إماما الدنيا في الحديث محمد اسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج النيسابوري، لم يشترطا على أنفسهما أن يخرجا لكل ثقة ، ولا أن يخرجا كل حديث صحيح . فمن الأشياء التي ننكرها على كثير من الناس قولهم : أريد أية أو حديث من الصحيحين أو أحدهما حتى آخذ بقولك فهذا باطل ، ولا زم هذا الكلام أن البخاري ومسلماً لم يصححا إلا ما وضعاه في كتابيهما. وهذا تبرءا منه ولم يقولا به .
والشافعي ثقة عندهما، لكنه ما عمر، وكان أصحاب الصحيحين يريان العلو في الإسناد، وأعلى ما عند الشافعي روايته عن مالك، وقد وقعت رواية مالك بواسطة لأصحاب الصحيحين ولو أنهم رويا عن الشافعي عن مالك بواسطة يحيى بن يحيى النيسابوري وعبد الله بن مسلمة القعنبي وغيرهما، والشيخان لم يتتلمذا على الشافعي ولم يرياه لأنه ما عَمَّر، فلو أنهما رويا عنه لكان الإسناد نازلاً، وقد قال الإمام ابن معين: (الإسناد النازل قرحة في الوجه) وكان أحمد يقول: (الإسناد العالي سنة عمن سلف)، وكان محمد بن أسلم الطوسي يقول: (قرب الإسناد قربة إلى الله تعالى) فالأعلى أغلى. فلم يحيدا عنه عمداً.
وقال الإمام الذهبي في ترجمة الإمام الشافعي في “سير أعلام النبلاء” قال: (لم يقع لهما قدراً الرواية عن الشافعي) لكن أقول كما قال أبو زرعة الرازي – لما سئل عن هذا السؤال – في كتابه “الأجوبة المرضية عن الأسئلة المكية” قال: (إن الشيخين لم يسمعا منه، أما مسلم فلم يدركه أصلاً وأما البخاري فأدركه ولكن لم يلقه، وكان صغيراً، مع أنهما أدركا من هو أقدم منه وأعلى رواية فلو أخرجا حديثه لأخرجاه بواسطة بينهما وبينه مع أن تلك الأحاديث قد سمعاها ممن هو في درجته فروايتها عن غيره أعلى بدرجة أو أكثر والعلو أمر مقصود عند المحدثين).
وللصحيحين مهابة، وكل ما فيهما صحيح سوى أحرف يسيرة تكلم عليها العلماء، وللصحيحين حلاوة ومكانة في نفوس طلبة العلم، ومن يقلل من هذه المكانة فهذا غر جاهل، فإن نقد شيء مما في الصحيحين فإنما يكون بقدر وبمهابة، مع وجود من سبق إليه من الأئمة وهناك فرية بلا مرية على الشيخ الألباني بأنه لا ينظر إلى الصحيحين بمهابة، وهذا غير صحيح، فهو قد ضعف بعض ما في الصحيحين لكن كان مسبوقاً بالتضعيف على حسب القواعد التي وضعها الشيخان وغيرهما، والكلام في الغالب على أحرف، وليس على أصل الحديث، والله أعلم..