ما هي نصيحتكم لطالب العلم

نصيحتي لطاب العلم:
أولاً: الإخلاص، وأنه يعلم أنه يقوم في الأمة بمهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يفلح ولا ينجح أبداً، ما لم يكن صادقاً مخلصاً، ما لم يكن باطنه طاهراً.
 
ونصيحتي له إن كان في الابتداء أن يزداد في التقرب كلما ازداد علماً، فالله عز وجل يزيد العبد علماً ببركة صدقه وإخلاصه، وإن الرجل ليحرم الرزق والعلم ، وتوضع العوائق في طريقه بسبب ذنوبه، ولذا قالوا: من ازداد علماً، ولم يزدد تقىً، فليتهم علمه .
 
وأنصح طالب العلم: أن يطلب العلم للعمل، فلا يطلبه ليشار إليه بالبنان، ولا ليتصدر المجالس، وقديماً قال سفيان: (من طلب العلم للعمل كسره العلم، ومن طلب العلم ليجادل، فليضع له قرنين وليناطح الناس). فبعض الطلبة أمله المناطحة، يتكلم مع الناس بأسلوب فيه علو ورفعة، وفيه كبر وتيه، والعياذ بالله.
 
ينبغي لطالب العلم والعالم كما قال أيوب السختياني رحمه الله: (ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعاً لله عز وجل).
وينبغي لطالب العلم في البدايات ألا ينشغل بالتخصص، فقبيح بطالب العلم أن يكون شبعان ريان بفن دون فن، أو أن يكون مليئاً بفن، وعامياً بآخر، فأنصح طالب العلم، أن يتجول في جنات معروشات وغير معروشات، في سائر الفنون والعلوم، ثم وهو يتجول سيسمع صوتاً ينادي عليه من داخله؛ وجدتها وجدتها، حط رحلك هنا، هذه جنتك، فما أهنأنا لما نجد قسماً من إخواننا قد تفرغ بعضهم للتفسير، وبعضهم للأصول، وآخر في اللغة، وآخر في الفقه، وهكذا، حتى نسقط الإثم عن الأمة ، فالأمة اليوم كل فرد منها آثم بسبب عدم وجود فرض الكفاية من وجود الفقهاء والمحدثين والأصوليين واللغويين والمؤرخين فيها.
 
والناس كأسراب القطا يتابع بعضها بعضاً، فالناس اليوم لما رأوا إمام هذا العصر قد انشغل بعلم الحديث ترك أصحاب القرآن وأصحاب التفسير والقراءات تركوا ما هم فيه من خير وانشغلوا بالحديث، وبودنا ومن أغلى أمانينا أن يظهر في الأمة أئمة في كل علم، فيجددوه ويشغلوا الأمة فيه، ولا تبقى الكتب على الرفوف، أو محبوسة بين الجدران، وفي المكتبات ، فببركة انشغال إمام هذا العصر بعلم الحديث كادت جميع مخطوطات هذا العلم وأهمها أن تظهر، وبقيت مخطوطات كثير من العلوم محبوسة رهينة، بسبب عدم وجود أئمة ، فلو نبغ بعض الأئمة وأشغلوا الطلبة في هذا العلم والله لظهرت، وكم من إنسان يحب الطلب لكن لا يتيسر له سبل الطلب.
 
لذا على طالب العلم أن يقرأ جميع العلوم، ينشغل بأصولها وكلياتها، ومبادئها، فاقرأ في الفقه كتاباً من أوله لآخره، لا تقرأ قراءة تحقيق في كل مسألة فلو فعلت ذلك كما يفعل البعض، فيغرق في الماء ولا يخرج منه، ويترك الطلب ولا يتقدم، فخذ متناً من المتون، أو أحاديث الأحكام واقرأها كاملاً، وكذلك اقرأ سائر العلوم، ثم بعد ذلك تخصص، فالتخصص مرحلة متأخرة، فإن وصلت مرحلة التخصص، فعليك أن تعرف هذا العلم، فترجع إلى مبادئه وكلياته، ثم تبدأ تفصل، وأن تعرف أهم مصادره، وكتبه، وأن تعرف أعلامه الأقدمين والموجودين وأن تكون لك صلة بهم ، بالمهاتفة ، بالمراسلة، بالجثو على الركب بين أيديهم، وأن تعرف المسائل المشكلة في هذا الفن، التي ينشغل بها أهل هذا التخصص ، وهكذا.
 
ونصيحتي لطالب العلم أن يعلم أن الطريق طويل، وأن العلم ميراث النبي صلى الله عليه وسلم وأن الذي يسير في هذا الطريق، لا بد أن يؤذى، ومن فاق أقرانه لا بد من حساد، فلا تنشغل بحسادك وامض قدماً، ولا تلتفت إلى هنا وهناك، فقد أسند ابن قتيبة في “عيون الأخبار”: (أن الحاسد لن يهدأ باله حتى تزال نعمة الله عن المحسود)، فنصح المحسود بقوله: (امض قدماً ولا تلتفت)
 
وأنصح طلبة العلم أن يحفظوا ألسنتهم وألا ينشغلوا إلا بالمسائل، التي ينبغي أن يشتغلوا بها، فهنالك مسائل تسمى”الطبوليات” تقرع في المجالس ، والتي يقع فيها الخلاف بين الكبراء من العلماء، وهؤلاء الطلبة المبتدئون يضعون أنوفهم فيها ويريدون أن يكونوا حكماً، فلا يتكلمون على أنهم طلبة ويتكلمون على أنهم بمثابة الحكم بين العلماء، فابتعدوا عن الطبوليات، وهذه من العوائق، فكل عصر تخرج علينا مسألة فيها شنشنة تقطع الطالب عن التقدم، فكثير من المسائل لو أن الجهود التي بذلها فيها بعض الطلبة بذلوها في التأسيس لتقدموا، لكنهم يتكلمون ويتكلمون، وما يدرون أنهم يخوضون ماءً.
 
والأمة بحاجة إلى طلبة العلم وهم بانتظارهم حتى يصححوا عقائدهم وعباداتهم، والواجب المناط بهم كبير، فالمناط بهم إقامة الدين، فترفعوا عن السفاسف، واملأوا أوقاتكم بما يعود عليكم بنفع وتقدم.
 
ثم طالب العلم لا بأس أن يدرس، وإن جلس في مجلس وجب عليه لله مقال فلا يسكت، لكن لا يتصدر قبل أن يتأهل لكن إن يسر الله له أن يأمر وينهى ويبين بشيء هو فيه على يقين، فليقل.
 
فهذه نصائح أنصحها لطالب العلم وأسأل الله أن ينفعنا بما قلنا وهذا ما عندي ، والله أعلم.