السؤال الثاني: ما هي علة الجمع المضطردة؟ وهل يدخل فيها شدة الحر؟ – وجزاكم الله خيراً -.

السؤال الثاني: ما هي علة الجمع المضطردة؟ وهل يدخل فيها شدة الحر؟ – وجزاكم الله خيراً -.

الجواب: الحديث في الصحيح حديث عبد الله بن عباس الذي أصله في (البخاري ومسلم):
(جمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- من غير خوف ولا مطر) .
وفي رواية: (من غير خوف ولا سفر) .
روايتان : (من غير خوف ولا سفر) .
(ومن غير خوف ولا مطر) .

وفي رواية في (صحيح مسلم) جمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- {بالمدينة} سبعاً وثمانياً من غير خوف ولا سفر.
أو( من غير خوف ولا مطر) .
[أخرجه البخاري ( 543 ).
ومسلم (56 – 705 ).]

تأمل معي الحديث.
القاعدة عند العلماء: (أن حمل الحكم على التأسيس مُقدَّمٌ على حمله على التأكيد) .
ابن عباس يقول: جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-(بالمدينة)، وحتى يُظهِر لنا (المدينة) قال: سبعاً وثمانيا.
يعني سبعاً بين المغرب والعشاء (المغرب ثلاث والعشاء أربعاً، فالمجموع سبع)، وثمانياً بين الظهر والعصر ( أربعاً وأربعاً ).
قال : جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة.
هذا الحديث لَمَّا رواه الإمام [مالك] في كتابه [الموطأ] وقعت له -رحمه الله- رواية : (من غير خوف ولا {سفر} )، فقال – رحمه الله-: أُري ذلك أنه في المطر. [ووافقه الشافعي- رحمه الله – وجماعة.]، [أخرجه مالك (1 /144 )] .

فالشافعية لا يَجمعون إلا في المطر، لو في أي عذر آخر (من ريح شديدة، أو برد شديد)؛ فلا يرون الجمع إلا في المطر.

في رواية عند مسلم:( من غير خوف ولا {مطر} ).
أيهما أرجح دراية!؟ رواية: ( من غير خوف ولا سفر )، أم رواية ( من غير خوف ولا مطر ؟
الجواب : من غير خوف ولا مطر.
لماذا ؟
لأن قوله: ( من غير خوف ولا سفر )؛ مذكورة في الحديث وهو (أنه -صلى الله عليه وسلم- جَمَعَ {بالمدينة} سبعًا وثمانيًا من غير خوف ولا سفر) .
فلو قلنا رواية: (من غير سفر) فهي تأكيد لما ورد في الحديث (جَمَعَ بالمدينة) فالذي يقيم في المدينة ويجمع (سبعا وثمانٍ) ؛ فهو غير مسافر، لكن لَمَّا نقول: من غير مطر؛ نكون قد أَسَّسنا شيئاً جديداً، (وحمل الحكم على التأسيس خير من حمله على التأكيد.)

إذن: النبي – صلى الله عليه وسلم- جمع من غير خوف، وجمع من غير مطر.
هل يوجد في العبادات مشقة؟
الجواب : أصحاب النفوس المطمئنة المقبلين على الدار الآخرة؛ لا يشعرون بالمشقة، لكن من كان مقصرًا مُخَلِّطاً؛ يشعر بأن العبادات فيها مشقة.
هذه المشقة من أين دخلت على المكلَّف؟
دَخَلَت على المكلَّف من بابين:
الباب الأول: أن فيها تكرارا، والشيء المكرر يكون شاقًا على النفس، يعني الصلوات خفيفات، أوقات الصلاة خفيفة وتؤدي الصلاة خمس مرات، لكن هذا الأداء باقٍ إلى يوم الدِّين، فوجود التكرار فيه مشقة.
الباب الثاني: شيء آخر دَخَلَت المَشقة على المكلف: أن فيه إلزاماً، الإلزام على النفس ثقيل، عند مَن لم يزكِّ نفسه عند الله عز وجل.

هنا أريد أن أصل إلى شيء: أن المشقة التي مردها إلى الإلزام وإلى الدوام؛ فهذه مشقة لا يجوز الجمع بين الصلاتين فيها، أما إذا كانت المشقة زائدة عن هذين الأمرين، وأن المكلَّف ينقطع عن العمل؛ فحينئذ تأتي الرخصة، وهذا ليس خاصا في الجمع بين الصلاتين، وهذا يشمل القصر، ويشمل الفطر.
لو الشرع ما جعل هنالك رخصة في القصر وفي الفطر؛ لانقطع المكلف! ؛ لأن المشقة ليست هي إلزام وليست هي دوام، وإنما هي شيء زائد.

*ولذا إمام المسجد يُقَدِّر متى رأى أن هنالك مَشَقة على الناس تمنع الحريصين منهم على صلاة الجماعة، أن يصلوا الجماعة؛ فقد جاء الشرع بالرخصة.*
ما هي الرخصة؟
في الحديث: جَمَع من غير وغير.
لو أن الحديث: جمع في سفر وجَمَع في مطر؛ لكان الجمع خاصاً لِما وَرَدَ فيه الحديث لكن الحديث فيه: (جَمَع من غير).
لكن ما هي العلة؟
هي علة نحو العلة التي تقع بسبب مشقة المطر، وبسبب مشقة الخوف.
*وأصحاب العقول السليمة والأذواق الصحيحة؛ يعلمون أن بعض الليالي التي تكون فيها الريح الشديدة، تُدخِل على المكَلَّف سبباً أحياناً أشد من سبب المطر.*

فالإمام متى رأى أن بعض الحريصين على الجماعة ينقطعون عن الصلاة الثانية للجماعة؛ فله أن يجمع بين الصلاتين.

والآن لا يخفى عليكم بعض *القضايا المهمة*، أذكرها لكم:
أولاً: الأصل في المكلَّف إن فَعَلَ خيراً؛ أن يثبت عليه إلى يوم الدِّين، والرخصة جاءت من باب الرخصة، بأن تبقى ثابتاً على ما أنت تعودت عليه، وإن تخلفتَ عنها؛ فأنت معذور، فما كان السلف في عباداتهم يَعرفون التحول والتنقل.
ثانياً: أن الجماعة مقدَّمة على أداء الصلاة في الوقت، وهذه فائدة نفيسة، ذَكَرها الإمام ابن القيم في “بدائع الفوائد”.
الشرع وازن بين الأمرين : أن تؤدي الصلاة في وقتها أو تؤدي الصلاه الثانية في وقت الأولى، وإن أديت الصلاة في وقتها؛ أديتها منفردة، وإن أديتَ الصلاة في جماعة؛ أديتها وقد نقلت الصلاة من الوقت الثاني إلى الوقت الأول.
[[ ﻓﺎﺋﺪﺓ: اﺳﺘﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺏ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺑﺄﻥ اﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﺼﻼﺗﻴﻦ ﺷﺮﻉ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺮ ﻷﺟﻞ ﺗﺤﺼﻴﻞ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻣﻊ ﺃﻥ ﺇﺣﺪﻯ اﻟﺼﻼﺗﻴﻦ ﻗﺪ ﻭﻗﻌﺖ ﺧﺎﺭﺝ اﻟﻮﻗﺖ، ﻭاﻟﻮﻗﺖ ﻭاﺟﺐ ﻓﻠﻢ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻭاﺟﺒﺔ ﻟﻤﺎ ﺗﺮﻙ ﻟﻬﺎ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻮاﺟﺐ. ((بدائع الفوائد))(١٥٩/٣-١٦٠). ]]
في الشرع أيهما مُقدَّم :أداء الصلاة في الجماعة أم أدائها في الوقت؟
الجواب: في الجماعة مقدَّم، فدل هذا على وجوب صلاة الجماعة.
ثالثاً: مَن لَم يَتعوَّد على الصلاة في جماعة؛ فيفزع لصلاة الجماعة في وقت الجمع بين الصلاتين، بعض الناس لا يعرف المسجد إلا عندما يجمع بين الصلاتين، فهل يشرع له أن يجمع بين الصلاتين؟
الجواب : الرخصة عامة، وليست الرخصة خاصة، فمتى جاز الجمع؛ ما يجوز أن يقول الإمام فلان أنت وأنت لا تحضروا معنا الجماعة، ممنوع الجَمع؛ ليس له هذا، فرخصة الجمع؛ رخصة عامة، فتجوز للجميع.
ومن لفتات بعض الفقهاء في مثل هذه المسألة قوله كما ذكره (الونشريسي) في (المعيار المعرب) : الجمع رخصة.
فيجوز للإمام مع وجود سبب الجمع، حتى يربي هؤلاء الذين جاؤوا؛ أن يَمنع الجمع، يقول: اليوم يوجد رخصة للجَمع؛ لكن لا نريد أن نجمع، يجوز للإمام أن يصنع هذا، يقول: الجمع جائز، والجمع رخصة، وليس الجمع عزيمة، الجمع يجوز فعله، ويجوز تركه، فإن رأى الإمام أن أغلب الوافدين إلى المسجد، ليسوا حريصين على الجماعة؛ يقول الجمع جائز، ولكن أنا لا أريد أن أجمع، لو صنع الإمام هذا في بعض الأحايين؛ فلا حرج في ذلك -إن شاء الله تعالى-.

والله تعالى أعلم.

⬅ مجلس فتاوى الجمعة

٢٩، ربيع الأول، ١٤٤٠ هـ
٧ – ١٢ – ٢٠١٨ افرنجي

↩ رابط الفتوى:

السؤال الثاني: ما هي علة الجمع المضطردة؟ وهل يدخل فيها شدة الحر؟ – وجزاكم الله خيراً -.

⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان✍✍?

? للاشتراك:
• واتس آب: ‎+962-77-675-7052
• تلغرام:
http://t.me/meshhoor