كلمة فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان– حول المقاطعة
وأنا أتكلّم جاءت ورقة، سؤال عن المقاطعة، وكذا رأيت عدد من الأسئلة في الباب نفسه، وهذا يقتضي كلمة في هذه المسألة، والأمر متوقع، ولا سيما من قبل بعض الأخوة الذين سيخطبون غداً الجمعة، والآن جاء سؤال: هل المقاطعة شرعيّة من كل وجه؟ أم فيها شيء من التشبه بالكفّار؟ يعني بالتأمُّل وجدتُ أنّ المقاطعة قائمة على أصول، وهذه الأصول تحتاج إلى كلمة، فالكلمة: الأصل الأول: الترك عند علماء الأصول عمل، الترك عمل {قال ربّ إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً} ، فهجران القرآن جعله اتخاذاً ربُّنا –عزَّ وجل–، فترك الشراء والبيع عمل بلا شك، ترك البيع والشراء هو عمل من هذه الحيثيّة. الحيثيّة الأخرى: أنّ الأصل في العقوبات لست التوقيف، لكن العدل، الأصل فيه العدل، وليس الأصل في العقوبات التوقيف. الأمر الثالث: إنكار المنكر من شرع الله –عزَّ وجل– مع اعتبارات مآلات الأفعال، وقد ذكر الإمام ابن القيّم في «الإعلام» أنّ إنكار المنكر على درجات، وهذه الدرجات، قال: أن يزول المنكر، أو أن يخف، أو أن يزول ويحلّ مثله محلّه، أو أن يترتّب عليه منكر أكبر منه، فقال: الدرجة الأولى والثانية واجبة، والثالثة محل نظر، والرابعة حرام، إذا أنكرت فزال المنكر أو خف، فهذا واجب، إذا زال المنكر وترتّب على إنكارك منكر بمقداره، فهذه الدرجة الثالثة محل نظر، فإذا زاد فهذا أمر ليس بمشروع. معاقبة النبيّ –صلى الله عليه وسلّم– الكفار بحرمانهم من نخيلهم . . . إلى آخرة ثابت في «الصحيحين»، فثابت مثلاً في «صحيح الإمام مسلم» أنهم لمّا نقضوا العهد حاصرهم النبيّ –صلى الله عليه وسلّم– أعني بني النضير–، وقطع نخيلهم وحرَّقه، وثبت في حصار الطائف –بعد فتح مكة– مثله وهو عند البخاري في (المغازي)، وعند مسلم في (الجهاد)، فذكر ابن سعد قصّتهم فقال: «فحاصرهم رسول الله –صلى الله عليه وسلّم–، وأمر بقطع أعناب ثقيف وتحريقها، فوقع المسلمون فيها يقطعون قطعاً ذريعاً»، قال الإمام ابن القيّم في «الزاد» على أثر هذه الفائدة، قال: «وفيه جواز قطع شجر الكفّار إذا كان ذلك يُضعفهم، ويُغيظهم، ويُنكي بهم»، إذا كان يترتب على ذلك إغاظة وضعف لهم فلا حرج. وجدت كلمة –أو سؤالاً– لشيخنا الألباني –رحمه الله–، فهو من ضمن سلسلة الهدى والنور في شريط رقم (190)، يُسئل الشيخ –رحمه الله– في وقت اعتداء بلغاريا على المسلمين، دولة بلغاريا لمّا اعتدت على المسلمين الذين هم فيها، فسئل الشيخ في الشريط عن حكم أكل اللحم البلغاري، أذكر لكم جوابه بالنصّ، يقول الشيخ ما نصّه: «أنا حقيقة أتعجب من الناس، اللحم البلغاري بلينا به منذ سنين طويلة كل هذه السنين أما آن للمسلمين أن يفهموا شو حكم هذا اللحم البلغاري؟ أمر عجيب! فأنا أقول لابد أنكم سمعتم إذا كنتم في شك وفي ريب من أنّ هذه الذبائح تذبح على الطريقة الإسلامية، أو لا تذبح على الطريقة الإسلامية، فلستم في شك بأنهم يذبحون إخواننا المسلمين، هناك الأتراك المقيمين منذ زمن طويل يذبحونهم ذبح النعاج، فلو كان البلغاريون يذبحون هذه الذبائح التي نستوردها منهم ذبحاً شرعيّاً حقيقةً أنا أقول: لايجوز لنا أن تستورده بل يجب علينا أن نقاطعهم حتى يتراجعوا عن سفك دماء إخواننا المسلمين هناك، فسبحان الله مات شعور الأخوة التي وصفها الرسول –صلى الله عليه وسلّم– بأنها كالجسد الواحد: «مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» لم يعد المسلمون يحسون بآلام إخوانهم فانقطعت الصلات الإسلامية بينهم، ولذلك همهم السؤال أيجوز أكل اللحم البلغاري؟! لك يا أخي أنت عرفت إن البلغار يذبحون المسلمين هناك، ولا فرق بين مسلم عربي ومسلم تركي ومسلم أفغاني إلى آخره، والأمر كما قال الله –تعالى– {إنما المؤمنون إخوة}، فإذا كنا إخوانا فيجب أن يغار بعضنا على بعض، ويحزن بعضنا لبعض، ولا نهتم بالمأكل والمشرب فقط»، وأتمّم كلامه يقول: «فلو فرضنا أن إنساناً ما اقتنع بأن اللحم البلغاري فطيسة .. حكمها فطيسة؛ لأنها تقتل ولا تذبح، لا نستطيع أن نقنع الناس بكل رأي؛ لأن الناس لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك –كما جاء في القرآن الكريم–، فإذا كنّا لانستطيع أن نقنع الناس بأنّ هذه اللحوم التي تأتينا من بلغاريا هي حكمها كالميتة، لكن ألا يعلمون أن هؤلاء البلغار يذبحون إخواننا المسلمين هناك، أمّا يكفي هذا الطغيان وهذا الاعتداء الأليم على إخواننا من المسلمين هناك أن يصرفنا عن اللحم البلغاري ولو كان حلالاً، هذا يكفي، وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين» انتهى كلام الشيخ –رحمه الله تعالى– بحروفه. فالمقاطعة معقولة المعنى، وليست أمر توقيفي، وهي نوع من أنواع العقوبة، ويُعجبني كلام الإمام ابن القيّم، بقول ابن القيّم في «الزاد»: «وحكم –صلى الله عليه وسلّم– بأنّ من أغلق بابه، أو دخل دار أبو سفيان، أو دخل المسجد، أو وضع السلاح فهو آمن، وحكم بقتل ستّةٍ منهم –وسمّاهم-»، ثمّ قال: «ولا ريب أنّ المحاربةَ بسبّ نبينا أعظم إذية ونكايةً من المحاربةِ باليد، ومنع دينار جزية في السنة، فكيف ينقض عهده، ويقتل بذلك دون السبّ»، يعني: الكتابي إذا ما أعطانا الجزية نقض عهده، والسب، يقول: «وأيُّ نسبة لمفسدةِ منعه ديناراً في السنّة إلى مفسدته مجاهرته بسبّ نبينا أقبح سب على رؤوس الأشهاد، بل لا نسبة لمفسدةِ محاربته باليد، إلى مفسدته بمحاربته بالسب»، فأولى من انتقض به العهد وأمان أهل الكتاب سبُّ رسول الله –صلى الله عليه وسلّم–، يقول: «ولا ينتقض عهده بشيءٍ أعظم منه إلا سبُّ الخالق –سبحانه–، فهذا محض القياس، ومقتضى النصوص، وإجماع الخلفاء الراشدين –رضي الله تعالى عنهم-»، يقول: «وعلى هذه المسألة أكثر من أربعين دليلاً». فإذاً سابّ النبيّ –صلى الله عليه وسلم– في عقوبته في الدنيا أعظم من سبّ الربّ –عزَّ وجل–، وذكر الإمام ابن القيّم اعتراضاً، وسبقه إليه شيخه ابن تيمية في «الصارم المسلول»، ذكروا اعتراضاً في أنّ النبيَّ كان يؤذى وكان يسكت، وما كان يُقيم الحد، فوجه الشيخان الجليلان، والإمامان الربّانيان، وجها ذلك بأنّ هذا من حقّه، وأنّ الأمر في حياته يخصُّ ذاته، وله أن يسقطه، أمّا أولياء الأمور بعده فلا يجوز لهم التساهل في حقّ من سبّ النبيَّ –صلى الله عليه وسلّم– حتى ولو جاء تائباً، ولذا الذي يسبُّ الرب يستتاب، لعله غفل، لعلَّ الإيمان قد ضَعُفَ، لم يرضى بقدر الله، أمّا الذي يسبّ النبيّ –صلى الله عليه وسلّم– فلا يُستتاب، وإن تاب لا تُقبل توبته، وربنا يقول: {فإن طعنوا في دينكم} فجعل جواب الشرط بقوله: {فقاتلوا أئمة الكفر}، فجعل الذي يطعن في النبيّ ويطعن في الدين إماماً من أئمة الكفر. قد يقول قائل: هذا حال رسام أو اثنين، أو أربعة، أو عشرة ممن يرسمون الكاريكاتير، ما هو ذنب سائر الناس؟ الجواب: أنّ استنفتاءاً حصل رسمياً في الدينمارك، ونسبة 76% من الشعب ممن قال: هذه حريّة شخصيّة، وعجبي لا ينتهي من هذه الحريّات، هم يفعلون ما شاءوا باسم الحريّة، ونحن ليس لنا حريّة أن نترك شراء بعض الأشياء، هذا أمر عجيب، وأن يجبر علينا أن نقطع هذه المقاطعة، لكن يبقى؛ هل المقاطعة شرعيّة، فإذا ترتّب عليه أنّ هؤلاء القوم يتركون أو يتراجعون، أو ينقصون فيبقى الحكم على تأصيل ابن القيّم على الوجوب، ولكن هذا الوجوب يحتاج لتقدير من قبل أولي الأمر، ولذا علّق بفتوى هيئة كبار العلماء، وكذلك الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى – الوجوب على إذن أولياء الأمور، والآن ولله الحمد والمنّة أكثر من صوت على مستوى أكثر من دولة في أكثر من مسؤولي الدول –بفضل الله تعالى– أبدوا حباً لدينهم ولنبيهم –صلى الله عليه وسلّم–، وكرهاً وبغضاً لهذه الفعلة الشنيعة. قد يقول قائل: أليست هذه المقاطعة كالمقاطعات التي قبلها؟ أنا أقول: فرقٌ كبيرٌ بين المقاطعتين، هذه مقاطعة لمسألة عقديّة شرعيّة ظاهرة، فيها انتقاص للنبيّ –صلى الله عليه وسلّم–، تلك للجانب الحزبي قد يظهر، الجانب السياسي قد يظهر، ومع هذا أنا أقول: لو أنك يا عبدالله دخلت السوق فلم تشتري إلا من صاحب ديانة، حتى تعلم أين تضع مالك، ويوضع بين يديّ رجل تقيّ يُزكيه، فهذا حسنٌ مليحٌ بك، وهذا نوع قد يصل إليه أقوام بقربة زائدة من الله –عزَّ وجل–، لون من ألوان الحب والبغض، والولاء والبراء، نعم قد يقع بيع وشراء دون ولاء وبراء، والنبيّ والصحابة باعوا واشتروا من اليهود، والنبيّ رهن درعه عند اليهود، لكن إذا ترتّب في مثل هذا العمل فلا أرى حرجاً من ذلك، علماً بأنّ شتم النبيّ –صلى الله عليه وسلّم– والاستهزاء بسنته من سنن الله الكونيّة أنّ الله –تعالى– يُعاقب فاعل ذلك، فقد ثبت في «الصحيحين» من حديث أنس –رضي الله تعالى عنه– أنّ رجلاً كان من بني النجّار، وكان يقرأ القرآن، وكان يكتب للنبيّ –صلى الله عليه وسلّم–، فانطلق هارباً حتى لحق بأهل الكتاب فعرفوه، وقالوا: كان هذا يكتب لمحمد، فأعجبوا به، فما لبث أن قسم الله عنقه فيهم، فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته، ثمّ عادوا فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثمّ عادوا فحفروا له، فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، فتركوه منبوذاً، هذه سنّة لله –عزَّ وجل–، اسمعوا ماذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى– في «الصارم المسلول»، يقول في (2/233 – 234): «فهذا الملعون الذي افترى على النبي صلى الله عليه و سلم انه ما كان يدري إلا ما كتب له قصمه الله و فضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دفن مرارا و هذا أمر خارج عن العادة يدل كل أحد على أن هذا كان عقوبة لما قاله و أنه كان كاذبا إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا و أن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد إذ كان عامة المرتدين يموتون و لا يصيبهم مثل هذا و أن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه و سبه و مظهر لدينه و لكذب الكاذب إذ لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد»، اسمعوا ماذا يقول: «و نظير هذا ما حدثناه أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه و الخبرة عما جربوه مرات متعددة في حصر الحصون و المدائن التي بالسواحل الشامية لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا قالوا : كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر و هو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس إذ تعرض أهله لسب رسول الله صلى الله عليه و سلم و الوقيعة في عرضه فعجلنا فتحه و تيسر و لم يكد يتأخر إلا يوما أو يومين أو نحو ذلك ثم يفتح المكان عنوة و يكون فيهم ملحمة عظيمة قالوا» اسمعوا ماذا يقول: «قالوا –أي: أصحابه-: حتى إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه –صلى الله عليه وسلّم– مع امتلاء القلوب غيظا بما قالوه فيه»، يقول: «و هكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل المغرب حالهم مع النصارى كذلك و من سنة الله أن يعذب أعداءه تارة بعذاب من عنده و تارة بأيدي عباده المؤمنين» لمّا أرسل النبيّ –صلى الله عليه وسلّم– والقصّة في «الصحيح» أرسل كتابه إلى كسرى، فمزّق كسرى كتابه، فماذا قال النبيّ –صلى الله عليه وسلّم–، قال: «مزّقه الله» دعا عليه النبيّ –صلى الله عليه وسلّم–؛ لأنه مزّق الكتاب، فنسأل الله –عزَّ وجل– أن يُمزّق ملك كلّ من يطعن في حبيبنا ونبينا –صلى الله عليه وسلّم-. فإذاً أنا لا أرى مانعاً من المقاطعة، وهذا كلام شيخنا، فهي مشروعة، وأمّا القول بالوجوب فإذا كان هذا كلام أولياء الأمور من العلماء، أو من الأمراء فهذا يُصبح واجباً، ويتأكّد هذا الوجوب إذا كان يترتّب على مثل هذه المقاطعة إعراضٌ، أو إقلالٌ، أو امتناعٌ عن مثل هذا العمل، والله –تعالى– أعلم».