[مقدمة شرح باب العيدين من بلوغ المرام]
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله.
٤٨٣ – عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم: «الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ, وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
وأما العيد فالعيد من العود ، فسمي العيد لعوده وهو من الشعائر ، وفي كل دين عيد ، وفي ديننا عيدان لا ثالث لهما.
والعيدان يأتيان بعد طاعة ، ولذا عيد الفطر بعد رمضان ، وعيد الاضحى بعد الحج ، والعيد يكون في الزمان ويكون في المكان ، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم لا تجعل قبري هذا عيداً».
فالمكان يسمى عيداً ، والزمان يسمى عيداً ، فكل شيء يعاوده الإنسان ويعود إليه فهو عيد ، وتعظيم المكان أو الزمان من غير إذن للشرع فهو من المنكرات ومن البدع التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان.
وكثير من البدع التي دخلت على المسلمين من تعظيم أماكن أو أزمنة لم يثبت فيها شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا في الحديث :
«الفطر يوم يفطر الناس».
والمراد بالناس أي يوم يفطر المسلمون فأحكام العيد ينبغي أن تبنى على جماعة المسلمين ، ويحرم الشذوذ عنهم ، وقد صح عن عبد الله بن مسعود وروي مرفوعاً ، ولم يثبت:
«أن الله أبى العصمة للمسلمين».
فالأمة معصومة لا تجتمع على ضلالة ، واختلف أهل العلم فيمن رأى الهلال وحده ، ورد قوله ، وهو قد رآه على قولين معتبرين :
القول الأول: أنه يجوز له الصيام بل يجب ، ولا يجوز له ان يشهر صيامه وإنما يكتمه لهذه الخاصية التي تخصه ، وهو أنه بنفسه رأى الهلال.
والقول الثاني: بناء على ظاهر هذا الحديث «الفطر يوم يفطر الناس» أنه يحرم عليه الصيام ، ويجب عليه الفطر مع سائر الناس ، وإن صامه فما ينبغي أن يشيعه.
والروايتان مذكورتان عن الفقهاء والأئمة ونص عليهما أحمد و رواية حنبل عن عمه أحمد بن حنبل:
«أنه لا يصوم».
وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وعليه ظاهر هذا الحديث ، ومن قال بالصيام عمل بالاحتياط ، وقال الأصل في العبادات أنها قائمة على الاحتياط ، فيصوم بالسر ولا يشهره ويكتمه.
ومن هنا قال العلماء تلك القاعدة الذهبية المهمة ، وما أحوج طلبة العلم إليها ، وما أحوج المكتبة الإسلامية لأن يصنف فيها مع التدليل والتمثيل في كتب السابقين ، والحوادث التي تخص المعاصرين ، وهذه القاعدة جليلة ومهمة ، وهي أن الاجتماع على مرجوح خير من التفرق على راجح.
أن نجتمع على مرجوح خير من أن نفترق على راجح ، ولذا من رآه وحده قال :
اجتمع مع سائر إخوانك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم:
الفطر يوم يفطر الناس.
والمراد يوم يفطر الناس:
من الإفطار ، وهو المشهور على ألسنة العوام (التعييد) ، أن يعيد الناس.
الفطر حيث عَـيد الناس ، وكان شيخنا الالباني رحمه الله يستنبط من هذا الحديث ويستدل به.
متى وقع الخلاف بين المسلمين ، واختلفوا في الفطر ؛ فالواجب على كل أهل محلة أن يفطروا معاً ، وكذلك أن يصوموا معاً.
وكان يقول رحمه الله :
إن اختلف المسلمون جميعاً في في العيد أو في الصيام ؛ فعلى الأقل أن يجتمع أهل كل محلة في الصيام والفطر ، فلا يكون الانشقاق والتفرق مبعثراً ، فلا أقل من أن تكون كل بلدة هي التي يصام فيها ، ولا سيما أن الناس اليوم يجهلون الأهلة ومراقبتها ، فحينئذ نقول في مثل هذه النوازل ؛ هذا الحديث الذي أخرجه الإمام الترمذي وصححه إمام الدنيا الإمام البخاري رحمه الله تعالى.
فنقول :
الفطر يوم يفطر الناس ، والأضحى أي عيد الاضحى،
التعييد في الأضحى يوم يضحي الناس ، يوم أن يذبح الناس أضاحيهم
والله تعالى أعلم.
٤٨٤ – وَعَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ, عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ, أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا, ⦗١٤١⦘ فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ, فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَنْ يُفْطِرُوا, وَإِذَا أَصْبَحُوا يَغْدُوا إِلَى مُصَلَّاهُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَأَبُو دَاوُدَ -وَهَذَا لَفْظُهُ- وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
هذا الحديث رواه مجموعة من أعمام أبي عمير بن أنس ، وهم مجاهيل مبهمون ، والصحابي المبهم لا يضر ، لأن الصحابة كلهم رضي الله تعالى عنهم عدول، أن ركباً ، والركب هم الراكبون على رواحلهم ، وهم من العشرة فما فوق ، فجاء ركب ، وهؤلاء جاؤوا من حوالي المدينة النبوية ، وهم أعراب وهم يَضبطون ، ويحسنون ضبط الأهلة ، بخلاف أهل المدينة.
أن ركبا جاءوا فشهدوا المدينة ، فشهدوا رسول صلى الله عليه وسلم في المدينة ، فشهدوا أنهم رأوا الهلال.
والمراد شهدوا أنهم رأوا هلال شوال ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال :
«صوموا لرؤيته».
أي لرؤية هلال رمضان.
«وأفطروا لرؤيته» أي رؤية هلال شوال.
وهذه رواية في الصحيحين ، وهنالك رواية صحيحة ، ولفظها بليغ ومهم ، وينبغي أن ينتبه إليها الفقيه ، وهي رواية الإمام النسائي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم وإسنادها صحيح قال:
لا تصوموا إلا لرؤيته.
تلك :
صوموا لرؤيته.
وهذه :
لا تصوموا إلا لرؤيته ، ولا تفطروا إلا لرؤيته.
وهذه تبين أن الحسابات الفلكية لا يعتمد عليها وإن قيل أنه يستأنس بها ، فمن زعم أنه رأى الهلال ، والعلم القطعي وحقائقه تبين أنه ما تولد بعد ؛ فهذه شهادة مردودة ، وليس بصحيحة ، ولكن الأصل في الأحكام أنها مبنية على الرؤية.
«فشهدوا أنهم رأوا هلال شوال بالأمس».
فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم والأمر ليس خاصاً بهم ، وإنما الأمر هو عام للمسلمين جميعاً ، أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالفطر ، لأن الهلال الذي رأوه هو هلال شوال.
«وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم».
يذهبوا في الغداة ، وهي أول النهار ، وتكون من الفجر إلى طلوع الشمس.
أن يغدوا إلى المصلى :
وهذا هو وقت صلاة العيد ، وسيأتي بيانه مطولاً.
وفي الحديث قبول رؤية الأعراب للهلال ، كيف لا وهم أدرى بغيرهم.
فقد ثبت في الحديث الذي خصه الإمام الخطيب البغدادي بجزء وهو مطبوع ، رؤية وترائي الهلال :
أن الناس رأوا الهلال ، فرآه أعرابي واحد ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بصيامه ، فرؤية الهلال ولو من أعرابي أو من شخص واحد ؛ فيوجب الصيام.
والواجب على الأمة وجوباً كفائياً أن يتراءوا الهلال في الأعياد في المناسبات التي تثبت بها الأحكام الشرعية ، (رؤية هلال رمضان) ، (رؤية هلال شوال) ، و (رؤية هلال ذي الحجة) ، بل سائر رؤى الهلال ، حتى الأحكام الفقهية المتعلقة بالصيام في الكفارات ، حتى يظهر منها متى تؤدى .
والله تعالى أعلم.
المصدر:
من المحاضرة الأولى لفضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله ، من كتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام ت الزهيري ، لابن حجر العسقلاني رحمه الله.
الموافق : هجري 10 محرم 1447 – ميلادي 05 يوليو 2025.✍️✍️
◀️ الرابط في الموقع الرسمي:
مقدمة شرح باب العيدين من بلوغ المرام] فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله.