[ فقه تلقين الميت – من شرح كتاب بلوغ المرام – فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله]

[ فقه تلقين الميت – من شرح كتاب بلوغ المرام – فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله]

الحديث:
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ».
رَوَاهُ مُسْلِمٌ, وَالْأَرْبَعَةُ.

قال الشيخ مشهور حسن شارحاً:
هذا أمر فالأصل من حضر عند الميت أن يلقنه بأن يقول له:
لا إله إلا الله.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«لقنوا موتاكم».
هو حي ولكنه قريب من مرحلة الوفاة ، فالذي يخاطب بالتلقين الميت الذي كاد أن يفارق الدنيا ، فأطلق عليه النبي صلى الله عليه وسلم «موتاكم» ، هم أحياء ولكن سماهم النبي صلى الله عليه وسلم أموات ، هذا عند حضور الموت ، وهذا التلقين سنة مأثورة وأجمع عليها المسلمون ، وهذا التلقين في بعض الصور خفي ، ولذا أحببت أن أبسط الكلام عن هذا التلقين ، حتى نستفيد منه فائدة مهمة جداً.

أولاً هذا التلقين عند الموت له تأثير عظيم في تكفير السيئات وإحباطها ، والكلام الذي أقرأه من كتاب ابن القيم في كتابه العظيم “الفوائد” وأحب من الأخوة إن اجتمعوا فيما بينهم أن يقرأوا شيئاً من كتاب الفوائد.

يقول:
لشهادة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله عِنْد الْمَوْت تَأْثِير عَظِيم فِي تَكْفِير السَّيِّئَات وإحباطها لِأَنَّهَا شَهَادَة من عبد موقن بهَا عَارِف بمضمونها قد مَاتَت مِنْهُ الشَّهَوَات ولانت نَفسه المتمردة وانقادت بعد إبائها واستعصائها ، وَأَقْبَلت بعد إعراضها وذلت بعد عزها وَخرج مِنْهَا حرصا على الدُّنْيَا وفضولها واستخذت بَين يَدي رَبهَا وفاطرها ومولاها الْحق أذلّ مَا كَانَت لَهُ وأرجى مَا كَانَت لعفوه ومغفرته وَرَحمته.

وتجرد مِنْهَا التَّوْحِيد بِانْقِطَاع أَسبَاب الشّرك وَتحقّق بُطْلَانه ، فَزَالَتْ مِنْهَا تِلْكَ المنازعات الَّتِي كَانَت مَشْغُولَة بهَا.

وَاجْتمعَ همها على من أيقنت بالقدوم عَلَيْهِ والمصير إِلَيْهِ فَوجه العَبْد وَجهه بكليته إِلَيْهِ وَأَقْبل بِقَلْبِه وروحه وهمه عَلَيْهِ فاستسلم وَحده ظَاهرا وَبَاطنا واستوى سره وعلانيته فَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله مخلصا من قلبه وَقد تخلص قلبه من التَّعَلُّق بِغَيْرِهِ والالتفات إِلَى مَا سواهُ.

فقد خرجت الدُّنْيَا كلهَا من قلبه وشارف الْقدوم على ربه وخمدت نيران شَهْوَته وامتلأ قلبه من الْآخِرَة فَصَارَت نصب عَيْنَيْهِ وَصَارَت الدُّنْيَا وَرَاء ظَهره فَكَانَت تِلْكَ الشَّهَادَة الْخَالِصَة خَاتِمَة عمله فطهّرته من ذنُوبه وأدخلته على ربه لِأَنَّهُ لَقِي ربه بِشَهَادَة صَادِقَة خَالِصَة وَافق ظَاهرهَا بَاطِنهَا وسرها علانيتها فَلَو حصلت لَهُ الشَّهَادَة على هَذَا الْوَجْه فِي أَيَّام الصِّحَّة لاستوحش من الدُّنْيَا وَأَهْلهَا وفر إِلَى الله من النَّاس وَأنس بِهِ دون مَا سواهُ.

لكنه شهد بهَا بقلب مشحون بالشهوات وَحب الْحَيَاة وأسبابها وَنَفس مَمْلُوءَة بِطَلَب الحظوظ والالتفات إِلَى غير الله فَلَو تجردت كتجردها عِنْد الْمَوْت لَكَانَ لَهَا نبأ آخر وعيش آخر سوى عيشها البهيمي وَالله الْمُسْتَعَان
——–
ص56 – كتاب الفوائد لابن القيم ط العلمية .
فالذي يوفق لقول لا إله إلا الله وهو على فراش الموت يقولها على حال غير الحال الذي اعتاد أن يقولها عليه.

وهناك ست لطائف ونفائس مهمة أحب أن أتحف إخواني بها حتى لا ننسى موضوع التلقين وحتى نتزود بالأمور المهمة المشروعة حتى ينتفع المسلمون وأقاربنا وجيراننا وأبناءنا إن دخلنا عليهم لنلقنهم.

أبدأ بأثر عن الأعمش قال حسين الجعفي:
دخلت على الأعمش أنا و زائدة بن قدامة ، في اليوم الذي مات فيه ، والبيت ممتلئ من الرجال ، والأعمش ممن دار عليه الحديث وامتلأ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ دخل شيخ فقال سبحان الله ترون الرجل وما هو فيه وليس منكم أحد يلقنه؟

فقال الأعمش :
[سبحان الله! فهو الذي
عَـلَّم الطلبة.]

فقال الأعمش هكذا فأشار بسبابة وحرك شفتيه.

يعني لما تريد أن تلقي الميت أشر بسبابتك قل:
لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله ، حرك لسانك بشكل واضح إذا لم يسمعك اجعله يفهم من السبابة.

فالأعمش علمهم كيف يلقنوه ، فأشار بالسبابة و حرك شفتيه ، قال لا إله إلا الله.

فمن لم يكن لسانه منطلقاً ؛ فإنه يقولها في نفسه ، ويحرك شفتيه كما صنع الأعمش.

ولذا يحسن بمن حضر ميتا وقد كان قد أطبق ذهنه وظهر أنه لا حراك فيه إلا أن آمارات الحياة موجودة أن يلقنه الشهادة من أجل أن يتذكرها المحتضر بقلبه ، فيموت وهو معترف بها ، من أجل درء الفتنة عن نفسه.

هذه النفيسة الأولى.

الثانية:
لا يشترط فيمن تلقنه أن يكون مكلفاً ، فقد يكون شاباً يافعاً ، فكذلك يسن لك أن تلقنه بلا إله إلا الله ، لأن من كان آخر كلامه لا إله إلا الله مخلصاً بها قلبه دخل الجنة.

الثالثة : يقول ابن قدامة :
يستحب أن يلي المريض أرفق أهله به ، وأعلمهم بسياسته وأتقاهم لله.

فإذا رآه منزولاً به تعاهد بل حلقه بتقطير ماء ، ويبل شفتيه بقطنة ، لأنه ينشف حلقه من شدة ما نزل به ، لعجزه عن الكلام ، لا بأس لو تنقط شيء في حلق المحتضر أو تمسح شفتيه بقطن مبلول.

الرابعة :
يسن أن يكون الذي يلقن ليس متهم بإرث أو عداوة أو حسد ، والذي يلقنه أشفق الناس من ورثته.

ولا يسن في التلقين إلا أن تقول لا إله إلا الله ، لا يسن أن تقول محمد رسول الله ، وإنما فقط تلقنه بلا إله إلا الله.

الخامسة: وهي لطيفة جميلة مذكورة في ترجمة الحافظ أبي زرعة الرازي شيخ البخاري وشيخ مسلم.
طوَّل في إرادها ابن البناء ، فضل التهليل وثوابه الجزيل ، ومذكورة في الجرح والتعديل في مقدمته ، ذكرها ولده.

لما احتضر أرادوا تلقينه فتذاكروا الحديث الوارد في ذلك ، تذاكروا الأسانيد في حديث من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وهذا يقول حدثني فلان عن فلان عن فلان ، وذلك يقول حديث ثم سكتوا ، فقال أبو زرعة متمماً الحديث:
من كان آخر كلامه لا إله إلا الله ، ثم خرجت روحه ، قال تتمة الحديث.

كيف لقنه تلاميذه؟
بأن ذكروا أسانيد الأحاديث ،
هذه لطيفة.

واللطيفة السادسة :
ينبغي أن يراعي الذي يلقن حال ضعف المريض ، وأن لا يجعله يضجر ويمل.

فقد قال الترمذي في جامعه في باب ما جاء في تلقين المريض ، قال روي عن عبد الله بن المبارك أنه لما حضرته الوفاة جعل رجل يلقنه يقول:
لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله ، وأكثر عليه من ذلك.
فقال له بن المبارك:
إذا قلت مرة فأنا على ذلك ما لم أتكلم بكلام غيره.
لا تجعل الميت يضجر ، وتكثر عليه من قولك:
لا إله إلا الله.

فهذه لطائف مهمة وحسنة ، لعل الله ينفعنا بها ، إن شاء الله.

المصدر:
القناة الرسمية لفضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان على يوتيوب.
البث المباشر – المحاضرة الثانية 🔸شرح بلوغ المرام (باب صلاة العيدين – آخر كتاب الزكاة)
بتاريخ :
10 محرم 1447 هجري
05 يوليو 2025 ميلادي✍️✍️

◀️ رابط الفتوى في الموقع الرسمي :

[ فقه تلقين الميت – من شرح كتاب بلوغ المرام – فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله]