السؤال الأول أخ يقول ما نصيحتك في الخمول والكسل في الطاعات والنوافل وطلب…

http://meshhoor.com/wp/wp-content/uploads/2017/01/AUD-20170108-WA0026.mp3الجواب : إعلم علمني الله وإياك ، أن النبي- ﷺ – قال فيما ثبت عنه : ( إن لكل عامل – وفي رواية – إن لكل عابد شِرَة وفترة فمن كانت شِرَتُه إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى )
كانت عائشة – رضي الله تعالى عنها- تقول : ( كان رسول الله – ﷺ – يصوم حتى نقول لا يفطر وكان يفطر حتى نقول لا يصوم ) .
فالنفس البشرية تنازع صاحبها ، والإنسان في هذه الحياة يحتاجُ أن يتسلح بالصبر ،قال تعالى “سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ” (24) سورة الرعد ، بهذا يمتاز الصالحون ويمتاز أهل الجنة ،عندما الملائكة يدخلون عليهم فيقولون : “سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ” ۚ.
فالصبرُ على الطاعات أعظم عند الله من الصبر على ترك المعاصي .
والإنسان في هذه الحياة يعيش في ابتلاء والمطلوب من الإنسان أن يتحقق قول الله تعالى : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلنا وإن الله لمع المحسنين } .
فالنفسُ تنازع صاحبها ، ويميلُ الإنسان إلى الكسل ، لكن الكسل كما قال النبي- ﷺ – من كانت فترته -الفتور والكسل إلى سنتي فقد اهتدى ، في الحماس لا يجوز لك أن تخرج عن السنة ، وفي الفتور لا يجوز لك أن تخرج عن السنة .
من سار إلى الله بفقه وتوغل في هذا الطريق بعلم وتوفيق من الله عز وجل لا ينقطع ، لم يكن السلف الصالح يعرفون التحول والتنقل ، وكان الواحدُ منهم إذا فعل عبادةً أثبتها ، فكانت عائشة – رضي الله تعالى عنها – تقول : ( كان عملُ رسول الله – ﷺ – ديمة ) ، أي عمل على وجه الدوام .
وكانت تقول – رضي الله عنها- 🙁 كان رسول الله- ﷺ – إذا عمل عملاً أثبته ) .
افحص قدرتك قبل أن تبدأ، بالعمل هل تثبت عليه أم لا ؟ ، وأعني بالعمل النفل المطلق من صيام ، أو قيام ليل ، أو صلاة ضحى ، أو صدقة ، أو ما شابه .
افحص قدرتك إن كنت تستطيع أن تثبت افعل ، ما تستطيع أن تثبت، زكي نفسك ، وسأل ربك الثبات ، وأنت لما تسأل ربك الثبات لا تريد الثبات على أصل الدين فقط ، أنت تريد الثبات على أصل الدين وتريد الثبات على ما تفعلهُ من واجبات ومن رغائب ومسنونات سواءٌ كانت سنن مؤكدة أو سنن مطلقة ، فعلى هذا الإنسان يسأل ربه الثبات .
فالفقيه الذي يسير إلى الله بفقه يفحص فيثبت ، ثم لما يتقدم به السن يزيد، ثم لما يتقدم به السن يزيد، فحينئذ يلقى الله في أحسن أحواله ، ويكون يوم لقائه سبحانه وتعالى هو خيرُ أيامه .
الإنسان كيف يلقى الله على أحسن أحواله ؟
يعني كلما تقدم به السن ازداد خيراً .
كيف يزداد خيراً ؟
هو ثابت على عمل ويأتي بعد فترة يثبت على عمل ، فإن للحسنة أخوات وإن للسيئة أخوات ، كان بعض التابعين الكوفيين يقول : (( إني لأعملُ الحسنة طمعاً في أختها التي هي أكبر منها وإني لأترك السيئةَ خوفاً من أختها التي هي أكبر منها فإن للحسنةِ أخوات وإن للسيئة أخوات )).
لا تستهن بالعمل الصغير ، يعني تقول هذا مكروه فالأمر سهل ، المكروه يجرُ إلى مكروه أكبر منه ،والمكروه الأكبر منه يجر إلى الحرام ، والحرام يجر إلى البدعة، والبدعة تجر إلى الكفر والعياذُ بالله .
اعلم علمني الله وإياك أن بعض الذنوب عند أصحاب البصيرة لا يمكن صاحب البصيرة أن يقول إن هذا الذنب قد وقع عن فلان أو هذه النتيجة قد وقعت من فلان ولم تسبقهُ ذنوب كثيرة ، بعض الذنوب الكبيرة والنتائج الخطيرة ما تظن أنه وصل إليها دون مقدمات ، خفيت علينا المقدمات فتفاجأنا بانتكاسات .
يعني طالب علم معروف ذو لحية ، صاحب ثوب ، صاحب هدي طيب ، فجأة تجده لبس بدلة وقرافة ، ويغازل النساء ، ويسمع للنساء على المحطات الفضائية ، هذه النتيجة سبقها مصائب ، هذه النتيجة ما وصل إليها هكذا ، هذه النتيجة سبقتها عجائب .
ولذا في سنن الترمذي جيء بشاب قد سرق ،فقضى عمر أن تقطع يده ، فقالت أمه : والله إنه سرق لأول مرة ، قال : كذبت ، والله إن الله قد ستر عليه مرة ،ومرة ،فأبى إلا أن يفضح نفسه ، ليس أول مرة ؛الواحد يسرق تُقطع يده ، لا ، الله عز وجل يستر ( ستِّير ) ، يستر كثيراً ، ثم يأبى الإنسان إلا أن يفضح نفسه .
