المستعاذ منه (مجلس فتوى 23-1-2015)

أقول وبالله سبحانه وتعالى التوفيق؛ إما أن تكون الاستعاذة من أفعال الإنسان نفسه من شروره وإما من شرور غيره، والإنسان يستعيذ بالله من أعماله التي لا ترضيه سبحانه من المعاصي والضلال والكفر والبدع والظلم، وإما أن يستعيذ من أعمال غيره، وشر غيره إما أن يكون من مُكَلَّف أو من غير مُكَلَّف، والمُكَلَّف إما أن يكون مثله بشر وإما أن يكون من الجن، وإما أن يكون غير مُكَلَّف كأن يستعيذ الإنسان مما خلق الله جل في علاه في هذا الكون من الليل والهوام والدواب وما شابه.

المستعاذ منه إما أن يكون موجوداً أو معدوماً؛ فيستعيذ العبد بالرب جل في علاه بأن يبقى المعدوم معدوماً ولا يظهر للوجود والموجود ألا يؤاخذ به وأن يكفَّر عنه وعلى هذا يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يقول قبل كل كلام يقوله: “ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا”، شرور النفس من الشر الذي لم يظهر وسيئات العمل من الشر الذي ظهر.

لو قيل: ما هو الشر؟ هو الآلام وما يؤول إليها، وهذه الآلام قد تكون معنوية وقد تكون مادية أي محسوسة وغير محسوسة، ولا يوجد للعبد ألم في المحسوس وغير المحسوس مثل المعصية والجرأة على الله، وهذه كلها تدخل تحت المستعاذ منه بصورتين فهل تشمل كل شيء، ولذا لو أنك نظرت مثلاً في جملة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم واستعاذاته لوجدتها في حقيقة أمرها تفريعاً عما جاء في المستعاذ منه في المعوذتين .

“اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال”؛ استعاذ النبي من ثمانية أشياء كل شيئين مقرونان، وكلها يجمعها الآلام بقسميها المادية والمعنوية، وكلها من الشرور من شر ما خلق جل في علاه.

الهم والحزن:- الهم ألم شيء مستقبلي والحزن ألم شيء مضى، وكلاهما شيء معنوي.

العجز والكسل:- العجز ألا تكون لك استطاعة والكسل ألا تكون لك إرادة.

الجبن والبخل:- ألم أن يفوتك الخير بسبب عدم بذل بدنك أو مالك.

غلبة الدين وقهر الرجال:- ألم أن يقهرك الرجال بحق وباطل؛ فالحق غلبة الدين، والرجال يغلبوك بباطل ويقهروك بباطل ويدخلون الألم على قلبك بباطل.

فالمستعاذ منه يشمل كل شيء سواء كان مادي أو معنوي، سواء كان في الماضي أو في المستقبل، سواء كان في الأفراد أو الأمم، سواء كان موجوداً أو معدوماً، فكل هذه تدخل تحت عموم قوله تعالى: “من شر ما خلق”، فلا يعرف للعبد ألم كما لو أنه عصى الله تعالى، قد يشعر بلذة أثناء المعصية لكن هذه اللذة حالها كحال الطعام اللذيذ الذي فيه السم، فمتى انتهت لذة الطعام في الفم بدأ السم يأخذ عمله في البدن، فهذا حال المعصية لكن المعصية بدأت تأخذ فعلها في القلب وليست في البدن فتبعدك عن الله.

فالشر حقيقته ألم وتوابع الألم الذي يكون عند العبد، ولا يقدر أحد أن يرفع هذا عنه إلا أن يلجأ لربه وحده وأن يستعيذ به من الشر، قال تعالى: “من شر ماخلق، ومن شر غاسق إذا وقب”، ليس الشر لله فأضاف الله الشر لسبب، قد يكون هناك شر بالنسبة للعبد لكنه في حقيقته خير، كما لو قطعت يد السارق، فهذا خير للمجتمع وخير للأمة وتكفير للعبد السارق، فيكفر عنه ذنبه، فالشر ليس لله البتة، وإنما الشر يضاف للمخلوق، فمن تأمل الآيات حق التأمل وجد المستعاذ منه هو الشرور كلها.