الاستقامة 1

درس الإستقامة 1

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،

أما بعد، فيقول الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: فاستقم كما أمرت ومن تاب معك، ولا تطغوا، إنه بما تعملون بصير، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:شيبتني هود وأخواتهاقال العلامة ابن القيم رحمه الله: من بين الآيات التي شيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوله تعالى:”فاستقم كما أمرت ومن تاب معك،ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير، وقد أمر الله عزوجل نبيه بالاستقامة، وأمر أمته بالاستقامة، فقال الله عزوجل: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون ، الذي يدقق في الآيتين يجد أشياء مهمة فينبغي أن نستخرج الكنوز من هاتين الآيتين لنعلم أهمية الإستقامة. من المقرر عند أهل العلم أن الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم أمر لأمته، وأن الأمر لأمته أمر لنبيه صلى الله عليه وسلم، وإذا كان هناك أمر خاص به صلى الله عليه وسلم فيحتاج إلى قرينة كقوله تعالى :خالصة لك من دون المؤمنين“.

فجاء الأمر للإستقامة لنبيه صلى الله عليه وسلم وجاء معه ومن تاب معك ومن تاب، فاستقم كما أمرت ومن تاب، جاء الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لعظمه وشرفه ولا يقدر على الاستقامة من أمته إلا من كان كثير التوبة، لأن مقام الاستقامة مقام رفيع، فلا يقدر عليه إلا الأنبياء والأولياء، وكلما حاول ارتقاء هذا المقام السالكون فإنهم مضطرون حتى لا ينقطعوا عن هذا المقام إلى التوبة، ولذا لما جاء الخطاب فيه الأمر لأمته صلى الله عليه وسلم بقوله:”فاستقيموا إليه، قال الله بعدها مباشرة:” واستغفروه، فقوله : واستغفروه بعدفاستقيموا إليه، تساوي قوله ومن تاب معك، فكأن الاستقامة مكان يتبوء فيه الأنبياء ولا يستطيع أحد أن يلحقهم، ومع أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء بل أفضل الرسل بل أفضل أولي العزم من بينهم، إلا أن وصوله إليه حتى تبوّأ هذا المقام قد شيبه، قد شاب وتعب لما وصل هذا المقام (شيبتني هود وأخواتها) فكلا الموطنين فيه ذكر لتوبة واستغفار، ومن تاب معك، فاستقيموا إليه واستغفروه، ثم جاء وويل للمشركين، فالمشركون هم الذين تنكبوا طريق الاستقامة بالكلية، ولذا هم مدعوون إلى الصراط المستقيم، قال الله لنبيه :”وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، فجعل الله تعالى دينه صراط مستقيم.

فالدين كله هو الاستقامة وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، فدين الله عزوجل الاستقامة على أمره، كما قال الله عزوجل لنبيه: فاستقم كما أمرت ولا تتبع أهوائهم، وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم، الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير، دلت الآية أيضاً على أن الاستقامة هي دين الله، فاستقم كما أمرت مرة أخرى، تأمل معي مرة أخرى لنستفيد أمراً مهماً وليكون منهجاً لنا في حياتنا حتى نتنكب الغواية، الضلالة، نعود نتأمل السياق، فاستقم كما أمرت، ركز معي بارك الله فيك على قوله كما أمرت، وانظر إلى نظيرها في الآيه الثانية قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه، الاستقامة على توحيد صحيح، والاستقامة على وحي. دين الناس إلا من رحم ربي دين فكر وليس دين وحي، والدين الذي يحبه الله هو دين الوحي لا دين الفكر، حال الناس اليوم أنهم يفهمون دينهم بعقولهم لا بالأدلة الشرعية، لا يفهمون دين الله كما أمروا،فاستقم كما أمرت، فلا استقامة من غير علم، ولا استقامة من غير وحي، ولا استقامة من غير إخلاص، ولا استقامة من غير ثبات، ولا استقامة مع الاستجابة لنزغات الشيطان ولطغيان العقل والرأي، فالعقل ولَّاه الشرع ثم عزله.

فالشرع لم يكلف إلا العاقل، إلا أن العقل إن جاء مقابل النقل فهو معزول، فالشرع قاض والعقل شاهد، ويجوز للقاضي أن يطرد الشاهد متى شاء، الشرع هو القاضي، والعقل هو الشاهد، ومتى رأى القاضي الشاهد يروغ فإنه يطرده، ولذا كان عمر رضي الله عنه يقول:”استقاموا على فعل الأوامر وتركوا النواهي ولم يروغوا روغان الثعلب، لم يروغوا روغان الثعلب. لم يتحايلوا على الشريعة، كان أبو بكر يقول: استقاموا على لا إله إلا الله، فجميع الأوامر وترك النواهي هي من مقتضيات لا إله إلا الله، كان عثمان رضي الله عنه يقول: استقاموا أي أخلصوا لله، فالاستقامة خلق مركب من خصال سامية عالية، الاستقامة مركبة من :أولاً الإخلاص وقبل الإخلاص التوحيد الصحيح، لذا إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقامواوردت مرتين في القرآن، فالاستقامة نابعة من من توحيد صحيح مركبة من إخلاص وثبات وعلم وعمل وثبات على العمل، هذه هي الاستقامة ولذا الشيطان قال في الآية: بما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين، الشيطان يأتيك من بين يديك، ويأتيك عن يمينك وعن يسارك ومن خلفك ولم يبق لك إلا الله، أنت ضعيف وخلق الإنسان ضعيفاً

والشيطان ضعيف إن كيد الشيطان كان ضعيفا، ومن الذي يغلب؟ الذي يستنجد بالقوي، خصمان يتصارعان على حلبة من الذي يغلب؟ الذي يستنجد بالقوي، إن الشيطان قاعد لك، أين؟ قال لأقعدن، اللام هذه للتأكيد، والنون المثقلة للتأكيد، ولم يقل لأجلسن وإنما قال لأقعدن، والفرق بين القعود والجلوس، أن القعود فيه تمكُّن، جلسة فيها تمكن، الجالس قد يكون متمكن وقد يكون غير متمكن، فإن جلس جلوس المتمكن أصبح الجلوس قعوداً، الميت لما يأتيه ملكان، ماذا قال النبي؟قال:” فيقعدانه، يمكن قول من قال أن الجلوس يكون من قيام، و أن القعود يكون من نوم، قال لأقعدن لهم صراطك المستقيم، أخرج الإمام النسائي في في الكبرى بإسناد صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” قعد الشيطان لابن آدم بأطرقه كلها، قعد له في طريق الإسلام وقال أتترك دين آبائك وأجدادك وتسلم، قال:فعصاه فأسلم، وقعد له في طريق الهجرة وقال له: أتترك بلادك وتهاجر، قال:فعصاه و هاجر، قال: وقعد له في طريق الجهاد وقال: أتقاتل وتنكح امرأتك ويقسَم مالك من بعدك، قال:فعصاه وجاهد، قال النبي صلى الله عليه وسلم:” كان حقاً على الله من فعل ذلك أدخله الجنة. إذاً الاستقامة من مستلزماتها البعد عن نزغات الشيطان، فالشيطان هو الذي يقعد في طريق الاستقامة وهو الذي يحول دون العبد، ودون طريق الاستقامة.

الذي يتأمل الآية، الشيطان يفتح أبواب خير على العبد ليصده عن خير هو أعظم منه، ويطمع، ولا سيَّما من الصالحين بشيء من شر ليجرهم إلى شر هو أكبر منه، لذا ابن القيم له نصيحة غالية تستحق والله رحلة يقول:”إذا عزمت على فعل من أفعال الطاعات، ثم جائتك وسوسة، فاحفظ الوسوسة واثبت على ما بدأت به، ولا تتزحزح عنه وابق فيه، ثم بعد أن تفرغ منه افعل ما خطر في بالك، قال فإن فعلت فإن مثل هذه الوسوسة لا تعود إليك أبداً. المستقيم نوى فعل خير فجائته هواجس، هي وساوس الشيطان يريد أن يصدك عنها، احفظ الهواجس، ابق في الخير لا تتزحزح عنه، لما تفرغ من عمل الخير، ارجع للهاجس وافعله، إن فعلت كنت فقيهاً، واستطعت أن تحارب الشيطان بفقه وعلم، لا يحارب الشيطان إلا بالشرع، لا يحارب الشيطان بالعقل ولا بالذوق، مثل ذاك الأبله لما ذكر ابن الجوزي في كتابه أخبار الحمقى والمجانين، قال :كان هناك رجل عابد في بغداد، وبغداد بلاد حارة, كان يأكل الملح يوم قائظ شديد الحراة فيعطش فيشرب الماء، فمر به رجل (عاكف أو عاطف) قال: ماذا تفعل؟ قال آكل الملح ولا أسمي فيأكل الشيطان معي فأعطش وأسمي فلا يشرب شيطاني معي، فأريد أن أقتل شيطاني عطشاً ، هذا أحمق هذا أبله ليس هكذا يحارب الشيطان، الشيطان يحارب بالاستقامة، الشيطان يحارب بأن تستقيم على أمر الله.

هو يقول: الله أخبرنا عنه، قال:”لأقعدن ثم لآتينهم، سيأتيك، سيأتيك بصورة الودود، الناصح، سيأتيك بصورة الذي إن فعلت خيراً سيفتح لك باب خير هو أحسن منه. أنت تريد قراءة قرآن لك رحم مريض زره، ابق اقرأ قرآن ثم اذهب زره، لا يعود إن عاملته هكذا، لا يعود أبداً، لا يمكن أن يعود، إذاً الاستقامة .

يقول الإمام الترماني رحمه الله في شرح البخاري، يقول: حقيقة الاستقامة لا يطيقها إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأكابر الأولياء، لأنها الخروج من المعهودات ومفارقة الرسوم والعادات، ولأنها القيام بين يدي الحق على حقيقة الصدق، قال صلى الله عليه وسلم:”استقيموا ولن تحصوا، سددوا وقاربوا واعلموا أن أحدكم لن يدخل الجنة بعمله، قالوا : ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل، استقيموا ولن تحصوا، لن تستطيعوا الاستقامة إلا بالتوبة استقم كما أمرت ومن تاب،استقيموا إليه واستغفروا، لن تحصوا، لكن سدد وقارب، إذا حملت السهم و أردت أن ترمي، اجعل رميك سديداً، اجعله مصيباً للهدف، فإن لم يصب الهدف فسدد حوله، وقارب حوله، سددوا وقاربوا، إذا كان إصابة عين الهدف أمر عسر وهي الاستقامة فلا أقل من أن تحوم حول الاستقامة، أن تكون رجَّاعاً كثير الإستغفار، كثير التوبة، التوبة مفهوم مشوه عند كثير من الخلق .

الناس يظنون أن التوبة لا تكون إلا بفعل المعصية، لا يا أخواني، التوبة أوجب في الشرع من ترك المحذور، من ترك المأمور، عندنا أوامر ونواهي في شرعنا، ترك المأمور أعظم عند الله من فعل المحظور، آدم عليه السلام نهاه الله عن المحذور وإبليس أمره الله بمأمور، وإبليس ترك المأمور، وآدم فعل المحذور، وكان مآل إبليس قبيحاً، كان خالداً مخلداً في النار، وكان مآل آدم أن تلقى من ربه كلمات فتاب عليه، فأمر الذي يفعل المحذور أيسر بكثير ممن يترك المأمور، فالذي يترك المأمور هو المجرم عند الله، إثم الذي يترك المأمور أشد من الذي يفعل المحذور.التوبة بحق من يترك المأمور ألزم وأوجب في عرف الشرع من التوبة في حق من يفعل المحذور. لو عندنا رجل يسرق أو يزني أو يرابي هذه كلها محاذر، وعندنا رجل تارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا أعظم من ذاك، تارك في طلب العلم، هذا أعظم من ذاك، تارك قراءة القرآن وزر هذا أعظم من ذاك، هذا في حقه في التوبة أوجبيا من لا تقرأ القرآن، يا من لا تتدبر القرآن، يا من لا تطلب العلم، يا من لا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، التوبة في حقك أوجب ممن يشرب الخمر ويرابي، هذا مفاهيم مشوهة عندنا، لشيخ الإسلام رسالة مطبوعة أكثر من مرة اسمها التوبة، يقرر فيها أن التوبة تكون من كل عائق يعيق عن الله عزوجل، حتى الغفلة تجب لها التوبة.

النبي صلى الله عليه وسلم كان في المجلس الواحد يستغفر الله ويتوب إليه سبعين مرة، وكان يقول إنه ليران على قلبي، النبي صلى الله عليه وسلم كلما مضى به زمن ارتقى حاله مع ربه فلما يرتقي حاله يستغفر الحال الذي كان عليه، يعني اليوم النبي صلى الله عليه وسلم أحسن من أمس، فاليوم استغفر سبعين مرة عن أمس وغداً أحسن من اليوم، فغداً يستغفر سبعين مرة عن حال اليوم، فإذاً التوبة لا تكون فقط من فعل ذنب، اليوم الناس يفعل الواحد منهم الكبيرة وكأنه لا يفعل شيئاً، يفعل والعياذ بالله تعالى الزنى، يزني مرات وكرات، كما يقول نبينا صلى الله عليه وسلم:”درهم ربا شر من ست وثلاثين زنية، وكأنه لا يفعل شيء ولا حول ولا قوة إلا بالله، فالاستقامة من مقتضياتها التوبة، حتى تستقيم لابد أن نتخلى وبعد أن نتخلى نتحلى، لابد أن نتخلى من ماذا؟ من القاذورات، من الأوساخ، من الذنوب، وبعدها نتحلى بالطات وبالتوحيد، ونتحلى بالخيرات، حقيقة الاستقامة تنافي الطغيان، فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا، فالمستقيم لا يطغى، والطغيان مجاوزة الحد، فالاستقامة تكون في (الملتقدات أو المعتقدات) في جميع الأبواب، الاستقامة في الأسماء والصفات لا تعطيل ولا تشويه، الاستقامة في باب القدر، لا قدر ولا جبر، الاستقامة في أحوال القلوب، تكون بين الخوف والرجاء.

لا خوف فقط كالحرورية والخوارج، لا رجاء فقط كالمرجئة، وإنما الاستقامة سواء في باب المعتقد أو في باب السلوك، يكون فيه عدم مجاوزة الحد. الشيطان ولا سيما في حق الشباب لما يراه صاحب قوة وهمة فيجعله يغلو فيتجاوز الحد زيادة، وهذا التجاوز هو في حقيقة أمره خروج عن حد الاستقامة، فلما أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ومن معه بالاستقامة قال:ولا تطغوا، يقول الامام القرطبي أبو العباس شيخ صاحب التفسير في شرحه على صحيح مسلم المفهم يقول: الاستقامة أصل معناها في اللغة الاستمرار على جهة واحدة لا تأخذ لا يمين ولا شمال، لا فوق ولا تحت. هذا هو الاستقامة لا طغيان في الهمة، الاستقامة ليس على الهوى والتشهي، الاستقامة كما أمرت، أن تدور مع أحكام الشريعة، في أمر؟ في كل أمر، الشريعة غنية، ما تركت شيء ينفعنا في ديننا ودنيانا إلا وبينته لنا حتى في الأحداث الجسام والأحداث الصغار، الأحداث على مستوى الأفردا، والأحداث التي على مستوى الشعوب، ما ترك شريعتنا شيئاً إلا وبينته لنا، يقول الإمام ابن القيم: استقم كلمة جامعة في كل ما يتعلق في الأعمال والعقائد، الاستقامة تبدأ بالمعتقد، أن تكون مستقيماً على معتقد أهل السنة والجماعة وأن تكون مستقيماً على الأعمال وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد {اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة} كما يقول ابن مسعود. الاستقامة في العمل والاستقامة في المعتقد والاستقامة هي السداد والإصابة في النيات، أن تكون نيتك لله في العمل، وفي الأقوال و الأعمال، فالاستقامة لابد فيها من عمل وعلم وإخلاص وثبات هذه الاستقامة، معنى الاستقامة نابعة من العقيدة، الذي يقرأ القرآن تجد في الآية الواحدة حكم فقه وخلق تربوي ومع هذا وذاك في كل آية حتى في آيات الأحكام تجد فيها ذكر لأسماء الله وصفاته، فالعقيدة والأحكام الفقهية والأخلاق كلها وحدة واحدة، لم يفرق القرآن بينها، والعلماء إنما بوبوها من باب التصنيف ومن باب التعليم فالاستقامة نابعة من معتقد، الاستقامة تكون فيها إخلاص، يكون فيها عمل، العمل يكون وفق علم، والعلم مأخوذ من الوحي، ويكون فيها أيضاً ثبات، إذاً الاستقامة أمرها ليس بسهل، أنظر إلى دين الناس اليوم، جلَّ دين الناس اليوم ليس قائماً على وحي، الواحد إن سئل سؤالاً فإن طالبته بدليل قام وقعد، وصاح وأرعد وأزبد، وهو لا يعلم أنك إن سألت أنت تسأل عن دينك، وسؤالك عن دينك يقتضي ماذا؟ بيان الدليل فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، الناس تحفظ هذه الآية إلى هنا وتتمة الآية فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر.

اسألوهم بالبينات والزبر، اسألوهم بالحجج والبراهين، فأنا لا أطيع العالم للبسه ولا للحيته ولا لوظيفته ولا لمرتبته، إنما أنا أطيعه في بيانه وحجته ودليله وتقعيده وتأصيله وعلمه، لهذا يطاع العالم، فالاستقامة تكون في الوحي فاستقم كما أمرت ، قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا الاستقامة لا يمكن أن تكون بمعتقد فاسد، لا يمكن أن تكون الاستقامة من غير وحي، الاستقامة تكون من وحي، انظر مثلاً ما يخص أحداثنا الجسام هذه الأيام، ولعلي أطيل عليكم حتى أوفي الموضوع ولكن أنتم كرماء فلعلكم تحلمون عليَّ وتصبرون علي وأرجو الله عزوجل أن ينفعنا بهذا المجلس ويجعل لهذا المجلس أثراً في حياتنا، وأثراً في منهجنا وفي سلوكنا وطريقة تفكيرنا. انظر إلى ما يجري من الأحداث اليومأحداث بلاد جيراننا، لو أردنا أن نقومه تقويماً شرعياً صحيحاً نجد عجباً إذا فزعنا للوحي نخاف ونجد عجباًالكلام طويل وأجتزم على ما يلزم فأقول وبه سبحانه أصول وأجول أخرج مسلم في صحيحه بسنده إلى سهيل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:”قال رسول الله صلى الله عليه وسلممنعت العراق قفيزها ودينارها، ومنعت الشام مُديَها ودينارها، ومنعت مصر اردَبَّها ودينارها، وعدتم كما بدأتم، وعدتم كما بدأتم، وعدتم كما بدأتم، شهد على ذلك لحم أبو هريرة ودمه.

علمائنا رحمهم الله لا يعلمون الغيب مع الإجلال لهم ونحن لسنا أمامهم كما يقول أبو العمرو ابن العلاء :”إلا كبقل أمام (نخال)طوال، حالنا مع العلماء السابقين كالذرة مع الجبل، وكالأرنب مع الجمل، حالنا معهم رحمهم الله، إلا أن فهمهم محصور في بيئتهم وفي الزمن الذي عاشوا فيه، قالوا منعت العراق ثم منعت الشام ثم منعت مصر، قالوا هذا فيه كناية على أن هذه البلاد سيفتحها المسلمون، وأن المسلمين سيمنعون خيراتها ولا يأخذها أهلها، وإنما سيأخذها المسلمون، هذا كلام الإمام البيهقي في الدلائل، وكلام جل شراح صحيح مسلم، وهذا الكلام في الحقيقة ليس بصحيح، والأحداث التي تجري اليوم تفسر هذا الحديث، والأيام القابلة ستفسره أكثر وأكثر، لماذا هذا التفسير ليس بصحيح؟ تفسير ليس بصحيح لأدلة، الدليل الأول أن أبا هريرة بعد أن ذكر هذا الحديث، قال وقوله من المرفوع لما ذكر أن مصر منعت خيراتها أهلها وأن الشام ستمنع خيراتها أهلها وأن مصر بعد الشام ستمنع خيراتها أهلها، قال وعدتم كما بدأتم، ما معنى عدتم كما بدأتم؟ يكون هذا في وقت الغربة بدأ الدين غريباً وسيعود غريباً، ولما فتح المسلمون الشام ومصر في عهد أبي بكر وفتحوا العراق في عهد عمر، فلم يكون الدين غريباً، كان الدين ظاهراً، كان الدين قوياً، النبي بعدما ذكر أن مصر ستمنع خيراتها المسلمون سيمنعون الخيرات وسيأخذها الكفار، من هم الكفار؟ اسمع معي وهذا الدليل الثاني

أخرج الإمام مسلم في صحيحه أيضاً بسنده إلى جرير عن أبي نضرة عن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنه:”يوشك أن لا يجيء إلى مصر قفيز ولا دينار، قيل لجابر: قيل من قبل من؟ من الذي سيمنع العراق الخيرات، خيرات بلادهم، من قبل من؟ قال: من قبل العجم هم أقوام أمشاج، من حيث النسبخليط في النسب، لا يجمعهم إلا لسان أعجمي، عروقهم ونسبهم مختلف، قيل لجابر من قبل من؟ قال من قبل العجم، ثم قال جابر: ومنعت الشام مديها ودينارها، قيل لجابر: من قبل من؟ من الذي يمنع الشام وأهل الشام خيرات أهل الشام ومسلموا الشام، الخيرات في البلاد، قال: الروم ، جابر فرق بين القومين، في العراق الذي يمنعون من؟ عجم، وفي الشام الذين يمنعون الرومالروم ابن عيص ابن اسحاق، هم أهل النسب، قوم يجمعهم نسب، هم من أولاد اسحق، الجنس الأوروبي، ثم قال جابر، تأمل قوله بعد أن قال: يوشك أن تمنع الشام مديها ودينارها، قال جابر رضي الله عنه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:”يوشك أن يكون في آخر الزمان إمام يحثي المال حثيا ولا يعده عدا قيل لأبي نضرة ولأبي العلاء وكلاهما ممن روى الحديث عن جابر عقب هذه المقولة كما في صحيح مسلم قيل لأبي العالية ولأبي نضرة:أيعني رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن عبدالعزيز, يوشك أن يأتي إمام يحثي المال حثياً ولا يعده عدا، قال لا هذا ليس عمر بن عبدالعزيز هذا في آخر الزمان هذا المهدي، فلما ذكر النبي المهدي وذكر قبله أن العراق ستحاصر وأن خيرات العراق سيحرمها أهلها وبعد العراق الدور على من؟ على الشام.

السني على بغضه لأصحاب المعتقدات الكافرة الباطنية النصيرية كفرة إلا أنه يستضيء بالوحي ويخاف، أنا لا أسقط ولا أقول أن المراد هذا، لكن السني طالب العلم صاحب الاستقامة عنده من الوحي ما يكفيه ويغنيه ويجعله يحذر ويخاف، ولو أن الناس كلهم أهل الاستقامة لتدخل المسملون بأسرهم ومنعوا بالقوة أعداء الله مهما كانت ألوانهم لإنقاذ إخوانهم، لو كان الناس أهل استقامة لما بقينا جالسين في هذا المجلس لجهدنا في أن ننصر إخواننا؛ مخافة أن تكتمل دائرة المؤامرة، فتتعدى إخواننا المقيمون هناك الآن فتشمل الأمة كلها، والجرح يصبح عميقاً، والأحداث في ظاهر الحال ومن خلال ما بين أيدينا من أمور وما نسمع من تطلعات، الظاهر أن الأحداث مؤلمة وأنها باقية ممتدة، وأن لها صلة بمصر ولا حول ولا قوة إلا بالله. كيف يتم ذلك؟ كيف يجري ذلك؟ كيف(ترسم)الأحداث؟ علم ذلك عند ربي في كتاب،إلا أن هذا الكلام من الوحي، الذي يقرأ ويتدبر هذا الحديث يعلم علم اليقين أن المراد به ليس ما قاله شراح من أن الأمر حصل لما افتتح المسلمون العراق والشام ومصر ليس ذلك المراد وإنما هو ما ننتظر.

الشاهد أن الاستقامة لا تكون إلا بوحيهم، القلب لا يستقيم إلا بالوحي، القلب الغذاء الفاسد له الذي ينبع من العقل، والذي يجعل العقل والمنام والرأي والعادة والعرف والسياسة هي غذاء العقل، القلب السليم، ثم قال الله عزوجل:”يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، القلب السليم هو المليء بالتوحيد السليم من الشرك، المليء بالطاعة، السليم من المعصية، الملي بالسنة، السليم من البدعة، هذا هو القلب السليم.

إخواني الاستقامة درجات، تبدأ الاستقامة باستقامة الملك، والملك الذي يأمر إنما هو القلب، فإن استقام القلب استقامت الجوارح،وإن فسد القلب فسدت الجوارح، أخرج أحمد في المسند عن أنس رضي الله عنه قال: لا يستقيم إيمان أحدكم حتى يستقيم قبله، ولا يستقيم قلبه حتى تستقيم جوارحه، إذاً الاستقامة من أين نبدأ؟ حتى يستقيم المعتقد لابد من استقامة القلب، فأول وأشرف وأعلى وأغلى درجة من درجات الاستقامة استقامة القلب، وفي هذا إشارة إلى أن الاستقامة هي حالة خفية، منزلة رفيعة عالية، وهي شيء يكمن داخل الإنسان، ثم تبدأ ثماره تتوالى، وتظهر في أقواله وأعماله، فالمستقيم كلما قربت منه رأيت خيراً ووجدت ثمرات وبركات، وغير المستقيم ولو كان ذا لحية كلما قربت منه وجدت شراً، الاستقامة حالة باطنية، تبدأ الاستقامة بالقلب، ولذا عند ابن ماجة البزار من حديث ثوبان رضي الله تعالى عنه قال :قال صلى الله عليه وسلم: يأتي أقوام يوم القيامة بحسنات مثل جبال تهامة، ثم تصبح هباءً منثورا، ما أكثر الحسنات هذه الأيام.

واحد أعطاه الله شيء من المال، وبارك الله، يطعم الفقراء والمساكين، يتصدق، يطعم الصائمين في رمضان، يذهب للحج والعمرة، كل رمضان يذهب للعمرة، يأتي بحسنات مثل جبال تهامة، لكن أعماله لا توازي استقامة قلبه، قلبه ليس مستقيماً بتلك الدرجة التي يحصل هذه الأعمال، انظر إلى حال هذا الصنف من الناس، يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم: يأتي أقوام يوم القيامة بحسنات مثل جبال تهامة، جبال ممتدة ضخمة، حسنات كثيرة، ثم تصبح هباءً منثورا، لما تحتاج الحسنات عند الله لتنجو فتوضع في ميزان حتى تثقل موازينك وتدخل الجنان تصبح هباءً منثورا، فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السبب قال: كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، الاستقامة ما كانت نابعة من القلب، القلب ما استقام، حصلت الحسنات الأموال لا القلوب، كثرة الحسنات أتت بها الأموال، والله أعلم الأموال تكون من الحلال أو الحرام. وفي صحيح البخاري يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى لا يبالي أحدكم أصاب المال من حلال أم من حرام، هذا ينافي الاستقامة، فالاستقامة درجات، فالدرجة الأولى للاستقامة: استقامة القلبالقلب السليم من الشرك، والسليم من البدعة، والسليم من المعصية، ثم استقامة الأعمال ثم استقامة اللسان يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يستقيم لسانكمالاستقامة سداد يصلح لكم أعمالكم وغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً، قل قولاً سديداً يستقيم لسانك.

في جامع الترمذي باسناد صحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما من يوم إلا وتكفر الأعضاء اللسان، أعضاء البدن في كل يوم تكفر اللسان فتقول له إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججناإذاً اللسان هذا خطير، فالاستقامة درجات، أعلى درجات الاستقامة استقامة القلب، النبي يقول: لا يستقيم إيمان أحدكم حتى يستقيم قلبه، ولن يستقيم قلبه حتى يستقيم عمله، والنبي صلى الله عليه وسلم أن الأعضاء تكفر اللسان، تقول له ان استقمت استقمنا، فعاد الأمر إلى اللسان، إلَيه يصعد الكلم الطيب والعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه في قراءة متواترة والعَمَلَ الصَّالِحَ يَرْفَعُهْ، من الذي يرفع العمل الصالح؟ القول…. قول اللسان وهذا يلتقي مع القراءة المتواترة والعَمَلَ الصَّالِحَ يَرْفَعُهْ، فإذاً هناك درجة من درجات الاستقامة للسان، لذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما أخرجه البخاري: وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً فتهوي به في جهنم سبعين خريفاً، وفي رواية مرعبة مخيفة يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم:”وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة لا يرى فيها بأساً، لو سألته ما حكم الكلمة؟ يقول ليس فيها شيء وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً فتهوي به في جهنم سبعين خريفاً، إذاً هذه الاستقامة أمرها ليس بسهل.

