الاستعاذة في الصلاة

التفل والتعوذ في الصلاة من الشيطان وآداب الاتصال عبر الهاتف بالعلماء

ما هي الكيفية الصحيحة بالتفل والتعوذ في الصلاة من الشيطان كما جاء في الحديث عن الشيطان حنزب؟ فهل عملية التفل بلف الرأس أو بالنظر دون لف الرأس مع وجود من هو بجوارك في صلاة الجماعة؟ الشيخ مشهور حسن ال سلمان

ج: من وجد شيئاً من همزات الشيطان في قلبه أثناء الصلاة فيسن له أن يلتفت عن يساره وأن يتفل ثلاثاً ويتعوذ بالله ثلاثاً ثم يعود، ولا حرج في ذلك، والنبي أخبرنا كما في صحيح مسلم أن هناك شيطاناً يسمى خنزب يأتي الإنسان في الصلاة يحاول أن يشغله بأشياء عنها.

وكثير من الناس يشكون من عدم الخشوع في الصلاة، ويجدون وساوس الشيطان في قلوبهم في الصلاة، والإنسان الذي يريد الخشوع في الصلاة عليه أن ينتبه إلى أمور:

أولاً: أن يأتي مبكراً للصلاة فقد رغب النبي بذلك فالذي ينتقل من عمله إلى صلاته مباشرة دون فترة راحة وتبكير إلى الصلاة، يبقى في شغل كحال المروحة إن انقطع عنها التيار الكهربائي تبقى تدور قليلاً بعد انقطاع التيار .

ثانياً أن يكف لسانه ويحفظه ولا يتكلم باللغو فقد قال الله عز وجل: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون}، فمن لم يتكلم إلا حقاً وأكثر السكوت لقن الحكمة، فمن يكثر من اللغو لا يخشع في صلاته.

ثالثاً: أن يعرف الإنسان معنى ما يقرأ فلما تقول الله أكبر فتقول ذلك في مشاعرك وحسك، ولو أن المسلمين كبروا الله بجوارحهم وبأعمالهم كما يكبروه بألسنتهم فو الذي نفسي بيده ما بقي حالهم على ما هم عليه الآن، ثم تعرف معنى قولك: بسم الله الرحمن الرحيم فوالله من يشرب حراماً ويقول: بسم الله فهو كاذب، والذي يأخذ حراماً ويقول بسم الله فهو كاذب، فمعنى قولك باسم الله أي يارب لولا أنك حللت هذا الشراب ما شربت، ولولا أنك حللت هذا الطعام ما أكلت ولولا أنك حللت هذا الأخذ ما أخذت، فمن أكل حراماً وأخذ حراماً وقال باسم الله فهو كاذب، فهو لا يأكل باسم الله ولا يطأ باسم الله.

ثم حتى يجد الإنسان الخشوع في الصلاة لا بد أن يقرأ شيئاً من تفسير الفاتحة، فيعرف معنى الرحمن الرحيم، ولماذا يقول الحمد لله رب العالمين ولا يقول الشكر لله، وكذلك عليه أن يعرف معنى الأذكار التي يقولها.

رابعاً: على المصلي أن يخرج من الروتين أن لا يبقى يقرأ الآيات هي هي، فالناس اليوم يصلون عادة لا عبادة، إلا من رحم الله، فيدخل في الصلاة ويكبر ويقرأ الفاتحة ويقرأ سورة لا يغيرها، ويركع ويقوم ويسجد والأذكار هي هي، لا يتحول عنها ثم يقول: السلام عليكم…. فبعض الناس يذكر كل شيء في صلاته إلا الله، وهذه صلاة لا تنفع من حيث الثمرة بأن تجعل الإنسان وقافاً عند حدود الله، بعيداً عن المنكر، وكثير من الناس الذين يعملون الحرام لو يفقهون صلاتهم لما بقوا على الحرام، الذي هم عليه، فأن يبقى ملابساً للحرام ومصلياً، هذا من الأشياء العجيبة جداً فالصلاة أصبحت تفعل صورة لا حقيقة فلا روح فيها، ولذا ما أثرت على حياة المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فمن أسباب الخشوع في الصلاة أن تغير الأذكار فدعاء الاستفتاح كان النبي يقول أكثر من دعاء، فغير الصورة، واقرأ من محفوظك الجديد للقرآن وفي الركوع اقرأ أذكار أخرى غير سبحان ربي العظيم، كذلك القيام والسجود فهناك أذكار مأثورة عن النبي حتى تخرج الصلاة عن العادة إلى العبادة وأن تبقى رابطاً بين قلبك وعقلك فتقرأ وتتدبر.

وقد قرر العلماء أن أثر تغيير الأذكار على القلب كأثر تغيير الطعام على البدن، فالبدن إن بقي يأكل ألذ المطعومات فمع الاستمرار لا يستلذ بها، وإن كانت لذيذة في نفسها، لذا كثير من الناس يقول: يا شيخ أول ما بدأت أصلي كنت أجد خشوعاً ثم زال هذا الخشوع. فما هو السبب؟

فالسبب أمران :

الأول: أن الله ألقى في قلبك حب الصلاة، فوجدت هذه اللذة في قلبك وأنت ما حافظت عليها.

والثاني: أن الصلاة عند بدئك بها لم تكن عادة عندك مألوفة، فألفتها على حال معين، واستمر هذا المألوف عندك، ومع كثرة هذه الألفة زالت لذتها وزال طعمها، فوالله لولا أن الأرض والسماء من المألفوات ما بقي رجل كافراً، فلأنهما من المألفوات زالت الآية وما أصبح الإنسان يستشعر أن الأرض والسماء آية من آيات الله عز وجل الكونية.

خامساً: ألا يأكل إلا حلالاً، حتى يجد الثمرة واستجابة الصلاة والدعاء، فيفهم قوله: سمع الله لمن حمد، ربنا ولك الحمد ، فقررت أن الله يسمع ممن يحمد وقد حمدت فالله يسمع لك، فتخر ساجداً فتسأل والله يسمع ويستجيب.

سادساً: أنت تكون في أذل حال بين يدي الله فينبغي أن تستشعر هذه الذلة ولما سئل الإمام أحمد عن قبض اليمين على اليسار في الصلاة قال (ذل في مقام رفعة)، فأنت ذليل بين يدي الله تقبض يديك، وهذا موطن ذل لا يجوز إلا لله ،فاعرف هذا المعنى وحافظ عليه.

هذه بعض المعاني التي تعين على الخشوع في الصلاة، ويبقى الخشوع هبة من الله عز وجل، فأحياناً الإنسان يكون مشغولاً جداً فيشعر بالخشوع وأحياناً يكون فارغاً جداً ولا يجد الخشوع، فاسأل ربك دائماً أن يرزقك الخشوع في الصلاة.

والخشوع والسكينة التي يتحصل عليها المسلم في صلاته لذة وسعادة وملك، كما قال ابراهيم بن أدهم، وردده العز بن عبد السلام، قال (يعيش العباد في لذة عباداتهم لو يعلمها الملوك لجالدوهم عليها بالسيوف)، نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم الخشوع في الصلاة وأن يجعل الصلاة قرة أعيننا فكان النبي إذا أهمه أمر فزع إلى الصلاة، فبوقوفك في ركعتين بين يدي الله يزول كل هم وغم، ومن يقدر على هذا إلا من يجد الخشوع، رزقنا الله وإياكم الخشوع.

  1. قال ابن القيم في كتابه الداء والدواء: ص: 84-85

وهاهنا نكتة دقيقة يغلط فيها الناس في أمر الذنب، وهي: أنهم لا يرون تأثيره في الحال، وقد يتأخر تأثيره فينسى، فيظن العبد أنه لا يغبر بعد ذلك ، وأن الأمر كما قال القائل: إذا لم يُغبَّر حائطٌ في وقوعه فليس له بعد الوقوع غُبار.

  1. ويقول ابن القيم رحمه الله: فإن الله إذا أراد بعبد خيرا سلب رؤية أعماله الحسنة من قلبه، والإخبار بها من لسانه، وشغله برؤية ذنبه فلا يزال نصب عينيه حتى يدخل الجنة. فإن ما تقبل من الأعمال رفع من القلب رؤيته ومن اللسان ذكره. أسأل الله أن يتقبل منا.

