قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة“، ومعنى من أحصاها: أي من حفظها وعمل بمقتضاها، تعلم أن الله سميع فلا تغتاب ولا تكذب ولا تفتري ولا تقل بهتاناً، تعلم أن الله بصير فتَغُضُّ بصرك، هذا العمل بمقتضى الأسماء، وليس في قوله صلى الله عليه وسلم حصر لأسماء الله وإنما أسماء الله أكثر من ذلك لما ثبت في قوله صلى الله عليه وسلم في دعاء تفريج الهم والحزن، والنبي يقول من سمع هذا الدعاء فليحفظه: “اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حكمك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك وأنزلته في كتابك أو علمته لأحد من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك“، الشاهد قوله صلى الله عليه وسلم أو استأثرت به في علم الغيب عندك ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم إن لله تسعة وتسعين اسماً هذا ليس للحصر، هذا العدد له مُتَعَلَّق، و مُتَعَلَّق هذا العدد من أحصاها دخل الجنة، فمتعلقها بالإحصاء، فلم يذكرها صلى الله عليه وسلم على وجه الحصر بحيث نقول ليس لله إلا هذه الأسماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” أو استأثرت به في علم الغيب عندك“، لكن لا يجوز لنا أن نستنبط من الأفعال الموجودة في الكتاب أو صحيح السنة أسماءً لله، أسماء الله توقيفية، أنت إذا نادى عليك رجل بغير اسمك لا ترد عليه، بعض الناس يسألون الله بغير أسمائه، مثلاً بعضهم يقول عن الله: يا ساتر، وهذا خطأ لم يثبت نص في الشرع بأن الله ساتر، يقول: يا ساتريا ستار، ويحرم على العبد بأن يسأل ربه بغير أسمائه التي ذكرها ربنا في كتابه.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الله حيِيٌّ ستير“، أي أن اسم الله ستير وليس بساتر ولا ستّار، “ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها“، وما أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الله ساتر أو ستّار إنما الله ستير.
لا يجوز أن نشتق لله أسماء من أفعاله، الله أخبر عن نفسه “قل الله يفتيكم في الكلالة” يفتيكم فعل؛ فلا يجوز أن نسمي ربنا مفتي، الله قال: “ثم استوى على العرش“؛ لا يجوز لنا أن نقول عن ربنا مستوٍ ونسأل ربنا يا مفتي يا مستوي! ونسمي عبد المفتي، عبد المستوي…هذا حرام لا يجوز، فلله عزوجل أسماء وصفات، أسماء الله توقيفية تقتصر على ما ثبت في النص، وصفات الله قسمان ويجوز لك أن تقسم بها وأن تتعوذ بها فمن صفات الله الكلام والعزة والرحمة… وفي صحيح البخاري على لسان بعض السلف “وعزة الله” وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعاء المريض: “أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر“، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي الحسن والحسين وكان يقول: “أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامّة” وكلمات الله صفة من صفات الله وليست اسماً من أسمائه.
“الرحمن الرحيم” في الفاتحة فيهما اسمان، ومردُّ الاسمين إلى صفة من صفات الله تعالى، الاسمان: الرحمن، الرحيم… والصفة “الرحمة“؛ فالله عليم بعلم… قدير بقدرة… عزيز بعزة… رحمن برحمة… آية “ الرحمن الرحيم” فيها إثبات لاسمين من أسمائه وصفة من صفاته، وصفات الله قسمان: صفة ذات، وصفة فعل… صفة الذات لا تنفك عنه سبحانه وصفة الفعل تعود إلى مشيئته، فالكلام صفة الله، فالله يتكلم وكلامه يعود إلى مشيئته وهو يتكلم بما يشاء متى شاء أنّى شاء، يتكلم الله متى شاء لكن كلامه يعود إلى مشيئته سبحانه، صفة العلم والقدرة والحياة والرحمة صفة ذات لا تنفك عن الله عزوجل، وله الحمد سبحانه أنه خالقنا وبارئنا هو الرحمن الرحيم، ربنا يقول: “ورحمتي وسعت كل شيء” والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إن رحمة الله سبقت غضبه كتب ذلك في كتاب عنده على العرش“والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في المتفق عليه: “إن الرحمة مئة جزء فأمسك الله تسعاً وتسعين جزءاً وأنزل جزءاً واحداً يتراحم العباد فيما بينهم به، حتى أن الدابة لترفع حافرها عن وليدها بهذا الجزء” وفي الصحيحين من حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم جيء له بِسَبْي أي رجال ونساء من سبايا الحرب، يقول عمر فكانت من بينهم امرأة تبتغي – أي تنظر وتبحث– هي مسبية لكن سبيها ليس بشيء عندها هي تبحث عن شيء فنظرت فوجدت وليدها فَهَرَعت إليه وحملته وألصقته ببطنها وأرضعته ثديها فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى من حوله فقال: “أرأيتم إلى هذه المرأة أتلقي ولدها في النار فقالوا: لا يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أرحم بعباده من رحمة هذه الأم بولدها“
فالله رحمن ورحيم برحمة، وفي الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لو يعلم المؤمن ما عند الله من عقوبة ما طمع أحد في جنته ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط أحدٌ من رحمته” فالله عزوجل واسع الرحمة، واسع المغفرة “ورحمتي وسعت كل شيء“.مدار تحقيق العبودية وصلاح القلب والسير إلى الله والوصول إلى الجنة في الدار الآخرة مداره على الحمد كيفية وكمية، والدواء حتى يصيب الداء يحتاج إلى أن يوافق جنس الداء من جهة وإلى الكمية اللازمة للشفاء ثانياً، والقلب حتى يصُح ويستقيم يحتاج إلى أن يحمد الله وهذا الحمد يحتاج إلى كيفية وكمية، كيفية الحمد تكون بالثناء وكمية الحمد تكون بالتمجيد، ولذا العبد لما يقول: “الحمدلله” الله يقول: “حمدني عبدي” ولما يقول: “الرحمن الرحيم” يقول: “أثنى عليّ” أنت تثني على ربك وأنت بحاجة إليه، والفرق بين الحمد والثناء هو أن تكرار الحمد يسمى في اللغة: ثناءً، فالثناء يخص الكمية والكمية تخص الحمد من حيث الكمية والثناء فمن وُجِد في قلبه المقدار اللازم من الثناء لابد إن قرأ “اهدنا الصراط المستقيم” يقول الله له: “هذا لعبدي ولعبدي ما سأل” فإذا الإنسان لم يمشي على الصراط المستقيم في هذه الدنيا مرده على خلل إما في أصل الحمد وإما في كيفية الحمد وإما في كمية الحمد، وكمية الحمد هي التمجيد.
الرحمن من أسماء الله فمردُّ أسماء الله على الله الرحمن الرب؛ ولذا قال الله تعالى: “قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّاً ما تدعوا“، “قالت أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا” فيجوز أن نقول: أعوذ بالرحمن، قال عزوجل: “واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون” فالرحمن الرحيم كلاهما فيه رحمة، الرحمن يخص الدنيا ويخص المسلم والكافر، من رحمة الله بنا أن الله عزوجل أعطى الكفار كل ما يريدون حتى لا يبقي لهم شيء في الآخرة ولولا قلة يقين الخلق ومعرفتهم بحقائق الأشياء لما راجت الدنيا والشهوات، فالله يقول: “المال والبنون زينة الحياة الدنيا” الشيء الذي لا يروج بنفسه ولا قيمة له فهو الذي يحتاج حتى يروج للزينة، فالدنيا كلها زينة “ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبواباً وسرراً عليها يتكئون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين” فلولا أن يصبح المؤمنون كفاراً لأغدق الله العطاء على الكفار فقال: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن فالرحمن في الدنيا ورحمن في الكفار ورحمن للدواب ورحمن للأشجار “أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن” فكل رحمة تقع في الدنيا سواء بإنسان أو بحيوان أو بنبات إنما هي من الله الرحمن.
فالفرق بين الرحمن والرحيم: أن الرحمن في الدنيا ورحمن في الآخرة، رحمن مؤمن ورحمن الكافر، لذا قد يكون الكافر جميل وقد يكون غني وقد يكون صحيح قوي وقد يكون الكافر وجيه فكل ما يقع في الدنيا من رحمة بالإنسان والدواب… باسم الرحمن. أما الرحيم “وكان الله بالمؤمنين رحيماً” الرحيم هو رحيم الآخرة فقط وهو رحيم بالمؤمنين فقط، يعني الكافر لما يخرج من الدنيا ليس له الله هو “جزاءً وفاقا” يحاسب بعمله كان الله رحماناً به في الدنيا فليس له شيء في الآخرة؛ لذا قال صلى الله عليه وسلم: “لو كانت الدنيا تسوى عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء” فمن هوان الدنيا على الله أن يعطي الكافر ومن وجد الله ماذا فقد؟! ومن فقد الله ماذا وجد؟! المؤمن في الدنيا يجد الله والمؤمن في الآخرة يجد الله، والكافر في الدنيا يجد الله والكافر في الآخرة لا يجد الله؛ لأن الله رحيم وكان الله بالكافر في الدنيا رحمن به، فالرحمة تتعلق بالمؤمن والكافر في الدنيا وأما في الآخرة فالرحمة لا تتعلق إلا بالمؤمن، وهنا مسألة مهمة وقع فيها خلط كبير وقلَّ من حرّرَها من أهل العلم وهي:-
“أيهما أبلغ: الرحمن أم الرحيم؟” الرحمن رحمن الدنيا والآخرة ورحمن المؤمن والكافر، والرحيم رحيم بالمؤمن دون الكافر، مما جعل بعض أهل العلم يقولون: “الرحمن أبلغ من الرحيم” والصواب أن كل اسم من أسماء الله عزوجل في موضعه، وكل اسم من هذين الاسمين فيه ما ليس في الآخر، ولا يجوز المفاضلة بين الاسمين؛ لاختلاف التعلق، بمعنى الرحمن في العربية على وزن فعلان تصريفها فعلان، والرحيم تصريفها فعيل في العربية، فعلان تدل على الكثرة فالعرب تقول: فلان عطشان إذا كان شديد العطش وجوعان إذا كان شديد الجوع و غضبان إذا كان شديد الغضب و سكران إذا كان شديد السكر.
صيغة فعيل تدل على الثبات عند العرب، العرب تقول: فلان كريم صفة الكرم ثابتة فالكرم صفة ما تتزحزح عن أحد، وتقول العرب: عين كحيل بعض الناس تنظر إليه تجد عينه مكحولة تظنه كحيل وهو ما وضع كحلاً، فهذه الصفة تبقى ثابتة، كف خضيب أي مخضوبة ثابتة، فرحمن تدل على الكثرة دنيا وآخرة، مؤمن وكافر، ورحيم تدل على الثبات فالرحمة ثابتة للمؤمنين في الدنيا والقبر والصراط والحشر لا يُسلَبها فلا يجوز التفاضل بين الاسمين لكل متعلق يخصه ولا يتعداه إلى غيره، قدّم الله الرحمن قبل الرحيم؛ لأن الدنيا قبل الآخرة ولأن الرحمن متعلق بالدنيا والآخرة ولكن الرحيم متعلق في الآخرة فقط. العبادة على هيئة طير لها ثلاثة أركان الطير رأس وجناحان، رأس الطير المحبة وجناحاه الرجاء والخوف، إذا قرأ العبد الحمدلله فالحمد مدح بحب وأصل الحمد نابع من المحبة، والرحمن الرحيم تطمئن العبد وتجعله يرجو رحمة ربه “أمّن هو قانط آناء الليل والنهار ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه” فالمؤمن قلبه في الدنيا وحاله يعيش بين خوف ورجاء، فالمحبة مأخوذة من الحمدلله رب العالمين والرجاء مأخوذ من الرحمن الرحيمفالعبد يقرأ الرحمن الرحيم يرجو رحمة ربه ولا ييأس عند جهل وظلم وغفلة وشهوات وغرائز، كل بني آدم خطاء وخير الخطائون التوابون، لذا الله سبحانه هو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات وإن الله عزوجل لبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار وبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل وإن باب الجنة مفتوح، إن الله يتوب على عبده ما لم يعاين وفي رواية ما لم يغرغر.
يعني لو رجل حكم عليه بالاعدام وكان فاجراً، قالوا له: الأسبوع القادم أو بعد ساعة أو ساعتين نريد أن نقتلك فتاب نعم يقبل الله توبته، ما لم يعاين الملائكة، ما لم تأتيه ملائكة الموت وهو على الفراش، ويغرغر يعني ما لم تصل الروح الحلقوم، فإذا تاب والملائكة تنزع الروح من رجليه إلى وسطه فقبل ما تصل الروح الحلقوم الله يقبل توبته فإذا وصلت الروح إلى الغرغرة لم يعد هناك توبة. الجنة والنار ليست بأيدينا هي لله ونحن نرجوا رحمة الله، ولا يجوز أن نحكم على أي عبد كافر أو مسلم هو في الجنة أو في النار، فنحن نرجوا لأهل الصلاح والعلم الجنة، فلا نستطيع أن نقول فلان في الجنة ما لم يرد نص، النبي صلى الله عليه وسلم قال: “سبقك بها عكاشة” نقول عكاشة في الجنة، عمر في الجنة، أبو بكر في الجنة؛ لذا بعض الناس يتألى على الله يقول: فلان في النار، الله لا يرحم فلان، الله لا يقبل صلاته فالرحمة لله عزوجل نحن لا نحكم بها؛ لذا صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بني اسرائيل رجلاً عاصياً مر عليه عابد فقال العابد لما رأى توبة من العاصي فقال: والله إن الله لا يغفر له هذا فعل.. وفعل.. وفعل… عجائب فأوحى الله عزوجل إلى نبي ذاك الزمان أن قل له: من ذا الذي يتألى عليّ إني قد غفرت له وأحبطت عملك. فمُتَعَلَّق العبد بقول الرحمن الرحيم الرجاء، وكل إنسان مقصر في العبادة إما لفقدان هذه الأركان الثلاثة أصل الوجود (المحبة، الرجاء، الخوف) أو مقدار الوجود.
لو قيل لشاب: أترجو ولد؟ قال: نعم، أرجو أن يرزقني الله ولد، فيل له: أعندك زوجة؟ فقال: لا، نقول له: أنت لا ترجو الولد، الولد لك أمنية وليس رجاءً، فالصواب أن يقول الولد عندي أمنية أرجو الله أن يحققها، فيكون الرجاء بعد الأخذ بالأسباب فإن لم يأخذ الإنسان بالأسباب فهذه أماني.
فينبغي أن نفرق بين الرجاء والأماني، والذين لم يفرقوا بين الرجاء والأماني هم اليهود، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أننا سنتبع سنن من كان قبلنا؛ ولذا سنجد في أمتنا من يرجو وهو في حقيقته يتمنى ولا يرجو، قال الله عزوجل: “إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا أولئك يرجون رحمة الله“، فالذي حقق الإيمان وحقق الهجرة والجهاد هو الذي حقق الرجاء برحمة الله، فالذي يرجو رحمة الله ينبغي أن يسلك أسباب الخوف والنجاة، أما رجل تارك للصلاة مرتكب موبقات فاعل للفواحش يقول: أرجو رحمة الله فهذا مخطيء، هو أمره لله لكن لابد أن يسلك أسباب النجاة.