقّ الله عزّو جل فيمن قصرت في أداء حقِه و ما شابه.
فالعملُ الصالحُ في هذه ألأيام عملٌ محببٌ إلى الله عزّ وجلّ.

⬅ رابط الفتوى :

وأقبلت عشر ذي الحجة

⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.✍️✍️

📥 للاشتراك:
• واتس آب: ‎+962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor