أحكام التجميل – مشهور بن حسن آل سلمان
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أمَّا بَعْدُ:
فكلامي في هذهِ الليلةِ عن بعضِ أحكامِ التجميلِ،وبيانِ مخالفاتِ بعض النساءِ فيه؛وقبلَ أنْ أبدأَ معتمداً على اللهِ عزَّوجل–أذكر مقدمةً لا بدَّ مِنها بهذا الصدد، فأقولُ وبهِ –سبحانه– أصولُ وأجولُ:
إنّ من سننِ اللهِ التي لا تتخلفُ عن أمّةٍ من الأممِ أنّ الأمّةَ المغلوبةَ تُجاري الأمّة الغالبة، وأنه هويتها تكاد تضيع ولا تبين؛فكما أنّ الضعيفَ يُجاري القوي؛والجاهلَ يُجاري العالم؛والولدَ يُجاري أبويه؛الذكر يُجاري الأب والأنثى تُجاري الأم؛فإنّ هذه سنّة ليست خاصة بالأفراد،وإنّما تشمل الأُمم فالأمّة المغلوبة تُجاري الأمة الغالبة،ولحكمةٍ عظيمةٍ استنبط أهلُ العلمِ من مجملِ ما وردَ من نصوصٍ في كتاب الله وسنن رسول الله –صلى الله عليه وسلم–استنبطوا مقاصد كليةً للشريعة فقالوا “من المقاصد الكلية للشريعة ألّا يتشبه المسلمُ بالكتابي والأّ يتشبه المسلمُ بالكفار،وألّا يتشبه المسلمُ بالحيوانات،وألّا يتشبه النساء بالرجال،وألّا يتشبه الرجال بالنساء” ،فهذه مقاصدُ كلية جاءت بها الشريعة؛ ولأنّها مفقودةٌ عند غيرنا ،وقد أخبرنا –صلى الله عليه وسلم–أنّنا سنتبع سنن من كان قبلنا،–فابتباعنا لسننهم–قالوا:اليهود والنصارى فقال –صلى الله عليه وسلم-: مَن –أي منْ غير هم-.
فإنّا ياللأسف! من شدة ما نشاهد؛باتت مشاعرنا جامدة،وكادت لعموم البلوى ألا تنكر كثير من القلوب كثيراً من المنكر لأنه أصبح مألوفاً،بل ياللأسف! عند بعض الناس بمجرد الإعلان عن حكمه في الشريعة وقد تكون بعض الأحكام مأخوذة من نصٍ بدلالة صريحة؛فالدليل صحيح والدلالة صريحة؛ ومع هذا فبعض القلوب منكوسة–ولا حول ولا قوة إلا بالله-.
استجدت في حياة بعض المسلمين بحكم أنّ الدنيا قرية،منذ احتكاك الغرب بهم إلى هذه الأيام التي يَجهد فيها الكفار تضييع هوية المسلمين حتى في ألعاب أطفالهم أرادوا العولمة المزعومة! واللعب له أثرٌ في نفسية الإنسان ؛ ولما ذهب فريق من الباحثين في دراسة حياة صلاح الدين من اليهود، لماذا ظهر؟ وينبغي أن نجفف أسباب ظهوره مرة أخرى؛ مما درسوا في حياته الألعاب الشائعة في ذاك الزمان؛والأمثال العاميّة التي كانت تروى على الألسنة ،ودرسوا نداءات الباعة في الأسواق ،ودرسوا كل شيء يخص الإنسان.
والناظر في حياة الغرب يجد أن الشياطين يلعبون بهم على وجه ظاهر؛تجد أنّ كثيراً مما يدرجُ تحتَ الموضة إنما أُخذ من مصادمة نص ، ومن تحذير بليغ ثابت في عدة أحاديث على لسان رسول الله –صلى الله عليه وسلم–،ولا ندري هل الشياطين الذين يروجون هذه المخالفات يعلمون ؛أم أن بينهم –أعني شياطين الإنس وشياطين الجن اتئتلاف واتحاد ومؤامرة خفية على أحكام الله عزوجل– ؟!هذا يؤثر على موقع الأمةبين سائر الأمم فنحن قوم كما قال عمر :”نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله“؛نحن قوم إن كان الله معنا لا نبالي؛” فمن وجد الله ماذا فقد ومن فقد الله ماذا وجد “
والسلاح الفتّاك في هذه الأمة الذي يبطش بها ويطمّع بها من عدوها بمقدِراتها وخيراتها إنما هو عدم صلتها بالله من الذنوب والمعاصي،فالذنوب لها أثر خطير ؛لا أقول على القلوب فحسب بل على القلوب وعلى الشعوب.
أحكام الزينة كثيرة ولعل مجلسنا هذا بل إن الأمر كذلك بيقين ،لنْ يتسع لعرض جميع أحكام الزينة والتجمّل ،وما يخص النساء من معرفة أحكام؛ربما يكون حكم معرفة بعضها من الواجبات إلاّ أنّني أبدأ بالكلياتِ وأذكرُ الأمورَ الشهيرات لأعرجَ بعدَ ذلك –إنْ شاء الله تعالى– لذكر بعض ما هو شائع ذائع ولكنّه ليس بالشهرة الأولى.
من أحكام التجمّلِ الذي وردَ فيهِ نصوصٌ عديدة، سواءٌ من احاديثَ نبوية أو آثار سلفية ،حكم النمص والأسئلة تتكرر وتكثر؛ولذا رأيت أن أجيب عن مجموعة من الأسئلة عن النمص بتأصيل وبعرض للموضوع من جميع جهاته.
كثيرٌ من الأخواتِ الحريصات–بارك الله فيهنّ – ونسأل الله أن يفقهنا وإياهنّ،وأن يعصمنا من الزلل والخلل،وأن يجعلنا ممن يفتخر بدينه،وقّافاً عند مرضاة الله –جل في علاه-.
كثير من الأخوات يسألنّ عن :
حكم النمص؟
وهل النمص خاص بالوجه؟
بل بعضهن يضيق السؤال فيقول هل هو خاص بالحواجب؟
وإذا نمصت وزوجي يقبل ويأذن وأنا لا أنمص للنساء وإنما أنمص لزوجي لأتزين له فهل هذا مشروع أم ممنوع؟
وإذا كان النمص ممنوعاً فهل ما يسمى بالتشقير –وسيأتي بيانه–مأذونٌ فيه أم ممنوع منه؟
هذه الأسئلة وغيرها مما يندرج –إن شاء الله تعالى–تحت موضوع من مواضيع هذا الدرس، أقول :
النمص في اللغة أصل يدل على رقة الشيء ونتفه،فالنمص العمل على تدقيق الشعر ورقته،وقد قال بعض أئمة اللغة كالفرّاء قال:”النامصةُ هي التي تنتف الشعر من الوجه“كما في اللسان وتاج العروس وغيرها من المعاجم،وفي المعاجم تنمصّت المرأة ونَمُصَت ،امرأة نمصاء أي تأمر نامصة فتنمص شعر وجهها أي تأخذه بخيط، وليست العبرة بوسيلة الأخذ، فلا فرق بين أن تأخذه بخيط أو أن تأخذه مثلاً بملقط؛ أو أن تأخذه بشيء آخر،كأن تضع مثلاً مواد على وجهها لإزالة هذا الشعر .
والنمص والتزيّن به قديم،ولذا جاء التحذير منه على لسان رسول الله –صلى الله عليه وسلم– في عدّة أحاديث؛من أشهرها ما أخرجه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما بسنديهما إلى علقمة* قال :سمعت عبدالله وهو ابن مسعود–رضي الله تعالى عنه–يقول:-يقول علقمة-“لعن عبدالله–أي ابن مسعود–الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن” ،ولنا كلمة عن الوشم وأحكام الوشم وعن التفلج تفليج الأسنان للحسن تأتي لاحقةً– إن شاء الله -.
يقول علقمة:”لعن عبدالله أي –ابن مسعود– الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله،فقالت امرأة تُكْنى أم يعقوب –وكانت تابعيّةً قارئةً،القراءة في التابعين كانت أكثر منها في الصحابة، وكانت القراءة في الرجال والنساء–،فقالت امرأة لما سمعت ابن مسعود يقول:”لعن الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله، قالت أم يعقوب: ما هذا !قال عبدالله بن مسعود:مالي لا ألعن من لعن رسول الله –صلى الله عليه وسلم– وفي كتاب الله،فقد لعن رسول الله من لعنته،ووقع اللعن في كتاب الله،–وكتاب الله عند السلف،ليس هو القرءان فقط؛وإنما كتاب الله على ألسنة السلف كما قرر ابن القيّم في شرحه لكتاب عمر في القضاء الذي وجهه إلى أبي موسى الأشعري قال:” كتاب الله عند الصحابة إنما هو القرءان والسنّة” –قالت له أم يعقوب: ما هذا؟ تتكلم بكلام أنّ الله لعن النامصة، فقال ابن مسعود: “مالي لا ألعن من لعن رسو ل الله وفي كتاب الله،قالت والله لقد قرأت كتاب الله ما بين الدفتين فما وجدته“؛–أنا قارئة وقرأت القرءان هو قال كتاب الله ،قالت كتاب الله، ظنت أن كتاب الله محصور في القرءان–قالت:والله لقد قرأت ما بين الدفتين فما وجدته فقال: والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) ثم قال:إني سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم-“يلعن الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله “.
بناءً على هذا الحديث وغيره ؛وسيأتي بعض ما ورد في هذا الباب أجمع أهل العلم بما فيهم الأئمة الأربعة المتبعون، أجمعوا على أنّ النمص حرام، على خلاف وقع بينهم في بعض المذاهب في بعض التفاصيل ، لكنّ أهل العلم لم يحلل واحد منهم النمص؛بل جعلوا النمص كبيرة من الكبائر لأن الذنب الذي ورد فيه اللعن هو كبيرة؛فكل ذنب ورد فيه لعن أو تهديد بالنار أو ترتب عليه حد من الحدود،فهو كبيرة من الكبائر.
بعض العلماء قال :”النمص ممنوع لغير الزوج“؛فجوّز للمرأة أن تنمص لزوجها وهذا كلام باطل؛ فيه تقييد للإطلاق على لسان رسول الله –صلى الله عليه وسلم– وفيه إتكاء واعتماد على أثر لم يصح ولم يثبت عن عائشة –رضي الله عنها– من جوّز للمرأة أن تنمص لزوجها،وحرّم النمص للأجانب اعتمد على ما أخرجه ابن جرير عن امرأة أبي اسحاق” أنها دخلت على عائشة –رضي الله عنها–وكانت شابه يعجبها الجمال فقالت:المرأة تحف جبينها لزوجها، فقالت لها عائشة –رضي الله تعالى عنها– أميطي عنك الأذى ما استطعت” ، وهذا الأثر لم يثبت على قواعد أهل الصنعة الحديثية؛ولم يصح عن عائشة،إسناده مظلم، والثابت في مسند أحمد في المجلد السادس صفحة سبعة وخمسين عن عائشة –رضي الله عنها– قالت:” كان النبي –صلى الله عليه وسلم –ينهى عن النامصة والمتنمصة“ فالذي صحّ عن عائشة أنها رفعت إلى النبي –صلى الله عليه وسلم–نهيه عن النامصة والمتنمصة والأصل في النهي الحرمة مالم تأتِ قرينةٌ تصرفه عن ذلك،ويؤكد ذلك ما جرى من تفصيل في بعض الروايات عند أبي داوود والدارمي ما ورد من تفصيل جرى بين أم يعقوب وابن مسعود.
وكذلك ما ورد عند أبي داوود من طريق قبيصة بن جابر قال :”كنا نشارك المرأة في السورة من القرءان نتعلمها فانطلقت مع عجوز من بني أسد إلى عبدالله بن مسعود في بيته ،وكان عنده ثلاثة نفر،قال: فاجتمعنا ثلاثة نفر ومعنا امرأة عجوز من بني أسد نقرأ القرءان على ابن مسعود وكانت امرأة كبيرة فوضعت من ثيابها وفي رواية فرأى ابن مسعود جبينها يبرق فقال:أتحلقينه، فغضبت وقالت:التي تحف جبينها أمرأتك–أي زينب الثقفيّة أم عبد الرحمن زوج ابن مسعود فقال ابن مسعود ادخلي عليها،فإن كانت تفعله فهي مني بريئة–إن كانت تفعل مثل ما تقولين تحف جبينها أي تنمص جبينها فهي مني بريئة–،قال:أدخلي عليها،فدخلت فانطلقت أي دخلت ثم جاءت فقالت:لا والله ما رأيتها تفعله“ هذه عجوز من بني أسد.
قصة أم يعقوب في الدارمي ايضاً فيها تفصيل،لمّا ذكر لها أن الله –عزوجل– قد لعن النامصة والمتنمصة،قالت: إنّ أم عبدالرحمن تنمص –ويظهر –والله تعالى أعلم– أن حواجب امرأة ابن مسعود رقيقة فتبدو للناظر للوهلة الاولى أنها تزيل شيئاً منه– فقال لها:والله إن كانت تنمص ما جامعناها في البيوت –أي ما جمعنا وإياها سقف بيت واحد-.
امرأة تَرجو بركتَها،وتَرجو أنْ تُربّي أولادك،وأنْ تعيشَ معَك حياةً سعيدةً وهي ملعونة؛والملعونة مطرودة من رحمة الله،فأنّى لرجلٍ أنْ يجدَ بركة في بيته وعلى لسانِ وأفعالِ زوجته وهي ملعونة؛ إن أردت بركة زوجك،وأنْ تقيمَ دين الله في بيتِك ،فابتعدْ في البداياتِ عن اللعنِ وعنْ أسبابِ اللعن .
رَوَى الإمَام مُسْلِم في صَحِيحِهِ عَنْ عَلْقَمَةِ عَنْ عَبْدِ الله قَالَ [ لَعَنَ الله الوَاشِمَات والمُسْتَوْشِمَات والنَّامِصَات والمُتَنَمِّصَات والمُتَفَلِّجَات للحُسْنِ المُغَيِّرَات خَلْق الله، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ امرأة مِنْ بَنِي أسَد يُقَالُ لَهَا أُمّ يَعْقُوب، وكَانَت تَقْرَأ القُرْآن، فَأتَتْهُ فَقَالَت: مَا حَدِيث بَلَغَنِي عَنْكَ أنَّكَ لَعَنْتَ الوَاشِمَات والمُسْتَوْشِمَات والمُتَنَمِّصَات والمُتَفَلِّجَات للحُسْنِ المُغَيِّرَات خَلْق الله؟ فَقَالَ عَبْد الله: ومَا لِي لا ألْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وهُوَ في كِتَابِ الله، فَقَالَت المَرْأة: لَقَدْ قَرَأتُ مَا بَيْنَ لَوْحَيّ المُصْحَف فَمَا وَجَدْتُهُ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، قَالَ الله عَزَّ وجَلَّ (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)، فَقَالَت المَرْأة: فَإنِّي أرَى شَيْئاً مِنْ هذا عَلَى امْرَأتِكَ الآن، قَالَ: اذْهَبِي فَانْظُرِي، قَالَ: فَدَخَلَت عَلَى امرأة عَبْد الله فَلَمْ تَرَ شَيْئاً، فَجَاءَت إلَيْهِ فَقَالَت: مَا رَأيْتُ شَيْئاً، فَقَالَ: أمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ نُجَامِعْهَا ].
__________________
قال الإمام أحمد:”الإمساك في الفِتنة سُنة ماضية ، واجِب لُزومها ، فإن ابْتُلِيتَ فَقَدِّم نفسك دون دِينك ، ولا تُعِن على فتنة بِيَدٍ ولا لِسَان ، ولكن اكْفُف يَدك ولِسانك وهَواك ، والله المعين” . طبقات الحنابلة