تكحيل العينين في تقرير شيخنا مشهور لإثبات صفة العينين
قال فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان –حفظه الله– في درس ( شرح صحيح مسلم ) يوم الخميس 1/ربيع الثاني/1428هـ الموافق 19/4/2007م:
«جاءتني أسئلة كثيرة من أخوة لعلّهم بلغهم شيئاً عن كلامي في بعض صفات الرب –عزَّ وجل– في إثبات صفة العين لله –جلَّ في علاه– والكلام طويل وكثير،ولكني أثبت لربي –جلّ في علاه– ما أثبته ربنا لنفسه، وما أثبته نبينا لربه، وما أثبته السلف لله –جلّ في علاه-.
وتذكرت بهذه المناسبة كلام كنتُ قد قرأتُه لشيخ الإسلام ابن تيمية في الجزء الثالث في حكاية مناظرة «الواسطية»، وأنقل لكم شيئاً يسيراً لنعلم حجمنا ونعلم من نحن أمام مسألة صفات الله –جلَّ في علاه– يقول شيخ الإسلام في (3/ 161) من «مجموع الفتاوى»: «أمر الأمير بجمع القضاة الأربعة –قضاة المذاهب الأربعة– وغيرهم من نوابهم والمفتين والمشايخ ممن لهم حُرمة وبه اعتداد، وهم لا يدرون ما قَصَدَ بجمعهم في هذا الميعاد، وذلك يوم الإثنين ثامن رجب المبارك عام 705هـ فقال لي: هذا المجلس عقد لك –عُقِدَ ليفحص عقيدة ابن تيمية، الأمير جمّع العلماء والمشايخ وقضاة من المذاهب الأربعة ليفحصوا عقيدة شيخ الإسلام ابن تيمية– فقد ورد مرسوم السلطان بأن نسألك عن اعتقادك؟ وعمّا كتبت به إلى الديار المسلمين من الكتب التي تدعو بها الناس إلى الاعتقاد؟ وأظنه قال: وأن أجمعَ الفقهاء والقضاة ويتباحثون في ذلك. فقلت –وأنا أُردد معه، وربي يشهد أني أحبُّ شيخ الإسلام حباً لولا مهابة الإمام أحمد لقلت إنه إمام أهل السنة والجماعة– يقول: فأمَّا الاعتقاد فلا يؤخذ مني ولا يؤخذ ممن هو أكبر مني وإنما يؤخذ من كتاب الله، وسنَّة رسول الله، وما أجمع عليه سلف الأمّة».
الاعتقاد لا يؤخذ من أحد، والمباحث في العقيدة دقيقة ولا يمكن لكلّ أحدٍ أن يفهمها فهماً دقيقاً، وقلت وما زلت أقول: الأحاديث التي تثبت العينين لله –عزَّ وجل– لم يَثْبُت منها شيءٌ من حيث الصنعة الحديثية؛ فَوَرَدَ عند ابن حبان والعقيلي من حديث أبي هريرة أنّ النبيَّ –صلى الله عليه وسلم– قال: «إنّ العبد إذا قام في الصلاة فإنه بين عينيّ الرحمن» وهذا الحديث مداره –في كل طرقه– على إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو متروك، هذا الإسناد ضعيف جداً.
ومناسبة مبحثي بهذه المسألة أني من فترة طويلة بعد أن يسر الله لي أن خدمت «الموافقات» للشاطبي، يسر الله لي أن علمت قيمة كتاب «قواعد الأحكام» للعز بن عبدالسلام، ومما وجدته في كتاب العز يقول: «وأما ما ورد في القرآن مِن إثبات العينين لله –عزَّ وجل– . . .» ثمّ يتأوَّل، فوجدت بعد فَهم وبحث وفتش أنّ الأشاعرة راجت بسبب رجلين –عفا الله عنهما وغفر الله لهما-: العز في المشرق والباجي في المغرب، الباجي جعل جميع المالكية أشاعرة حتى أصبح الأشاعرة يتكاثرون على أهل السنّة، وكل من في المغرب مِن القضاة والعلماء كلهم أشاعرة، وبسبب الباجي –أبو الوليد الباجي–، وسبب ترويج الأشعرية في المشرق وكان للعز هيبة ولا سيما بين عيني النووي وغيرهم؛ فراجت هذه الأشياء حتى تمالكوا أنفسهم، وقد يسر الله لي مخطوطاً نادراً للبلقِيني فيه تعقب للعز بن عبدالسلام اسمه «الفوائد الجسام»، وثمَّ تعقبتُ العزَّ بالمنقاش، قرأتُ الكتاب مرات وقابلته على عدة مخطوطات وتعقبته بالمنقاش، فمما قلتُ: أنه لم يثبت آية ولا حديث ولا نص فيها إثبات العينين لله –عزَّ وجل– ما في آية: القرآن كل اللي في القرآن إثبات إمّا العين وإمّا الأعين، والعز ماذا يقول؟ يقول: ما ورد في القرآن من إثبات العين، طيب أين الآيات؟! الآيات محدودة معروفة،فهذا الذي يسمى عند العلماء بالتنكيت والتدقيق والبحث في العبارات هذا أمر دقيق لا يمكن أن يقف عليه أي إنسان، لكن صفةٌ أثبتها السلف لربي –عزَّ وجل– أو أولها أو أعطلها فمعاذ الله.
فالمراد –بارك الله فيكم-: أني أدقق في أن العينين الأحاديث التي وردت صراحةً مضافةً لله –عزَّ وجلَّ– لم يثبت منها شيء، وأما ما أثبته السلف من العينين فاعتمدوا على أحاديث صحيحةٍ فيها من حيث التوجيه فيها نزاع مِن مثل: «إن ربكم ليس بأعور» والأقوى من «إن ربكم ليس بأعور» عندي وفي فهمي ما ورد عند أبي داود أنّ النبيَّ –صلى الله عليه وسلم– قرأ قول الله {وكان الله سميعاً بصيراً} فأشار إلى سمعه وإلى بصره.
ومع هذا فقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى– إجماع السلف على إثبات العينين لله –عزَّ وجلّ– وكما سمعتم كلامه –رحمه الله تعالى– مِن أن العقيدة ( لا تؤخذ عني ولا عمن فوقي وإنّما تؤخذ من كتاب الله وسنّة رسول الله وكلام السلف بإجماعهم ) ، فالمبحث قائم، وأنتم طلبة علم حديث، فابحثوا في الكتب، وانظروا ويا ليتنا نجد شيئاً؛ لأني أرى أن الإجماعَ لا يمكن ان يتحقق إلا مع وجود نص، وهذا يجعلنا نقول أننا بحاجة لمزيد بحث ومزيد نظر ليس في أصل عقيدتنا، وإنما في النظر في المخطوطات والكتب والأسانيد والبحث إلى آخره . . .، ومن قال أن المخطوطات هذه لسنا بحاجة لها وهذه الأجزاء لسنا بحاجة لها والنصوص قد انتهت هو مخطئ.
وأنا أدعو –أيضاً– ويا ليتني أجد وقتاً لأن أدرس حديث: «فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن» فإن ثبت هذا الحديث فقد يكون هذا مستنداً قوياً لما أجمع عليه السلف، ولا يلزم من صحة الإجماع إبراز الدليل النقلي مِن الكتاب والسُّنة.
فهذا الكلام لا أسامح ولا أجوّز لأحدٍ يقوم فيقول: فلان يقول كذا، وفلان يخالف عقيدة السلف، انظروا معي مثلاً إلى إثبات صفة الساق مَنْ أوّل مثلاً قول الله –تعالى-: {يوم يُكشف عن ساق} فأثبت الصفة من نصٍّ آخر أو أوَّل أو ضعّف حديث «فإنّ الله خلق آدم على صورة الرحمن»، فأثبت الصورة من حديث آخر، هذا يقال فيه: أخطأ، ما يُقال فيه ضال ولا يُقال فيه خالف عقيدة السلف، هذه دقائق ومسائل ينبغي لطلبة العلم أن يعرفوها.
خلاصةُ ما أقول ومعذرة على الإطالة؛ حتى أكون قد قلت قولاً يُعرف عني وينقل عني، ومن سمع مني أو فهم عني خلاف ما أقول الآن فليُضرب عنه صفحاً، الذي أقوله ديانةً بعد تأملٍ وبحثٍ وقد جمعتُ أقوال العلماء جميعاً في هذه الصفة مع النصوص الواردة وبيان ضعفها أقول: إثبات صفة العينين للهِ –عزَّ وجلَّ– نُقِلَ إجماع السلف عليه وهو طريقٌ معتبرٌ يؤخذ به؛ ولكن هذا شيء والبحث في التصحيح والتضعيف في بعض النصوص شيءٌ آخر.
وصلى الله وسلّم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم».