السؤال :
هناك بعض الشباب يرون أنَّ الدُّعاة السلفيين هنا لا يهتمون بواقع الأمة، -لا يتكلمون في مشاكل الأُمة-.
مداخلة الشيخ مشهور حسن:
صحيح، وأنا أُقرهم.
تتمة السؤال:
لكن هذا تسبب عندهم بالتوجه إلى دعاة الإخوان والسروريين، وينشرون أقوالهم بتبرير أنهم يتكلمون في أمور الأُمة ويهتمون بمشاكل الأُمة وهذه الأمور!.
فهذه قد تكون أول خطوة في الانتكاس عندهم.
فما توجيهكم شيخنا؟
الجواب :
هناك طرق كثيرة للوصول إلى الحكم، فهناك طريق الأنبياء، وهناك طريق الثورات، وطريق البرلمانات، وإلى آخره.
طريق الأنبياء طريق مأمون، فالمشي في هذا الطريق كمشي النملة، تمشي حتى تصل إلى الطريق مشي النملة، مشي بطيء، النبي -صلى الله عليه وسلم- لما مكث فأقام الدولة مكث ثلاثة عشر سنة، مدة طويلة جدًا، بعض الأحزاب خلال سنة يعمل مجلس نواب ويعمل ثورة ويقيم ثورة ويقيم الدولة، فلسنا أهل دولة، والله لا يحاسبنا على عدم حكم الدولة نحن لا نريد حكم الدولة.
نريد أن يحكم الله وأن يكافئنا الله بصدقنا وإخلاصنا في إقامة دينه فنتوسع في الخير شيئًا فشيئًا، يعني الدولة حكم مثل هذا حامل سهم ومثل هذا الحائط، أُخبط الدولة وحصل الدولة، ليست هكذا الدولة، لا نؤمن هكذا الدولة، نؤمن أن الخير يتغلغل في النفس ونربي الناس شيئاً فشيئاً والخير يتسع، والسعيد من ابتدأ بالذي يقدر عليه ومن خلال ما يقدر عليه وُسِّع عليه حتى يصل إلى ما لا يقدر عليه وَفق سنة لله لا تتخلف أبدًا.
والتعيس والمحروم مَن انشغل بالذي لا يقدر عليه وترك ما هو يقدر عليه طمعًا في الملك، وطمعًا في الجاه، ليس هذا من منهجنا.
الناس غارقون في كثير من المخالفات، مشاكل المسلمين مُحزنة وأوضاع المسلمين مُحزنة، والشيء الذي يُبكِّي أن حال هذا الإنسان مع الله خطأ، هذا عقيدته خطأ، هذا يتوجه إلى غير الله، هذا يعبد غير الله، وأنا طبيب، أختار أي الأمراض؟!
الأخطر على الدين.
ما هو الأخطر على الدين؟
أن تكن عقيدتك فاسدة، تكون عبادتك فاسدة، أن تعبد غير الله، أن تتوجه إلى الله تعالى بعبادة لا يحبها الله ولا يرضاها، فأنا أركز على هذا الجانب.
أنا ما صنعت ما يهواه المستمعون، ما لي ومال ما يهواه المستمعون، أنا ما أسوق على نغمة ما يطلبه المستمعون، أنا أعلم أن لله سنة: “من لم يسلك طريق النبي -صلى الله عليه وسلم- في التغيير فلن يصل”.
شيخنا الألباني -رحمه الله- كان يقول لنا عبارة جميلة وأدركناها بعد ما كبرنا وفهمنا؛ كان يقول: ” المهم أن تكون على الطريق، وليس المهم أن تصل “، المهم أن تكون في الطريق ما تنحرف، ليس المهم أن تصل، امشِ وأنت في الطريق مثل السلحفاة تصل.
الله يقول: (( ألا إنَّ نصرَ الله قريب ))؛ نصر الله قريب ولا بعيد عنا ؟!
الجواب: قريب.
الآية صريحة جدًا، والله نصر الله قريب، لكن هذا الباب قريب مني، وأنا ركبت طائرة وتوجهت بعكس اتجاه هذا الباب، أنا الآن بعدت عن نصر الله، نصر الله قريب لكن أنا الذي بعدت عن نصر الله.
أكثر الناس الذين أبعدوا نصر الله عن الناس هم المتحمسون الجاهلون، لكن حبهم للإسلام لا يشفع لهم، لأن هناك لله سنة؛ قال فقهاؤنا وعلماؤنا: ” من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه “، فالعجلة والثورة والتثوير وحماس الشباب وفرد العضلات ورد الأمور بالقوة وبالثورات هذا يُبعد الإسلام، هذا لا يقرب الناس للإسلام أبدًا.
هو لما يحصل التغير، والله -عز وجل- يقول: (( إنَ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) ، هل تعرفون اللغة أم لا ؟
نعم شيخنا.
( يُغير ) مرتين: (( إن الله لا يغير )) مرة ، (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا )) مرة ، الفاعل : هو الله في الأولى، (( إن الله لا يغير )) فاعل يغير: الله، يعود على الله، تغيير الله ربطه بتغييرنا لأنفسنا، يعني ما فيه قوة سحرية تغير، إن الله ليس بعاجز، وهذه سنة لله كانت في زمن الأنبياء، لو كان هناك من يستحق النصر دون تعب فأولى الناس محمد -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعون، لكن الله ما أكرمهم بالنصر حتى بذلوا، حتى امتحنهم، حتى زلزلوا، (( حتى يقول الرسولُ والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إنَّ نصرَ الله قريب )) هذه سنن لله تعالى.
فالاستعجال والثورات وشتم الحكام وشتم الملوك والانشغال بالسياسات هذا ليس مِن دين الله.
هل في الدين سياسة ؟!
كل الدين سياسة، والسياسة في الدين، لكن هل السياسة الموجود اليوم من الدين؟!
لا والله ليست من الدين.
لا يضيرني أن أجهل، لا يضيرني أن أجهل السياسة وتفاصيل السياسة وغالب أحكام السياسة خفية والظاهر منها غير الباطن، والمعلن منها غير الخفي، وماذا يفيدني في ذلك؟!
انظروا الآن إلى المشتغلين بالسياسة وانظروا للدعاة وانظروا للواقع وانظروا ماذا تكشف الواقع بعد سنوات من خوضهم للأخبار؛ لا تجد لهم بصيرة أبدًا وما أصابوا في شيء أبدًا، فوالله إنهم فقدوا الدين وفقدوا السياسة، ولا يفهمون لا الدين ولا السياسة.
ثم يأتي الشباب الأغرار! إذا أردنا أن نشاركهم ونغررهم نقول لهم: تكلموا في السياسة، وإذا أردنا أن نصدقهم؛ نصدمهم، إذا أردنا لهم الصدق يُصدمون، قل: ترى والله الذين تتكلموا عنهم لا يفهمون في دين ولا يفهمون في السياسة، اسمعوا أخبارهم قبل عشر سنين وانظروا في واقع الناس، خبرهم في جهة والسياسة في جهة، الأحداث بعد فترة تظهر!
لكن الذي يعتصم بتصحيح عقائد الناس ما خسر شيئًا، الذي يعتصم بما عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقي على الجادة، بقي يسير، لكن سيره على الجادة، فمن فضل الله منهجنا في التغيير لا فيه دماء، منهجنا منهج أمن ومنهج إيمان ومنهج رحمة، ورحمة لنا ورحمة للحكام ورحمة للمحكومين ولا ندعو لأحد ولا نريد من أحد شيئاً إلا أن يقيموا دين الله، لا نريد من أحد شيئًا، ماذا نريد؟!
الآن أنا جلست معكم وغدًا أسافر إلى عمان، ماذا أريد منكم؟ ما نريد منكم صلة، ولا أريد منكم لا دنيا ولا تريدون مني دنيا، ولا بيني وبينكم حزب ولا بيني وبينكم بيعة ولا بيني وبينكم مصالح خفية ولا بيني وبينكم ظاهر وباطن، أنا وإياكم على الظاهر الذي نقول، الظاهر الذي نقول: نريد الناس أن يعبدوا الله وأن يعرفوه، (( وما خلقتُ الجنَّ والإنس إلا ليعبدون )) قال ابن جرير: ” إلا ليعبدون “، يعبدوا الله -سبحانه وتعالى- عبادة حقة فتصلح عقائدهم وتصلح عبادتهم، ونبقى على هذا الحال، فإن غيرنا الله يكرمنا -عز وجل-، الله يكرمنا بالتغيير، كيف الله يكرمنا بالتغيير؟!
ليس شغلك، هذا جائزة من الله لك، كيف الله يعمل؟!
ليس شغلك، فعقلك قاصر، وفهمك قاصر، وتقديرك للأمور ما تقدر عليه، الله -عز وجل- يقيم الدين، الله أغيرُ مِنا على دينه، وكثير من الناس من الأحزاب خاصة يقول لك: ” انتشار الدين بفضلنا وجهدنا وجهادنا “؛ هذا خطأ، الله نصر أهل بدر، والله قال عن أهل بدر: (( كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ))، والله نصر أهل بدر وألقى عليهم النعاس، والله نصر أهل بدر في المنام؛ قللهم في أعينهم وكثرهم في أعينهم، الله نصر موسى عليه السلام على فرعون، إخواني فرعون مثل عجيب وشيء من يتأمل فيه يستغرب، كيف نصر اللهُ موسى عليه السلام على فرعون؟!
موسى عليه السلام كيف نُصر وهو هارب؟!
موسى عليه السلام فرَّ من فرعون وما وجد أمامه إلا البحر، فالله أطبق البحر على فرعون، موسى عليه السلام نصره الله وهو هارب.
فموضوع النصر موضوع ينبغي أن نفهمه، وينبغي أن نفهمه فهمًا شرعيًا، ويا ليت أصحاب التراجم يكتبون عن النصر في القرآن وما معنى النصر.
مثلاً نستمع شيء من كلام الله تعالى في النصر حتى نعدل فهمنا على النصر، هؤلاء الأغرار لا يفهمون النصر ولا يعرفون النصر.
الله -عز وجل- يقول:
(( إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنَّ الله معنا )).
ويقول الله -عز وجل-:
(( إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذا يقول لصاحبه لا تحز إن الله معنا )).
وقبلها ذكر النصر في التوبة!
(( إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثانيَ اثني إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن ))؛أين النصر؟!
أصحاب العقول! يا من تحكمون عقولكم ولا تستسلمون لأمر الله ولمراد الله من كلامه! النبيُّ هارب من كفار قريش ودخلوا في الغار، والله يقول: (( إلّا تنصروه ))، يا أيها الناس يا أهل قريش (( إلا تنصروه فقد نصره الله )) كيف النصر؟
سؤال نحتاج أن نجيب عليه، كيف نصر اللهُ محمدًا وصاحبه أبا بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- وهما في الغار؟ ما هو الجواب؟!
والله سؤال محير لازم نفهم ما هو النصر ؟
كيف نصره الله؟!
قال أهل العلم: ” مقدمات النصر؛ نصر”.
النبي صلى الله عليه وسلم خارج من مكة إلى المدينة فسلك مقدمة النصر، فمن سلك مقدمة النصر فهو منصور، وعقلك غير مدرك النصر غير فاهم ما هو النصر، مثل ما نصر الله موسى -عليه السلام- عقلك ما أدرك، كن مع الله وافعل ما يريد الله؛ الله يكرمك، الكرم عند الله وليس بعقلك، استسلم لأمر الله -سبحانه وتعالى-.
فنحن نعرف أن مقدمات النصر نصر، ثباتكم يا أهل كوسوفو على دين الله وأن تتعلموا دين الله وأن تنشروا دين الله، وأن تجدوا وتجتهدوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تُقوِّموا الناس للتي هي أحسن بالتي هي أقوم، وأن تسلُكوا طريق الأنبياء مع الحلم والعلم والتواضع والخلق الحسن وتدعوهم بأخلاقكم؛ هذه مقدمات نصر، ومقدمات النصر؛ نصر.
النبي سلك مقدمات النصر، فالله الذي نصره، النصر من عند الله -عز وجل-.
فنحن لا نزعم أننا ننصر دين الله، نحن نقول: يا رب! سخرنا بأن ننصر دينك، يا رب هيء لنا أسباب نصرة دينك، يا رب وفقنا أن نكون سببًا في أن ننصر دينك وأن ننشر سنة نبيك، نطلب من الله -عز وجل- نتذلل لله -سبحانه وتعالى- بهذا الأمر، ونحن ضِعاف وكلنا أخطاء وكلنا تقصير، نسأل الله أن يتجاوز عنا وأن يغفر لنا.
تريدون وأنتم لا تعرفون دين الله وأوامر الله وألا تقيموا دين الله؛ تريدون إقامة نصر الله -عز وجل-، من يمشي في شوارعكم يفكر بالنصر؟! هذا مجنون!! الذي يصنع هذا مجنون!! فما يرى من عورات المسلمات -للأسف- في هذه البلاد يقول: أي نصر هذا، هذا نصر بعيد جدًا.
فالآن دغدغة عواطف الشباب بأنه والله النصر والجهاد وإرسال ناس للمجرمين، للدواعش، والدواعش قوة أصلًا مصنوعة ليست إسلامية أصلًا، ناس غُرر بهم، ترسلوهم يناصروا الدين وأن هذا جهاد في سبيل الله!! هذا هبل!! هذا خلل في العقل، هذا يحتاج لفهم، الناس في هذه الديار يحتاجون لفهم، يفهمون المسائل فهم شرعي صحيح، ويبتعدون عن التهور، ويبتعدون عن العنتريات وفرد العضلات، ليس هكذا النصر، النصر أن تنصر الله تعالى، أن تنصر الله تعالى وأن تقيم التوحيد وتقيم السنة وأن تدعو إلى العلم الشرعي وإلى تعظيم أوامر الله وإلى تحقير ما حقره الله وتعظيم ما عظَّمه الله أنت إذًا تنتصر، إن مت لا خوف عليك، وهذه العنتريات إن مِت ما فعلت شيئًا، فنحن لا نغرر الناس، لا نغرر الناس ولا نطنطن على أعصاب وعلى نزوات وشهوات الشباب فنجعلهم هم القوة الخارقة، الآن من آفات ما يسمى “بالدعوة الإسلامية اليوم” التركيز على الشباب وإنزالهم فوق منزلتهم، الآن عمر الحركة الإسلامية الذين يعملون للإسلام في تصرفاتهم في بلاد العالم جميعًا مثل شاب ابن خمسة عشر سبعة عشر فقط، وابن خمسة عشر أو سبعة عشر سنة غير قادر أن يفهم ما هو المطلوب، ابن سبعة عشر سنة ما يفهم، نحن نحتاج إلى همة الشباب ونحتاج إلى تجارب الكبار، تجارب علمائنا وعلم علمائنا، فحينئذ نجمع بين هذه وهذه.
هذا ما عندي ولعل فيها شيء من الانفعال.
↩️ الرابط:
⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.
📥 للاشتراك:
• واتس آب: +962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor