السؤال الأول: كيف يثبت الصيام في شهر رمضان؟.. وهل يكفي شهادة واحد أم لا بد من شهادة اثنين؟.. وهل يعتمد على الرؤية العينية..أم يجوز بالحسابات الفلكية؟.. ومن رأى الهلال وتيقن على ثبوته، ولم يعلن بأن اليوم التالي هو رمضان، هل يصوم أم يفطر؟..

 

الجواب:

مسائل مهمة في أحكام استقبال رمضان؛ بعض الأحكام الفقهية في استقبال شهر رمضان المبارك وهو على الأبواب، نسأل الله رب العرش العظيم أن يعيننا على الصيام والقيام، وأن يجعل ذلك متقبلاً مباركاً في حياتنا، وأن يجعلنا ممن ينال من صيامه وقيامه شهادة التقوى، وأن نخرج من هذا الشهر وقد غُفرت ذنوبنا..

 

يجب على الأمة وجوب كفائيا أن يتحروا  هلال رمضان، فمتى رؤي الهلال وجب الصوم، وقد تراءى الناس الهلال في زمن رسول الله – صلى الله عليه وسلـم –

فرءاه رجل واحد، وفي رواية أنه أعرابي، فأخبر النبي – صلى الله عليه وسلـم-

فأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – الناس بالصيام..

 

وحديث “ترائي الناس لهلال رمضان..”

أفرده الإمام الخطيب البغدادي بكتاب مطبوع ذكر فيه طرقه، و هو صحيح..

ويكفي لثبوت الصيام رؤية رجل واحد إن رأى الهلال وأخبر به، فحينئذ يجب على الأمة أن تصوم لرؤيته..

وقد وقع خلاف بين العلماء في رؤية هلال رمضان:

هل هو تابع للرواية؟..

أم هو شهادة محضة خالصة؟..

 

فمن قال أن رؤية الهلال تتبع الشهادة فأوجب في الشهود العدد والصفة والجنس؛ أوجب أن يكون حراً، و عدلاً،

و ذكراً..

ومن قال أن رؤية الهلال تتبع الرواية:

لم يوجب الحرية..

و أوجب الثقة فلا بد منها؛ أي أن يكون المُخبر ثقة..

ولم يوجب العدد فالواحد يكفي.. 

 

وكيفما نظرنا فالواحد كفى المسلمين في زمن رسول الله – صلى الله عليه وسلـم- ورؤية الهلال هي ألحق منها بالرواية من كونها شهادة..

والفرق بين الرواية والشهادة، مسألة تعب فيها الإمام القرافي، ولما علم جوابها بعد ثمان سنين من البحث أودعها في كتابه [الفروق]، وصدره بها؛ فجعل أول فرق في كتابه [الفروق] الفرق بين الرواية والشهادة..

يقول كنت أسأل العلماء والفقهاء، ومكثت ثمان سنوات وأنا أسأل ما الفرق بين الرواية والشهادة؟!..

فكانوا يقولون لي: إذا اشترط في الراوي عدد أو صفة فهذه شهادة، وإن لم يشترط فهي رواية..

قال: فكنت أقول لهم: هذا معروف!!..

لكن حتى أشترط أو لا أشترط ما هو السبيل لمعرفة أن هذا الأمر هو الشهادة أو الرواية؟!!.

يقول: حتى نظرت في كتاب [شرح البرهان] للمازري..

– [البرهان] لإمام الحرمين الأصولي شرحه المازري و يقال أن له نسخة مخطوطة من مازالت محفوظة في فرنسا –

يقول: فنظرت في [شرح البرهان] للمازري فوجدته يقول: إذا كان الأمر حقاً معيناً في حق شخص معين..فهذه شهادة..

وإذا كان الأمر لا يخص شخصاً معيناً وإنما يخص الأمة كلها..فهذه رواية..

الآن رؤية هلال رمضان هو أقرب منه للشهادة أم للرواية؟..

يعني هو يخص ناس معينين وحقاً معيناً، أم أنه يخص المسلمين جميعاً؟..

فلما كان أقرب للرواية لم يشترط أهل العلم في رؤية هلال رمضان عدداً، بل لو قلت: أن العبد إن شهد هلال رمضان تقبل شهادته ويجب على الأمة أن يصوموا لشهادته لما أبعدت النجعة، لأن الشهادة على إثبات رمضان ليس حقاً خاصاً في ذمة خاصة بوصف خاص، وإنما هي تلحق بالرواية..

فتكون هذه الشهادة عامة للأمة كُلها، والنبي – صلى الله عليه وسلـم – يقول فيما ثبت عنه في الصحيحين:

“صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته..”

ومعنى صوموا لرؤيته – والخطاب للأمة بأسرها – أنه يجب على الأمة  أن تصوم لرؤية هلال رمضان، وأن تفطر لرؤية هلال شوال..

 

طيب هل هذه الرؤية عينية أم أن الحسابات الفلكية تجزئ؟.. 

في بعض البلاد، وبعض مجالس الفتوى في أوروبا – مثلاً – يعطونك متى ستصوم لمدة مئة سنة للأمام بناء على الحسابات الفلكية، إذا حديث صوموا لرؤيته هذا ملغي عند هؤلاء!..

إذا كان يجوز الصيام وفق الحسابات الفلكية(!)..

والأمة لا تترأى الهلال و لا تتداعى لرؤيته(!)..

فهذا إلغاء لهذا الحديث!!..

بل في بعض روايات الحديث عند النسائي زيادة مهمة جداً يقول فيها النبي:

“لا تصوموا إلا لرؤيته..”

والرواية الثانية أبلغ من الرواية الأولى.. فالرواية الثانية فيها حصر أن الصيام لا يكون إلا من خلال الرؤية العينية..

فإلغاء الرؤية العينية والإعتماد على الحسابات الفلكية ليست طريقة مرضية وليست ضرورة شرعية..

إذا هل الحسابات الفلكية تهدر؟!!..

نقول: لا ما تهدر..

يُستأنس بها..لكن لا يعتمد عليها..

 

كانت بعض الدول تعطي أول من يأتي بخبر برؤية الهلال عباءة و خمسمئة ريال، فكان بعض الجراء يتجرؤون ويجعلون عيونهم ترى الهلال(!)..

والهلال لم يُرى..طمعاً بالجائزة..

فألغوا الجائزة..

فبعض الناس جريء!!..

معنى صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته؛

أي صاحب الرؤية والنظر الثاقب..

أعجبني بعض ملوك الدولة العلوية السلفية في المغرب كان يأمر باصطحاب معه طبيب..فمن رأی الهلال فحص نظره ليتأكد هل نظره صحيح أم غير صحيح..

قلت: فالإعتماد على الحسابات الفلكية اعتماداً كُلياً وإلغاء الرؤية العينية هذا خطأ، لكن رجل قال: أنا رأيت،  والعلم اليوم يقول يستحيل اليوم أن يرى الهلال، هذا الأمر المستحيل!!..فنقول يُعمل به..

إذا قول النبي “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته..”

الرؤية الحقيقية أم الرؤية المزعومة (الوهمية)؟!..

الجواب: الرؤية الحقيقية..

فالأمر المزعوم، الأمر الذي على خلاف العادة فيما جرت فيه سنة الله لا يعتمد ولا يعتد به، حتى أن الفقهاء يقولون: الشهادة التي هي على خلاف العادة فإن القاضي لا يلتفت إليها، فلو جاء شخص عامي بياع سوق، بياع خضار في السوق، وذهب للقاضي و قال: والله يا سيدي القاضي أجاني جلالة الملك اليوم وأشترى مني  كيلو بندورة وبقي لي عنده خمس فلوس وما أعطاني إياهم، بدي أرفع عليه قضية!!..

ماذا يعمل معه القاضي؟!..

لن يرد عليه، لأن هذا خلاف العادة، هذا خلاف ما جرت به عادة الناس..

فكل ما هو خلاف المعتاد، خلاف العقل؛ شيء لا يوافق قواعد العلم اليقينية لا يلتفت إليه..

 

لذا الرؤية العينية واجبة وجوباً كفائياً، ويجب على الأمة أن تتراءى هلال رمضان، وتتراءي هلال رمضان بالنسبة لهذا العام يبدأ من مساء ليلة الأحد، بعد يوم غد.. واجب كفائي على الأمة أن يترأوا الهلال ، ومتى رئي الهلال يجب على المسلمين جميعاً أن يصوموا، لقول النبي – صلى الله عليه وسلـم -:

“صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته..” فالحسابات الفلكية لا يعتمد عليها..

و الهلال قد يُرى بالآلات، وقد يقال بالحسابات الفلكية أنه يمكن رؤيته ولم يكن قد تولد بعد، فالعبرة بما يُرى بالعين، وليست العبرة بما يُحسب بالحسابات الفلكية، لذا فالحسابات الفلكية تقول: انتبهوا ، دققوا ، الليلة هنالك رؤية..

فنحن ندقق، وإن رأينا استأنسنا بالحسابات الفلكية..

فإن رأينا فحينئذ وجب الصيام في ذمة الامة..

 

كذلك مسألة: 

من رأى الهلال وتيقن عليه، وأخبر ولم يرد عليه أحد فهل يصوم أم يفطر؟.. 

الجواب:

يصوم..

إذا أنا تيقنت من الهلال ورأيته..وتيقنت ان الهلال قد رئي فثبت الصيام، فإذا الناس غيروا وبدلوا فأنا يجب علي أن أصوم.. ولكني أتكتم، ولا أقول شيء ، حتى لا أصنع فتنة في الأمة ، والله تعالى أعلم .

 

فتاوى الجمعة  : 3 / 6 / 2016 

↩رابط الفتوى : 

◀خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان✍?