السؤال التاسع والعشرون: أخت تسأل تقول عندي ولد عمره اثنتا عشرة سنة، ونحن مقيمون في بريطانيا، تَناقَشَ هو وأولاد معه في مدرسة من غير المسلمين فقالوا: الأرض تكوَّنت من الطبيعة، أو بفعل انفجارات وكذلك السماء.
قال إبني لهم: الله خلقها وخلق كل شيء، ولا يوجد شيء يكون من لاشيء، فالله خالق كل شيء. فكان ردهم : إذن مَن خلق الله؟ ابني لم يَعرِف يَرُدّ، فكأنهم استهزأوا به، فجاءني يسألني كيف أرد عليهم؟ وأنا لَم أعرِف الرَّد، لكن قرأتُ عليه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة : 101] ونَصحتُه أن لا يدخل معهم في نقاش، خِفتُ عليه، فهل تصرفي صحيح؟ وكيف يكون الرد الصحيح؟
الجواب: أولاً الصغار يسألون أسئلة مُحرِجة.
وقد يسألون مثل هذا السؤال وزيادة، لأن الصغير خياله واسع، وتفكيره تفكير يميل إلى الخيال، ولذا الحِفظ في الصِّغَر كالنقش على الحجر؛ كما يقولون.
ولذا الكفار أشغلوا أولادنا -أصحاب الخيال الواسع- بقدرات عجيبة جداً، ملؤوا أذهانهم بالصور المتحركة؛ فأصبح الناس يفهمون أصحاب الصور المتحركة، فيصنعون أبطالاً لهذه الصور، كلها خيال في خيال.
والصغير لا يملأ خياله إلا قوة شرعية صحيحة؛ وهي الحفظ، وهو الطعام الصحي للصغير، فمثلا قوة استشراف الغيب، فإن كل نفس بشرية موجودة تحب استشراف الغيب، فالشرع وَضَعَ طعام صحي للقوة الموجودة في نفسِ الإنسان، فَجعلَ الطعام الصحي لاستشراف الغيب؛ هو أخبار الساعة، والجنة والنار، فهي تُرَبِّيك، وتُقوِّيك وتُعِينُك، وتُهَذِّبك، وتَجعلك تتقرب إلى الله عز وجل.
فإذا لَم يكن هذا الغذاء الصحي للغَيب؛ تكون هنالك خرافات.
هل الخرافة موجودة فقط عند العرب، أم موجودة عند كل البشر؟
الإجابة: الخرافة موجودة عند كل البشر؛ لأن الخرافة منبعها حب استشراف الغيب، الشيء الذي يُكَوِّن الخرافة، ويجعل الخرافة موجودة عند كل البشر؛ هو وجود قوة مودعة في النفس، تحب أن تَعرِف الغيب.
لذلك الذي ليس عنده دِين، كـالفَجرة والفَسقة اليوم -ونحن في بداية السنة الميلادية-، يقولون : دعنا نعرف ما هو الاستشراف، ماذا يقول هؤلاء المنجمون يقولون عن هذه السنة؟!
وبعض الناس يرخي أذنه لهؤلاء، حسب ملذاته.
وهذا الطعام غير صحي أبدا، ومَن استشرف الغيب وعَرَفَ الغيب؛ تعدى على الله عز وجل.
الصغير هذا عنده قوة حب الخيال، ولذا هم يعملون الصور المتحركة، فمن يتعلق بالصور المتحركة من الصغار؛ فهو كالكبير العاطل الباطل؛ لأن الصغير يحب أن يروح ويذهب ويتحرك، فإذا أشغلتَه بالصور المتحركة؛ فقد تَعطَّلَ بدنه، وتَعطَّلَ فَهمُه، وتعطل خياله وتعطلت القوى فيه، وأصبح مثل الكبير العاطل الذي لا يعمل والذي لا يستطيع أن يقوم فهو كسلان جالس.
أكبر مؤامرة على الصغار الصور المتحركة.
أعود الآن: الصغير يسأل أبويه، ويسألهم عن أشياء غير واقعة، ومن الأشياء التي يسأل عنها غير الواقعة؛ ما يخص الله عز وجل.
فجاء السؤال: مَن خَلَقَ الله عز وجل -جَل في علاه-؟
طبعا هذا السؤال خطأ، أتكلم أنا الآن عن جانبين، الجانب الأول: هو جانب الجواب على السؤال من حيث التفكير والعقل.
الجانب الآخر : هو الجانب التربوي، والجانَب التربوي، أخبر عنه صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: “يوشك الناس يتساءلون بينهم حتى يقول قائلهم: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله عز وجل؟ فإذا قالوا ذلك، فقولوا: (قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد،
ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد) ثم ليتفل أحدكم عن يساره ثلاثا، وليستعذ من الشيطان ” صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١١٨).
اجتماع المخلوق والخالِق معاً؛ هذا أصلاً يُخالِف المنطِق.
تقول : الله خالِق، ثم تقول :
مَن خَلَقَ الله؟!
الذي خُلِق لا يمكن أن يُصبِح خالقاً، فالسؤال فيه تناقض، هذا السؤل ليس بصحيح.
وهذا سؤال يقول عنه أهل العلم: لا يسأله ملحِد جاد، ولا يسأله مؤمن جاد.
المؤمن يعلم أن الخالق غير المخلوق، فلا يسأل هذا السؤال، والملحد الجاد يقول : ليس للكون إله،
فلا يُسأل مَن الذي خَلَق الإله.
فعبارة (مَن خلق الله ؟)؛ هذا سؤال غلط، فلا يقوله ملحد جاد، ولا يقوله مؤمن جاد، لأن الذي خَلَقَ لا يُخلَق.
الآن ما هو دور الأبوين عندما يُسألون هذا السؤال؟
الإجابة: ألا يجيبا عليه، وأن تُشغِله، حتى قوة الخيال الموجودة عنده تَتهذب، وحتى يصبح الإنسان واقعي، ما يبقى يَحلم ولا يَبقى يَسأل في الخيال.
والله تعالى أعلم.
⬅ مجلس فتاوى الجمعة:
٢٧، ربيع الآخِر، ١٤٤٠ هـ
٤ – ١ – ٢٠١٩ افرنجي
↩ رابط الفتوى:
⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان ✍?✍?
? للاشتراك:
• واتس آب: +962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor