أسماء الفاتحة

سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن وكلام الله يتفاضل فبعضه أفضل من بعض وهي سورة مكية نزلت قبل الهجرة؛ فالمكية هي التي نزلت قبل الهجرة، والمدنية هي التي نزلت بعد الهجرة ولو نزلت في مكة. سورة الفاتحة خمس وعشرون كلمة دون البسملة، وهي مئة وثلاثة عشر حرفا. في جامع الترمذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من قرأ حرفا من القرآن له حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف”. فكل من يقرأ الفاتحة له ألف ومئة وثلاثون حسنة. والواجب علينا أن نقرأ الفاتحة سبعة عشر مرة في اليوم بعدد الركعات المفروضة. وللفاتحة أسماء عديدة فتسمى الفاتحة لأن قارئ القرآن يفتتح بها، فهي مما يفتتح به القرآن تلاوة وخطاً “أي أول سورة مخطوطة في القرآن”، وثبت في جامع الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “هي السبع المثاني وأم القرآن وأم الكتاب”. ويقول الله تعالى في سورة الحجر: “ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم” فمن أسماء الفاتحة السبع المثاني.

قال المفسرون:”سبع من المثاني والقرآن العظيم” هذا من عطف العام على الخاص، وفي تخصيص الفاتحة بالذكر في معرض الإمتنان بإنزال القرآن إشارة إلى تميزها وفضلها، وأن الله عز وجل قد خصها بأشياء دون سواها، سُمِّيت بالسبع لأنها سبع آيات وسُميت بالمثاني لأنها تثنى بالقراءة فتُقرأ المرة تِلْوَ المرة، وفي الركعة تِلوَ الركعة، فلا تصح ركعة لله عز وجل إلا بقراءة الفاتحة. وسميت بأم الكتاب لأن الأم عند العرب هي التي تجمع، كما قال الله عز وجل: “وكذلك أنزلنا إليك الكتاب لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير” وسميت مكة بأم القرى لأن القرى التي حولها تابعة لها وكل شيء هو أصل وغيره تابع له فهو أم. ثبت عند الترمذي حديث بن عباس قال: قال صلى الله عليه وسلم: “ما أنزل الله تعالى في القرآن ولا في الإنجيل ولا في التوراة ولا في الزبور مثل فاتحة الكتاب”، فمدار جميع ما أنزل في كتب الله على الفاتحة.

وتسمى الفاتحة بالحمد لأنها مبتدأة بالحمد، فكما سميت الأنفال بالأنفال لذكر الأنفال في أولها وسمى الأعراف بالأعراف لأن الله قال فيها: “وعل الأعراف رجال” فكذلك سميت الفاتحة بالحمد. وتسمى الفاتحة بالصلاة سماها الله جل في علاه وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،في صحيح مسلم بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قال الله تعالى: إني قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي…” إلى آخر الحديث. ومن أسماء الفاتحة الكافية وسميت بالكافية لأنها تكفي عما سواها وغيرها لا يكفي عنها، ومن أسماء الفاتحة الرقية، كما ورد في الصحيحين في قصة أبي سعيد الخدري وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: “وما يدريه أنها رقية”، فالفاتحة فيها شفاء للأرواح وللأبدان، فكثرة الأسماء للشيء الواحد يدل على شرفه وعُلُو منزلته وارتفاع قدره، وقد ثبت في صحيح البخاري كما في سنده إلى أبي سعيد بن المعلّى رضي الله تعالى عنه قال: كنت في المسجد أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فبقيت في صلاتي ثم دعاني ففرغت من صلاتي واستجبت له، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: لِمَ لَمْ تجبني؟ قال: فقلت يا رسول الله إني كنت في الصلاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما سمعت قول الله “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم”، قال: ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدلك على أفضل سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟ قلت: بلى يا رسول، قال: فسأله الناس، ثم لمّا وصل إلى باب المسجد وأراد الخروج قلت: يا رسول الله إنك قلت لي ستدلني على أعظم سورة في القرآن الكريم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :نعم أعظم سورة في القرآن الحمدلله رب العالمين هي السبع المثاني وهي القرآن العظيم الذي أوتيته.

اختلف الفقهاء في البسملة، هل هي آية من آيات القرآن أم لا وهذه مسألة شائكة وفي التفاسير الطوال مئات الصفحات تبرهن مرة أن البسملة آية وتارة أن البسملة ليست آية، في تفسير الرازي قرابة 150 صفحة تثبت أن البسملة آية، وتفسير الألوسي قرابة 300 صفحة في بيان أن البسملة ليست آية والنبي صلى الله عليه وسلم لما قال: قال الله تعالى “إني قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال الحمدلله رب العالمين قال: حمدني عبدي….إلى آخر الحديث”، أقوى دليل في هذا الحديث أن البسملة ليست آية. ليس الخلاف في البسملة أنها من القرآن أو ليست من القرآن إنما الخلاف هل هي داخلة في العد أم خارج العد، فلا يفرح أعداء الله الذين يطعنون في القرآن ولا يظن أحد أن نقصاً وقع في القرآن، الخلاف هل البسملة من الآيات السبع أم ليست منها؟ ورد حديث عند النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها ولذا الواجب على المصلي أن يقرأ بأم الكتاب وفيها البسملة وهناك مسألة وقع أيضاً فيها خلاف وهي هل الإمام يجهر بالبسملة أم يسر بها؟ ثبت في الصحيحين من حديث أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون بالحمدلله رب العالمين. الشافعي رحمه الله قال: الإمام يجهر بالبسملة والأئمة الثلاثة قالوا: الإمام يسر بالبسملة، والأئمة الثلاثة استندوا على حديث أنس وهو في الصحيحين، الشافعي قال: يريد أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالقراءة بالفاتحة ثم يعقب بسورة وكانت السورة بعد الفاتحة، هذا الكلام رد عليه جماهير من الفقهاء برواية أوردها مسلم فيها بزيادة وهي مهمة في رواية عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون بالحمدلله رب العالمين وكانوا يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم فلابد للإمام والمأموم أن يقرأ البسملة لكن الإمام يسر بها.

قال بعض المحققين من العلماء: إذا داوم الإمام على الإسرار بالبسملة فظن المأمومون أنها ليست من القرآن فيَحْسُنُ به بين الحين والحين أن يجهر بها ليُعلِم الناس أنها آية من القرآن. الفاتحة وأواخر سورة البقرة نزلت من مكان من السماء لم ينزل منه شيء قط ونزل بهما ملك غير جبريل إشارة إلى أهميتهما. ففي صحيح مسلم من حديث بن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع جبريل فسمعوا جلبة (أي صوتا) من السماء فقال جبريل: فتح اليوم باب من أبواب السماء لم يُفتَح من قبل قط ونزل ملك معه فاتحة الكتاب وأواخر سورة البقرة، قال فجاء الملك فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: “أبشر لقد أوتيت بنورين الفاتحة وأواخر البقرة لم يؤتهما نبيٌّ قبلك قط ما قرأت بحرف منهما إلا أوتيته”. أي إذا قرأنا بأي حرف من الفتحة وأواخر البقرة بفضل الله وكرمه ومنه علينا أننا نؤتى ما نقرأ، الذي يقرأ الفاتحة ويفهمها ويتدبر معناها لا بد أن يكون مهديا على الصراط المستقيم. ودل على ذلك ما أخرجه صحيح مسلم في كتابه بسنده إلى أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “قال الله تعالى إني قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله تعالى أثنى عليّ عبدي وإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى مجدني عبدي وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال الله تعالى هذا بيني وبين عبدي وإذا قال اهدنا الصراط المستقيم قال الله تعالى هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.

هذا الحديث أجل حديث في تفسير فاتحة الكتاب، فمن ميزة سورة الفاتحة أنها خاصة بهذه الأمة، أفضل سورة في كتاب الله عز وجل فيما أنزل الله على رسله عليهم السلام. ومن ميزتها أن أي شخص قرأ بأي حرف منها أنه يؤتى ما طلب من الله عز وجل، ولذا كانت هذه السورة اسمها الشفاء واسمها الكافية. أخرج الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري قال أبي سعيد: كنا في سفرة فنزلنا فجاءت جارية فقال إن سيد القوم لديغٌ أو قالت سليمٌ (يسمي العرب المريض سليم تفاؤلاً في شفاؤه) قالت والرجال غُيّبٌ فهل معكم من راقٍ؟ قال أبو سعيد فقال رجل منا لا يُعْرَف برقية (أي لا يعرف أنه يرقي) قال رجل منا: أنا أرقيه،قال: فذهب فرقاه فبرأ بإذن الله، وفي رواية قال: فشارطه على قطيع من الغنم، قال لأنهم لم يؤدوا حق هؤلاء الأضياف من الضيافة، قال أبو سعيد فرقاه فبرأ فأعطاه السيد ثلاثين من الغنم وأسقانا لبناً، فقلت له (أي لمن رقى السيد) هل ترقي؟ قال: لا والله ما رقيت قط ولم أقرأ عليه شيئا إلا أم الكتاب، وفي رواية عند الترمذي صحيحة قال: فقرأت عليه أم الكتاب سبع مرات فبرأ بإذن الله.قال أبو سعيد: فاختلفنا الغنم نقسمه فيما بيننا أم لا يحل لنا، قلنا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: ما يدريه أنها شفاء؟ (يعني أجرى الله الحق على لسانه بقضائه وقدره) اقتسموها واضربوا لي بسهم منها. وفي هذا اشارة قوية إلى حِلِّ الأخذ دون الطلب، وجواز المشارطة في مثل هذه الصورة.

“وننزل من الكتاب ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا” هذه آية مرهبة ومخيفة، قال بعض السلف: ما جلس أحد مع القرآن وقام سالما فإما له وإما عليه. ولذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم تفسيرا لهذه الآية وتفصيلا لها يقول: إن الله عز وجل يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين”. “وننزل من القرآن ما هو شفاء”، شفاء للأبدان والأرواح؛ لذا متى ألمَّ بالعبد شيء فالمطلوب منه أن يتداوى، وإذا ترتب على تركه المداواة الهلاك أو ضياع العيال فهو آثم لتركه الدواء، وعلى هذه الصورة يحمل قوله صلى الله عليه وسلم :” عباد الله تداوا فإن الله ما أنزل داءً إلا وجعل له دواء”.

وأما في ما يزيد على ذلك من الترفهات فالدواء مباح، فمن تركه من باب تمام اليقين والتوكل فهذا حسن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم في السبعين ألف الذين يدخلون الجنة من غير حساب ولا عذاب فذكر من صفاتهم فقال: ولا يتداوون” فلا ينبغي أن نجعل الأحاديث متضاربة فهذا في صورة “عباد الله تداووا”، وهذا في صورة، ولكن المداواة التي ما ينبغي أن تترك أبداً أن يداوي العبد نفسه بقراءة فاتحة الكتاب سبع مرات. قد يوجد في المؤمنين من لا يستجيب بدنه للقرآن وقد يوجد في الكفار من يستجيب بدنه للقرآن كما فعل صاحب أبو سعيد رقى كافراً فاستجاب، على حسب السجايا، فالناس لهم سجايا مختلفة، سورة الفاتحة فيها نعم عظيمة للناس في الدنيا والآخرة ذلك أن هذه السورة حَوَت الخير كله. أسأل الله لي ولكم السداد والرشاد وأسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يلهمنا رشدنا وأن يَمُنَّ علينا بفهم كتابه وسنة نبيه وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم