ما حكم عمل المحامي

المحاماة مهنة دخلت على الأمة الإسلامية من خلال (الاستدمار) ولا أقول الاستعمار، فهذه كلمة يجب أن تحذف من جميع القواميس ومعاجم اللغة العربية، ومن آثار الاستدمار فينا أنه سمى نفسه استعماراً، ومن قلة عقولنا أننا نسميه استعمار، فكأنما كنا في خراب فعمرنا، فلما جاء أعداء الله إلى بلادنا وعملوا على تخريب أخلاقنا وقوانيننا واستبدلوا شرعة ربنا بقوانين وضعية بدأ ما يسمى اليوم بالمحامين.
 
والمحاماة تكييفها الفقهي هو : وكالة في خصومة، فمن لا يحسن أن يخاصم فيقدم غيره ليخاصم عنه، وقد حصل بين بعض الأصحاب خلاف عند عثمان وحامى عنه ابن عباس وجاءه بحقه، فكان عثمان قد قضى عليه، ثم بعد أن حامى عنه ابن عباس قضى له، وثبت في الكتب الستة من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إنما أنا بشر مثلكم أقضي بينكم على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من أخيه شيئاً، فإنما أقضي له بقطعة من نار، فإن شاء فليأخذها وإن شاء فليدعها}، فالنبي يقضي على حسب ما يسمع والقاضي يقضي على حسب ما يسمع، فالمحامي ينمق ويعرض ويظهر.
 
والمحاماة عند الأقدمين مهنة خسيسة، فكان المحامي يتحاشاه الناس، والمحاماة تأكل باللسان وثبت في حديث سعد بن وقاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تقوم الساعة حتى يأكل الناس بألسنتهم}، وهذا مثل المحامين والمغنيين والصحفيين.
 
فالمحاماة مهنة مشروعة، لكنها غير محمودة عند الناس، لأن الإنسان يؤمن سره لغيره مضطراً؛ فإن أخذ حاجته فإنه سيمقت من عرف سره، وإن لم يأخذ حاجته وأخفق، أيضاً فسيشعر أنه أفشى سره، فلذا هذه الطبقة غير محمودة ، وما زالوا يراوغون إلا من رحم الله منهم.
 
فهي كمهنة في أصولها كالصحافة مهنة جيدة ولها دخل جيد، لكن في التطبيق العملي من أردأ المهن.
 
وهي جائزة بشروط ومن أهم شروطها أن يتمثل المحامي قول الله عز وجل {ولا تكن للخائنين خصيماً}، فإن جاءه رجل وقال له: أنا قتلت وأريد أن تبرئني، أو أنا سرقت وأريد أن تبرئني، فيجب على المحامي أن يتقي الله، فمثل هذا لا يجوز أن يحامي عنه، لأن الله يقول: {ولا تكن للخائنين خصيماً}. وهذا خائن، لكن هل يجوز أن يحامي المسلم عن المبطل والخائن، إن أوقعت عليه القوانين عقوبة  فوق العقوبة الشرعية، فيرد بمحاماته العقوبة إلى الحد الشرعي؟ هذا جائز له، لكن هذه المسألة صورية نظرية وليست عملية.
 
فالمحاماة جائزة بشروط وتطبيقها من حيث الواقع نظري، وليس بعملي، إلا عند الكمل من أهل الورع والتقوى ولعلهم اليوم معدومون أو عزيزون، والله أعلم.