ولذا الإنسان إذا وقع في الكسل فالمقدمات غير مُحكمة إلا إذا كان ضعف بشري وهذا ما يسلم منه أحد .
ولسر عظيم يدركهُ أهل البصيرة كان النبي- ﷺ – يستغفرُ ربهُ في اليوم سبعين مرة )، ففي هذا الحديث لماذا كان النبي- ﷺ – يستغفر ربه سبعين مرة في المجلس الواحد ؟
محمد بن عبدالله أحب الخلق إلى الله في المجلس الواحد يستغفر مئة مرة وسبعين مرة تدرون لماذا؟
لأن الله يقول “لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر”.
الإنسان لا يثبت .
لو الإنسان يثبت على حال فإنه يتعب، ويتعب ،ويتعب، ويغلق العداد على هذا الحال الطيب وانتهى ، ويلقى الله على هذا الحال ، لكن الله سبحانه قال “لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر” ، النبي – ﷺ – في كل يوم يتقدم إلى الله ،في كل يوم حاله خيرٌ من الحال الذي قبله ، مع أن الحال الذي قبلهُ لا شين فيه ولا عيب ، فكلما تقدم استغفر الله من المنزلة التي سبقتها ثم يتقدم ثم يستغفر الله من المنزلةٍ التي سبقتها، فهو في علو وارتقاء وتقدم كل يوم .
ولذا لما خُيِّرَ النبي – ﷺ – لما خيرهُ جبريل بين الدنيا والأخرة ، قال : إلى الرفيق الأعلى ، إلى الرفيق الأعلى ، الذي يتناسب مع تقدمه ، والتقدم بهذه الطريقة وبهذا الفقه فيه رفق، التقدم بالطريقة التي ذكرناها فيه رفق ، رفق بالنفس البشرية تعطيها حظها ، ومع إعطائك حظها أنت كالخيل الجموح ،تروضها ،تعطيها حظها وتروضها ،كما كان يفعل سفيان بن عُيينة – رحمه الله – سفيان بن عيينة كان إذا دخل العشاء صلى العشاء ، تعشى ، خصوصاً في أيام الشتاء هذه الأيام الطويلة الليالي الطويلة تعشى ،ثم بعد العشاء أتيَ له بموز وفالوذج من أطيب الحلوى فأكل ثم كان يقول – رحمه الله – : إعلف حمارك ثم كُدَّهُ .
ما معني اعلف حمارك ثم كُدَّهُ ؟
فأنت لماذا تطعم حمارك ؟
لكي تعمل عليه ، فأنت تطعمه كي تعمل عليه ، فبعد أن يأكل ويُعطي نفسهُ حظها من أطايب الطعام وأطايب الفاكهة وأطايب الحلوى ، يقول : إعلف حمارك ثم كُدَّهُ ، هكذا كانت عادتهم في عبادتهم مع ربهم عز وجل .
أسأل الله أن يرزقنا يعني شيئاً مما رزقهم .
وأسأل الله أن لا ينقطع هذا الإسناد ( إسناد العلم ) الموصول بهؤلاء للنبي- ﷺ – و ( إسناد العبادة ) الموصول بهؤلاء للنبي ﷺ .
أسأل الله العظيم جل في علاه أن لا ينقطع .
أبو ادريس الخولاني كان يعلق سوطاً على الجدار ، فيقوم في الليل ويُجاهد نفسه ، ونفسه تنازعه لينام ويرتاح ،فيأخذ السوط يجلد رجليه ويقول :
إني أريد أن يعلم أصحاب محمد أن قوماً يسابقونهم على محمد – ﷺ – ، يريد أن يعلم أصحاب محمد أنه في أقوام يسابقونهم في اتباع النبي ﷺ .
فلما حُرِقَ بيت أبو ادريس الخولاني ما مستهُ النارُ قط ، حُرق كل شيء حواليه إلا هو ، فلما بلغ عمر ذلك طلبه ، فجيء له ، فرأى سمته وهديه وعبادته فقال : والذي نفسي بيده لو أن محمداً – ﷺ – رآك لأحبك ، عمر الملهم المحدث يقول : والله لو أن محمداً – ﷺ – رآك لأحبك ، وكان يقول : الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة مثل إبراهيم عليه السلام .
فالخير موجود، وأن تشكو من ضعف فهذا علامة خير فيك ، أنت لما يفوتك خير تحزن ولما تظهر عوارض مرض عليك من كسل، فالحمد لله ادعو الله ، والنبي عليه السلام علمنا فمن الدعاء :
اللهم أنا نعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل .
ما الفرق بين العجز والكسل ؟
العجز أن لا تقدر ، تفقد القُدرة على العمل .
الكسل أن تقدر لكن أن لا تجد همةً عليه .
فالذي يكسل نتيجة الكسل، توصل إلى عجز .
بعض الناس كسلان وبعض الناس عاجز ، أيهما أفضل ( العاجز أم الكسلان ) ؟
الكسلان أفضل من العاجز ، يعني بعض الناس يتراكم عليه كسل وكسل وكسل حتى يصبح عاجز ، بعض الناس عنده عجز على قيام الليل وبعض الناس عنده كسل عن قيام الليل ، فمن أفضل ؟
الكسلان أفضل من العاجز ، الكسلان إذا ما شعر أنه فاته شيء وشعر أنه أمر طبيعي وتراكم عليه الأمور يصبح مثل الجرح الذي ليس فيه إيلام ، جرح أدمن صاحبه عليه ليس فيه إدمان .
نسأل الله الرحمة .
⬅ مجلس فتاوى الجمعة.
8 ربيع الثاني 1438 هجري
6 – 1 – 2017 إفرنجي
↩ رابط الفتوى :
◀ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان .✍?✍?