أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاهم ربنا في كتابه، وزكاهم نبينا صلى الله عليه وسلم، بعث ليعلم ويزكي وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم، بلا شك بمهمته . وقد أفلح ونجح، فمن يطعن فيهم فإنه في حقيقة الأمر يطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يطعن بالله؛ لأن من طعن بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجملة فإنما هو- شاء أم أبى – يطعن في القرآن الكريم فإن القرآن وصلنا من خلال الصحابة، فإن أسقطنا الصحابة فهذا يجعلنا نشك في القرآن هل هو كلام الله أم لا ؟ لذا العلماء يقولون من طعن في جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو كافر مرتد .أما من يطعن في واحد منهم فهو فاسق، وقد قال الإمام أبو زرعة الرازي : (( من طعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو زنديق)).
وعلينا أن نذب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجج والبراهين وأن ننشر فضلهم في الأمة فضلهم مجموعين بالجملة وفضلهم مجموعين بوصف كأهل بد، والحديبية، وهكذا، وأيضاً ننشر فضلهم منفردين . فهذا من العبادات والطاعات .
لكن ما جرى بينهم من خلاف وفتن، فإن الله لم يتكفل بحفظ ما جرى بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذا النبي صلى الله عليه وسلم أراحنا – وهذا من رحمته وشفقته بنا – فقال فيما ثبت عنه عند الطبراني عن ابن عمر قال : {إذا ذكر أصحابي فأمسكوا} فلا تنشغلوا بما لا ينفعكم وعليكم الانشغال بما يترتب عليه ثمر . ولما سئل سعيد بن المسيب عما جرى بين الصحابة من الفتن فقال مقولة تكتب والله بماء العيون ، وهو كلام عليه نور، والله قد يجري الحق على ألسنة بعض الصالحين فقال : (( فتنة نجى الله منها أيدينا فلننجي منها ألسنتنا )) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول عن أصحابه : {والذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق كل يوم مثل أحد ذهباً [وفي رواية : أنفق كل يوم مثل أحد ذهباً] ما بلغ مد أحدهم أو نصيفه} فأين نحن وأين هم؟ {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم}.
فينبغي أن نمسك عن التفصيل في هذه الفتنة، لاسيما أن التفصيل قد دُوِّن في عصور قلة، وأصحاب هذا التفصيل مطعون في ديانتهم وعدلهم وضبطهم، وقد كذبوا متقصدين الجنف والحيف على قوم، والميل إلى قوم . فانظروا إلى تفاصيل الفتنة التي يذكرها طارق سويدان في أشرطته، فأسانيدها تدور على سيف بن عمرو التميمي، ولوط بن منحنس ، وأمثالهم من الكذابين. فكيف أسمع لتفاصيل ما جرى بين الصحابة وهم الأسوة والقدوة لكلام واحد كذاب دجال. ومن يسمع يميل قلبه لجهة دون جهة والقلب يدخل فيه بغض وكره لبعض الأشخاص فلا يوجد عندنا رواة ثقات أثبات معتدلين ذكروا الفتنة . ولو احتاج أحد اليوم أن يدرس الفتنة دراسة دقيقة بالأسانيد لاحتاج إلى المفقود من الكتب أكثر من حاجته للموجود، لاسيما كتاب “تاريخ الكوفة” لابن شبة، فهو مفقود . وقد لخص ابن حجر هذا الكتاب في “فتح الباري” في كتاب تاريخ الفتن، واقتصر على عيون الروايات، لكن لعله ترك منه ما الله به عليم، وما يسعف المتخصص في هذه الدراسة .
فهي مرحلة مضت ما تكفل الله بحفظها؛ بخلاف أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان عبد الله بن المبارك يقول : (( لو أن كذابا زور بالليل ان يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ييسر الله في النهار من يفضحه ويبين كذبه))؛ لان الله قد تكفل بحفظ الدين ، ومن حفظ الدين حفظ السنة . أما حفظ ما جرى بين الأصحاب فما تكفل الله به فلماذا الانشغال بهذا التفصيل ؟ وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا في موطن شك، ولا موطن ريبة، وكلهم ثقات، نحبهم ونتولاهم . ونفضل بعضهم على بعض، فأفضلهم على الإطلاق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، بهذا الترتيب، وعلي أفضل من معاوية، لكن معاذ الله أن نشتم أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.