ما هي نصيحتكم لمن يتصل عبر الهاتف بالعلماء وطلبة العلم؟ الشيخ مشهور حسن ال سلمان

الجواب: جزى الله السائل خيراً، فإن في النفس كلاماً في هذا الموضوع أحب أن أذكر إخواني به، فيا أخي؛ بارك الله فيك وزادك حرصاً إن رفعت السماعة وسألت فشكر الله لك وبارك فيك، ولا يفعل ذلك إلا حريص يريد أن يعرف حكم الله عز وجل في مسألة.

لكن ينبغي لمن يفعل ذلك أن يتأدب بآداب، وينبغي أن يراعي أشياء؛

فأولاً: عليه أن يعلم أنه ليس الوحيد الذي يتصل، فإنه قد يتصل مئة غيره،

الأمر الثاني: ينبغي أن يسأل عن الشيء الذي لا يقبل التأجيل وأن يعلم أن الهاتف هو لقضاء غرض على أسرع وجه فليس الهاتف موطن الجواب المفصل والمدلل، وما ينبغي للعالم وطالب العلم أن يذكر على الهاتف الشبه وكيف ترد وكيف تناقش، فعلى الهاتف يطلب الجواب فقط، من أجل أن يقضي حاجة وغرضاً عجلاً، وفيما بعد يستفصل، أما أن تصبح طالب علم على الهاتف فلا يجوز لك ذلك إلا أن تطلب موعداً مسبقاً وأن يحول أمر دونك ودون العالم أو طالب العلم، كمن يكون خارج البلاد، لكن أن تطلب محاضرة وأنت تعلم أن هناك مئة غيرك يتصلون فمسكين طالب العلم هذا، على من يجيب ومع من يتكلم؟ فلا يستطيع أن يتكلم، فالهاتف من أجل قضاء الغرض الذي لا يقبل التأجيل.

والثالث: ينبي للسائل أن يعلم أن وقت المسؤول ثمين فالوقت نفيس، فوالذي نفسي بيده لو أن الوقت يباع لبعت بيتي واشتريت وقتاً وكما قال الحسن: ((يا بن آدم، إنما أنت أيام فإذا مضي يوم مات بعضك))، فبعض الأخوة يسألون ويكونون أمام عوام فتجيبهم، فيقول لك: لو سمحت؛ قنع فلان، ثم قنع فلان، فما هذا؟ فالمسؤول ليس مسجل يبقى يعيد، فأنت يا طالب العلم تسأل ولا تطلب أن تخاطب العامة، وبعد أن تضع الهاتف اشرح لهم أنت واحلم عليهم.

والرابع: ينبغي للسائل أن يعلم أن الهاتف ليس للإجابة على مسائل الأمة العامة، فالمسائل القلقة، لا يسأل عنها على الهاتف.

والخامس: ما ينبغي أن تقضى مسابقات الناس على الهاتف فبعض الناس يسأل عن المسابقات لينال الجوائز، وطلبة العلم أوقاتهم أنفس من هذا.

والسادس: ينبغي لطالب إن سأل أن يبدأ بـ : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بارك الله فيكم يا شيخنا سؤالي كذا وكذا، فيسأل السؤال بأقصر عبارة ومن غير أن يقص قصة، فقد يقص الإنسان قصة عشر دقائق ثم يسأل السؤال، فأقول دعك من القصص، وقل سؤالك مباشرة، من غير ذكر التفصيل، ودعك من الأسئلة التي لا معنى لها، والأسئلة التي فيها إثارة وضجة، ولا ينبني عليها عمل، وإن حقك أن تأخذ الحكم الشرعي فيها لكن بتأصيل وتفصيل ليس عبر الهاتف.

والسابع: إن كان عند البعض أسئلة كثيرة، ويصعب عليه إلا أن يسألها على الهاتف فينبغي أن يشرح للمسؤول ذلك، ويقول له: يا فلان عندي مجموعة من الأسئلة أريد منك وقتاً تحدده لي حتى ألقي عليك هذه الأسئلة.

والثامن: يقبح بالسائل أن يضارب بين قول المسؤول وغيره، كأن يقول: يا شيخ سألنا فلان وفلان وقالوا كذا وأنت ماذا تقول؟ فهذا امتحان ليس بحسن لكن إن استشكل عليه شيء فاسأل عنه من غير أن تقول : فلان قال كذا.

والتاسع: من أسوأ الأشياء أن يسجل لطالب العلم فتوى دون أن يستأذن، فهذه خيانة فينبغي إن أردت أن تسجل أن تستأذن، فالكلام الذي يسجل ليس كالكلام الذي يلقى عبر الخاطر.

والعاشر: ينبغي أن نراعي وقت السؤال فإن طرأت عليك مسألة في منتصف الليل مثلاً وتريد أن تسأل عنها فهذا ليس بحسن، ثم إن اتصلت مرة ومرتين وما أجابك فلا تلح كثيراً، فلعله مشغول، فلطالب العلم لبدنه حق، ولزوجه حق، ولأبناءه حق، ولعلمه وأبحاثه حق، وللناس حق، نعم أن طالب العلم ليس ملكاً لنفسه ولا لأهله، وأولاده، وإنما كل صادق وطالب علم له فيه نصيب، ويجب عليه أن يعطى هذا النصيب له، لكن بترتيب وبعدم تشويش وتداخل الحقوق، وإنما يعطي كل ذي حق حقه في الوقت الذي لا يقع فيه تضارب.

ثم مسائل الطلاق والقضاء وفصل الحقوق والميراث لا تصلح على الهاتف، ومخطئ من أفتى الناس بالطلاق على الهاتف كائن من كان، فأئمة الدنيا: ابن باز، الألباني، ابن عيثمين، رحمهم الله تعالى ما كانوا أبداً يفتون على الهاتف في الطلاق، وأنت لا تعرف السائل فلعله يلعب والطلاق قضاء، ومسائلة يحتاط فيها ولا يجوز لها الهاتف والعوام لا يضبطون ألفاظهم، والمفتي حتى يفتي فلاناً يحتاج إلى أن يتحايل عليه وأن يسأله أسئلة كثيرة، بصيغ مختلفة حتى يكيف ماذا قال، وهذا يصعب أن يقع على الهاتف ويحتاج إلى قرائن، فربما يحتاج أن يسمع من حاضر ماذا نطق والناس الآن في عصر الآلة، جفت مشاعرهم، وأصبحوا يريدون كل شيء على وجه السرعة، وهذا لا يصلح به الشرع.

فالهاتف له آداب يستخدم عند الحاجة، بمقدار الحاجة من غير تفصيل ومن غير إزعاج وفي وقت معين، وينبغي أن نراعي هذه الآداب، ووفق الله الجميع

فاللّهمَّ إيَّاك نعبد ولك نصلِّي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتَك ونخاف عذابك، ولا حول ولا قوة إلاَّ بك، فلا تكِلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقلَّ من ذلك، أنت ربُّ العالمين وإله الأولين والآخرين، لا إله إلاَّ أنت نستغفرك ونتوب إليك.

أين جيراني

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “إِنَّ اللهَ لَيُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ جِيرَانِي، أَيْنَ جِيرَانِي؟ قَالَ: فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: رَبَّنَا! وَمَنْ يَنْبَغِيَ أَنْ يُجَاوِرَكَ؟ فَيَقُولُ: أَيْنَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ؟”1.

أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده” ( 16 / 1 ) وصححه الألباني في “السلسلة الصحيحة” ( 6 / 512 ).

وعمار المساجد هنا هم الذين يحافظون على الصلوات وذكر الله وطلب العلم فيها. ومن صورعمارة السلف للمساجد:  قال ابن جريج: كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة، وكان من أحسن الناس صلاة. وقال سعيد بن المسيب: ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد. وقال ربيعة بن زيد: ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضا أو مسافرا. وقال يحيى بن معين: لم يفت الزوال في المسجد يحيى بن سعيد أربعين سنة.

1 أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده” ( 16 / 1 ) وصححه الألباني في “السلسلة الصحيحة” ( 6 / 512 ).