كتاب “الحيدة” مادته حسنة بالجملة، وهو مناظرات من عبدالعزيز الكناني لبشر المريسي أمام المأمون، والمناظرات قوية مفحمة، تبين سداد وصواب مذهب أهل السنة في مسألة كلام الله عز وجل، وأن القرآن غير مخلوق، فمادته علمية جيدة.
لكن شكك غير واحد من أهل العلم في صحة نسبته لصاحبه، والتشكيك له أسباب وهي: ما ذكره الحافظ ابن حجر في “اللسان” في ترجمة عبدالعزيز الكناني، قال: كيف ينصر المأمون الاعتزال ويؤذي أهل السنة، وقد قامت هذه المناظرات بين يديه، كما هو في الكتاب، وقد أفحم بشر المريسي ولم يتكلم بكلمة، فالأصل أن يكون المأمون إن كانت هذه المناظرات واقعية صحيحة أن ينصر مذهب أهل السنة، لأن الحج لائحة، ولم يبق كلام أبداً لبشر، فيستبعد أن يبقى المأمون على مذهبه وأن يؤذي أهل السنة، وهذا كله قد جرى على هذه التفصيل بين يديه.
وقد قال ابن حجر هذا الكلام بعد أن نقل كلام الذهبي في الميزان، وهو أن في إسناده هذا الكتاب رجل اسمه محمد بن الحسن بن الأزهر، اتهمه أبو بكر ابن الخطيب بالوضع، فقال عنه: وضاعاً، فكتاب في سنده وضاع وحاله كما قال ابن حجر: فهذه النسبة لم تثبت.
وهناك مسألة الخلاف فيها كبير بين العلماء، وهي هل يحتاج الكتاب إلى إسناد كالحديث؟ أم أن شهرته تكفي؟ فمنهم من قال تكفي الشهرة فإذا اشتهر عند أهل العلم أن فلاناً قد ألف كتاباً، فهذا يكفي، فما نحتاج لأن نثبت أن البخاري ألف صحيحاً مع أن إسناد البخاري موجود إلى اليوم.
وطبع حديثاً الشيخ علي الفقيهي كتاب “الحيدة” ومال في مقدمته إلى صحة النسبة، وأيد كلامه بأمرين، بعد مناقشة ما ذكره الحافظ ابن حجر في المأمون، فقال قد يبقى الإنسان على مذهبه ويسمع كلاماً يفحم، ويكون هناك دواعي تبقيه، فهذا لا يكفي.
ثم قال: أما موضوع إسناد الكتاب وأن فيه وضاعاً، فقد ثبت نقله لابن بطة في كتابه الإبانة، ينقل عن كتاب الجيدة بإسناد آخر رواته ثقات، فيا من تنكرون هذه النسبة بسبب هذا الرجل، هناك سند آخر، وأكد كلامه بالشهرة وأفاض في نقل العلماء عن هذا الكتاب فأثبت أن ابن تيمية وابن القيم والذهبي وحتى ابن حجر قد نقلوا عن هذا الكتاب وعزوه إلى صاحبه، فالقلب يميل إلى صحة النسبة، مع وجود إسناد ابن بطة في كتاب الإبانة، والله أعلم.