الخلاصة

الخلاصة: مهما كتبت الاقلام وانقدحت الاذهان وتأمل المتأملون وتكلم العلماء على اختلاف فنونهم واختصاصهم فكلامهم ناقص بالنسبة لما في القرآن بعامّة وما في الفاتحة بخاصّة، مطلوب منا اظهار فوائد وأمور حتى لو كانت جُمليّة كليّة. فقد ثبت بعض اسرار سورة الفاتحة وآثار هذه السورة بمفرداتها وآياتها على المُسلم في حياته، والاصل في الكتاب انه أنُزل للتدبر ويعيش الإنسان حياة طيبة في الدنيا والآخرة ويكون للأمة ذِكر بين الأمم “إنّا انزلنا إليكم كتابا فيه ذِكركم “. سورة الفاتحة سورة مظلومة يظلمها الناس ظُلما شديدا و من ظُلم الناس لها انهم لا يفهمون معانيها ولا يقفون على القدراللازم من أسرارها حتى يستقيم القلب في رحلته إلى الله والدار الآخرة .

سورة الفاتحة خرجت عن أسرارها في باطن ما أنزل الله بها من سُلطان ، فأصبح الناس في الأسواق إذا تبايعوا وأراد الواحد منهم أن يُأكد بيعته لغيره قرأ الفاتحة وإذا بنى بيتا أو اشترى سيارة قرأ عليها الفاتحة وإذا عَقَدَ عقد نكاح و زواج قرأ عليه الفاتحة، وإذا مات الميت قرأ عليه الفاتحة وهذه كلها الأصل فيها الا تُفعل لأن الأصل في العبادات كما تبين لنا أنها توقيفية، الميت وهو يُنازع عَلِم حاله، وانت بعد الحمد والثناء والتمجيد تقول “اهدنا الصراط المستقيم“، أنت تدعوا وتتبرأ من الشرك ومن الحَول والقوة .وهذا الذي مات قد قضى عليه الأمر وانتهى أمره لا مجال فهماً ولا عقلاً بقراءة الفاتحة على المقابر و على الأموات.

من يقرأ الفاتحة على الأموات لا يفهم شيئاً من الفاتحة، لذا ثَبُت عن النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم عند دخوله المقابر: ” سلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمُسلمات أنتم السابقون ونحن اللاحقون نسال الله لنا ولكم العفو والعافية “ فالزيارة لها امران:

• الأول: ان تُذكر نفسك انك ستموت .

• الثاني: الدعاء للأموات .

فلّما حصلت البركة والرسوم والألفاظ دون الحقائق والمعاني انتقلت الأشياء فوُضِعت في غير مكانها مثل الذي يُعلق المُصحف في سّيارته ويظُنّ ان يدفع شرا ويجلب خيرا وهو يقتحم المعاصي والمهالك ولكن النبي قال عليه الصلاة والسلام “احفظ الله يحفظك“ وقال عليه الصلاة والسلام: “إذا زخرفتم مساجدكم وحَليتم مصاحفكم فالدمار عليكم“، إذا انشغلتم ايها المسلمون للأشكال والمظاهر وتركتم حقائق الأشياء فالويل كُله عليكم .

سنُراجع المعنى المُجمل اي الوحدة الموضوعية لسورة الفاتحة يقول البقاعي في مصاعد النظر: مقصود سورة الفاتحة مُراقبة العباد لربهم فإن التزام اسم الله وحده في كل حركة وسكون داعي لذلك وعلى ذلك دلّت أسماؤها، وهكذا اسم كل سورة مُترجم عن مقصودها . اسماء السور توقيفية واسم السورة يُعينك على ان تقف على المُراد بها. فهذه السورة اسمها مع الفاتحة ام القرآن وام الكتاب والسبع المثاني والكنز والشافية والكافية والواقية والشفاء والرُقيا والحمد والشُكر والدعاء والصلاة فمدار هذه الاسماء كما ترى على امر خفيٍ كافٍ لكل مُراد وهو المُراقبة وكل شيء لا يُفتتح بها فلا يُعتدُ بها، فهي ام كل خير اساس كل معروف ولا يُعتد بها الاّ اذا ثُنّيت فكانت دائمة التكرار، وهي إثبات الحمد الذي هو الإحاطة بصفات الكمال والشكر وهو تعظيم المُنعِم وهي عين الدعاء والتوجه إلى المدعو والمُراقبة أعظم توجه وأعظم مجامع الصلاة وعلى قدر المقصود من كل سورة تكون عظمتها، ويُعرف ذلك بما ورد من فضلها ويُؤخذ من ذلك أسماؤها ويُدل على ذلك كثرتها، فلا سورة في القرآن أعظم من الفاتحة؛ لأنه لا مقصود أعظم من مقصودها. وهي جامعة لكل معاني القرآن، فمقصود القرآن تعريف الخلق بالمالك وبما يُرضيه، ومقصود الفاتحة غاية ذلك لكونها غاية له لكونها المُراقبة المذكورة المُستفادة من التزام ذِكره سبحانه وتعالى دون غيره ولم يُذكر غير الله في آيات الفاتحة. من يفهم الفاتحة يُحصّل درجة الإحسان. وقد اشتملت السورة الكريمة وهي سبع أيات على حمد الله وثناؤه وتمجيده، واشتملت على اسماء الله وصفاته التي هي توقيفية نُثبت ما أثبته الله لنفسه، واشتملت على ذكر المعاد وهو يوم الدين والتبرؤ من الشرك ومن الحول والقوة واخلاص العبادة لله، واشتملت أيضا أن تسأل ربك الصراط المستقيم وأنت في الصراط في تكرار الدعاء لحاجة العبد المتجددة للهداية وهذا يستلزم الثبات فلا تتأثر بضعف النفس ولا وسوسة الشيطان ولا تستجيب لشهوة ولا لشبهة؛ لذا أصول التوحيد موجودة في السورة ضمناً وأركان الايمان الستة الذي يتبين لنا بجلاء موجودة في السورة، فالمشي على الصراط المادي يوم القيامة المعلق فوق جهنّم وهو أدق من الشعرة وأحدّ من السيف ويوصل الى الجنّة هذه الصعوبة لا تقل في الصعوبة على المشي في الصراط المعنوي في هذه الحياة، فالناس يمشون على قدر أعمالهم، منهم من يمشي كالبرق ومنهم من يمشي كالخيل المُضمرة ومنهم من يمشي ركضاً ومنهم من يمشي مشياً ومنهم من يزحف زحفاً ومنهم من يكاد يقع ثم يقوم حتى يتجاوز، فمشي الناس على الصراط المعنوي يحتاج الى توفيق الله جل وعلا، واشتملت السورة على الترغيب في العلم النافع والعمل الصالح ليكونوا مع أهلها، والترهيب من الباطل ومسالك الباطل لئلا تُحشر مع سالكيها وهم المغضوب عليهم والضالين.

المقصد الكلي والوحدة الموضوعية من سورة الفاتحة: هو تعميق مراقبة الله للعبد، وسورة الفاتحة بمُجملها توصل العبد الى مرتبة الاحسان، فلا يمكن أن يستقيم حال العبد مع الله الّا بعد تحقيق معاني سورة الفاتحة.