يبقى معنا محوران حول الاستقامة وهما مهمان، المحور الأول: أسباب الاستقامةكيف نفصل الاستقامة، والمحور الثاني: الثمار المترتبة على الاستقامة، من استقام ماذا له؟ وماذا يترتب على الاستقامة؟ هذان محوران أسأل الله أن يبارك في الوقت وأن يسعف في بيان هذا الأمر. علمنا أن الاستقامة نابعة من قلب سليم، وهي مركبة من عمل بإخلاص وعلم وثبات، ولذا من مستلزمات الاستقامة المعتقد الصحيح، فلا يمكن لعبد أن يكون مستقيماً وهو يحمل معتقداً مخالفاً لمعتقد أهل السنة والجماعة، ولا يمكن لعبد أن ينال الاستقامة دون أن يكون على هدى وعلم واتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن لعبد أن يكون على استقامة وهو مراء وليس في قلبه تقوى تحول دونه ودون الرياء والخوف منه، دلت على ذلك أحاديث وآثار (أجتزم ) لضيق المقام على ما أخرجه مسلم أن سفيان بن عبدالله الثقفي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أوصني، قال له النبي صلى الله عليه وسلم قل : ربي الله ثم استقم، وهذا يتوافق تماماً مع قوله تعالى: إن الذين قالو ربنا الله ثم استقاموا، فالاستقامة تكون على أن يكون الله ربكهو مربيك وهو المنعم عليك وهو سيدك وهو خالقك فلا تنزل حاجتك إلا به هو المالك السيد المربي المنعم إذا أنزلت بك حاجة لا تنزلها إلا بالله، الله حيٌّ لا يسبقه عدم، لا يلحقه فناء، قيوم على نفسه، قيوم على غيره، الناس كلهم حياتهم من الله، قيومتهم من الله، الذي يدبر شؤونهم هو الله، تريد أن تكون مستقيماً فاعلم أن(منية لك) إلى الله الحي القيوم، هو الصمد، ما معنى أن الله الصمد قل هو الله أحد، الله الصمد؟ قالوا الصمد الذي لا(جوف له) ما يعني؟ قالوا الصمد الذي لا يأكل ولا يشرب، ما يعني؟ الصمد الذي لا يحتاج إلى الخَلق و الخلق يحتاج له، الصمد هو الذي تصمد إليه حاجات الناس، إذا أردت أن تكون على استقامة، اعرف قدرك، اعرف قدر الخلق، ثم بعد ذلك اعلم ما هو خاص بربك فإياك أن تنسبه لغيره، أعظم الناس جرماً أن تشرك مع الله وهو خلقك، أن تنسب ما هو ليس إلا لله، أن تنسبه لغيره، أن يتعلق قلبك بالأسباب، مرضت، ابنه مرض، تأخذ الدواء، تذهب للطبيب، لا تعلق قلبك لا بالطبيب ولا بالدواء، الله الصمد، إسأل ربك عزوجل فالتوحيد الصحيح هو منبع الاستقامة، ثم بعد ذلك التقوى والإخلاص والعلم والاتباع، ولذا ثبت عند الدارمي في مقدمة عن إسماعيل الأزدي، أنه قال لعبدالله بن عباس: أوصني، فقال له عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: عليك بتقوى الله والاستقامة، اتبع ولا تبتدع، ما أجمل هذه الوصية، ما أجملها، وما أبلغها، يقول عبدالله بن عباس موصي الأزدي: عليك بتقوى الله والاستقامة، استقم واتبع ولا تبتدعالمبتدع ليس مستقيماً وإن أكثر من فعل الطاعات، ثم من أسباب الاستقامة، استغفار و توبة و أن ترى نفسك دائماً مقصراً، وأن تهضم نفسك ولا تغرك عباداتك، لما أنزل الله براءة عائشة من السماء بكت والقصة في البخاري وقالت: والله إن شأني في نفسي أحقر من أن ينزل الله في قرآن يتلى إلى يوم الدين وكل الذي أرجوه أن يري الله عزوجل نبيه في المنام فيبرئني، كل ما كانت ترجوه عائشة أن يرى النبي رؤية فيبرئها بهذه الرؤيا، قبح الله ولعن الله من يطعن في عائشة مع برائتها من السماء بالآيات الكثيرة المتوالية ومع هذا أغنتهم، قبحهم الله، لكن الله عالم لإنهم يتكلمون في عرض عائشة، عاقبهم الله، والعقاب من جنس العمل، فهتك أعراضهم إلى يوم الدين

قال الأستاذ علي الطنطاوي رحمه الله

إن الأمة الخاملة صَفٌّ من الأصفار، لكن إن بعث الله لها واحداً مؤمناً صادق الإيمان داعياً إلى الله، صار صف الأصفار مع الواحد مائة مليون، والتاريخ مليء بالشواهد على ما أقول.

فألقى على ألسنة شياطين الإنس منهم قبل الجن تحليل نكاح المتعة حتى تنتهك أعراضهم، حتى تكون المجازاة من نفس العمل، هم يتكلمون في عائشة فالله ألقى على ألسنة شياطين آياتهم زعموا تحليل نكاح المتعة فكان هتكاً لعرضهم، هذه عقوبة وانتقام من الله عزوجل لعائشة الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

فالاستقامة أن تهضم نفسك وأن تتقي ربك، وأن تكثر من الاستغفار وأن تفزع إلى الله بالدعاء، فكان من دعاء الحسن البصري: اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة، كان الحسن البصري يقول: اللهم أنت ربنا.. وهذا استجابة للآية: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، فكان يقول في دعائه: اللهم آنت ربنا فارزقنا الاستقامة، وأما النبي صلى الله عليه وسلم علمنا فكان من دعائه: اللهم ولي الإسلام وأهله ثبتنا عليه حتى نلقاك، وكان من دعائه: اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك، وكان من دعائه: اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإن أردت بنا وبقومنا فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، ومن أسباب الاستقامة المداومة على العمل وحمل النفس والثبات عليها، ولذا عائشة تقول: كان عمله صلى الله عليه وسلم ديمة، وكان صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته، ليس من منهج السلف الصالح أن تتحول وأن تتنقل، إن عملت عملاً صالحاً اثبت عليهكان عمله ديمة.

عجبي لا ينتهي ممن يكرهون ما يسمى بالروتين، عمله كان روتين، عمله كان عادة، كان إذا عمل عملاً أثبته، كان عمله ديمة في الطاعات، ولذا الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا كما في المتفق عليه: أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، فمن أسباب الاستقامة المداومةالثبات،

فلما حللنا الاستقامة وجدنا أن عنصر من عناصر الاستقامة الثبات، ولذا حمل النفس في الثبات على العمل والمداومة على العمل من أسباب الاستقامة، أسباب الاستقامة النية الصالحة قبل العمل، فالواحد من السلف كان يحب أن تكون له نية صالحة في قومته وقعدته وأكلته وشربته، فالنيات الصالحة تقلب العادات إلى عبادات، والنوايا الصالحة في تميز بين رتب العبادات، وبلا شك أن المداومة على العمل مع الإخلاص فهذا سبب من أسباب استجابة الدعاء، فعند الترمذي من سره أن يستجيب الله له في الشدائد فليكثر من الدعاء في الرخاء، إذا أحببت أن يستجيب الله لك في الشدة فأكثر من الدعاء في الرخاء، ابق اقرع الباب، ومن أكثر قرع الباب دخل، يقال اقرع الباب يرد مرة ومرتين وعشرة ثم ابق اقرع فالذي يكثر قرع الباب يدخل.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما أخرجه الإمام الترمذي: من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر من الدعاء في الرخاء، فلتكثر من الدعاء في الرخاء، هذا من أسباب الستقامة.

ومن أسباب الاستقامة مجالسة أهل الاستقامة ومعرفة أحوالهم وتراجمهم وأن تقرأ عن الزهاد وحياتهم، ونجد أن علمائنا هم رأس أهل الاستقامة، فربنا يقول: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون،نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعو، نزلاً من غفور رحيم، ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله، دعا إلى الله من أهل كرامته من الاستقامة، الإنسان الذي ليس عنده إستقامة وغير على الاستقامة فالخير ما يبقى بجنباته وإنما يتعدى إلى غيره فيكون ممن يدعوا إلى الله ويفخر بأنه من المسلمين، ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين، إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، من كرامات المستقيمين ونتائج الاستقامة وهي كثيرة، من بينها أن الملائكة تتنزل على المستقيمين، الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، وهم في سكرات الموت، وتبشرهم لا خوف عليكم فيما أنتم صائرون إليه، ولا تحزنون عما تركتم خلفكم فالله يحفظ ذريتك، ويحفظ أهلك، فالمستقيم يحفظ الله ذريته وأهله، فالمؤمن لما يدعو يقول: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا، تدعو للمعدومتدعو لولدك وولد ولدك، وولده إلى يوم الدين، فالمستقيم لا يحزن في ذريته، وهذا يلزم إن كان مستقيماً أن تكون ذريته كذلك من أهل الاستقامة، والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امريء بما كسب رهين، الذي يؤمن ويعمل صالحاً الله يرزقه من يعمل صالحاً قال: وما ألتناهم، ما أنقصناهم من عملهم من شيء، لإن ولدك وذريتك يعملون، الله لا ينقصك، وإنما عملهم في صحيفتك، فالمستقيم الله يكرمه بذرية مستقيمة. أظهر الديانة، أظهر التسنن وأظهر طلب العلم ولحية وثوب وأنت غير مستقيم تخذل في ولدك، تخذل في ذريتكتخذل لا تنال هذه الكرامة، هذه الكرامة الله عزوجل يخصها لأهل الاستقامة، لا خوف عليك فيما أنت مقدم عليه، لا تحزن أنا أتولاهم، أنت متجه مستقيم لا تحزن على ذريتك، أنا إن شاء الله أصلحهم، وأنا أكفيهم، وأنا أغنيهم، الاستقامة تجمع خيرات الدنيا الآخرة، وألّوا استقاموا على الطريقة لأستقيناهم ماءً غدقا، ماء غزيراً، ماءً كثيراً، ماءً هنيئاً، ماءً مريئاً، طبعاً الماء الذي تنبت عليه الزرع وإذا نبت الزرع صارت زراعة، صارت صناعة، صارت صناعة صارت تجارة، أصل الاقتصاد من أين؟ من الزراعة، وماذا يترتب على الزراعة؟ صناعة، وماذا يترتب على الصناعة؟ تجارة. لذا الأمة التي لا تزرع تقتل نفسها بنفسها، تأكل رأسها من حيث لا تشعر، أختم درسي والوقت ضاق بهذه المقولة احفظوها ورددوها واجعلوها ديدناً لمجالسكم:”من لم يأكل من فأسه فقراره من غير رأسه، احفظوها، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.