البسملة

كيف يدفع العبد عداوة الإنسان؟ يدفعها بالصفح والعفو ومعاملة الناس بالفضل وقت الفتن، أدِّ الذي عليك واسأل الله الذي لك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة العُمِّية: “كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل”، “خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين”، بعض الناس جهلة لا ينفع معه إلا أن تعرض عنه، فعداوة الإنسي متعبة تحتاج لملاينة ومصانعة، أما عداوة الجني فأمرها سهل “وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم”. وفي سورة المؤمنون “ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون” هذه تعلمنا كيف ندفع عداوة الإنسي، فلا تعامل السيئة بالسيئة وقابل السيئة بالتي هي أحسن، “وجعلنا بعضكم لبعض فتنة” فعندما أعلم أن الله بعضهم لبعض فتنة فأنا أُروِّض نفسي على مقابلة السيئة بالحسنة فهكذا تُدْرَأْ عداوة الإنسي، أما الجني فقال الله عز وجل: “وقل أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون”.

وأما الموطن الثالث في سورة فصلت “ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظٍّ عظيم” وقال مباشرة بعدها: “وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم”، الحليم لا بد أن يسود يقابل السيئة بالحسنة وهذه أخلاق الكُمّل من الخلق وهي أخلاق حسنة رفيعة، فالمؤمن كالشجرة الطيبة يرميه الناس بالحجر ويرميهم بالثمر. لا يمكن للعبد أن ينجو من عداوة الشيطان وشره إلا باللجوء إلى الله واللياذة به والإستعاذة من شر الشيطان. تأمل سورة الفلق تستعيذ بالله من أربع أشياء: قل أعوذ برب الفلق من شر ماخلق جميع الشر الذي خلقه الله ومن شر الليل إذا دخل ومن شر النفاثات في العقد (السحرة) ومن شر حاسد إذا حسد. أما سورة الناس: “قل أعوذ برب الناس ملك الناس اله الناس” تتعوّذ بالرب والملك والإله من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس، تتعوّذ بثلاث صفات من صفات الله من شر واحد وهو الوسواس الخناس وهو الشيطان، فلما ذُكر التعوّذ من الشيطان ذكر الله تعالى صفة الرب وصفة الملك وصفة الإله ثم لم يذكر إلا الشيطان، وفي هذا إشارة إلى قوة الإحتماء إلى الله جل في علاه من الشيطان.

الشيطان يريد عقد شركة أبدية مع الإنسان يشاركه في الدنيا، كما قال الله عز وجل: “وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا” مادة الشيطان الذي يروّج بها بضاعته الأماني الكاذبة والوعود الخاسرة، فيشارك الشيطان مال الإنسان بأن يكتسبه من حرام، وهذه الأيام يحرص الناس بشدة على اكتساب الأموال، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم “لا تقوم الساعة حتى لا يبالي أحدكم أصاب المال من حلالٍ أم من حرام”. قال بعض السلف: من أكل حراما عصى الله شاء أم أبى ومن أكل حلالا أطاع الله شاء أم أبى، وقال بن سيرين: “لن يفقه أحدٌ عن الله مراده حتى يفقه ماذا يدخل جوفه”. الناس اليوم إذا سمعوا لا يفقهون وإذا قرؤوا لا يعلمون والسبب يأكلون مما هبَّ ودب نسأل الله السلامة والرحمة. هذه الأيام تجد الأب يقول أولادي شياطين والأم تدعو على أولادها ليلا ونهارا أنّى يأخذان بركة أولادهما. قال عكرمة: إذا أتى الرجل أهله ولم يقل بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا إلا لف الشيطان احليله على احليل الرجل وجامع أهله معه فكان الشيطان شريكا في ولده. لذا ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا أتى الرجل أهله وقال بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإذا كتب الله الولد فإن الشيطان لا يضره، هذه اللياذة والنبي صلى الله عليه وسلم يفسر قول الله تعالى:” وشاركهم في الأموال والأولاد”، فيقول كما في سنن أبي داوود والحديث صحيح قال صلى الله عليه وسلم:”إذا دخل الرجل بيته فقال بسم الله، قال الشيطان: حرمنا المبيت، فإذا وضع العشاء قال: بسم الله، قال الشيطان: حرمنا العشاء، وإذا دخل الرجل بيته ولم يقل بسم الله، قال الشيطان: مبيت، وإذا وضع الطعام ولم يذكر اسم الله عليه قال الشيطان: عشاء.

وقال صلى الله عليه وسلم:- إذا خرج أحدكم من بيته فقال: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله إلا قال الشيطان قد كُفيت ووقُيت، هذه اللياذة، وفي سنن أبي داوود ومسند احمد يقول النبي صلى الله عليه وسلم :”إذا دخل أحدكم المسجد فقال: أعوذ بالله العظيم ووجه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم إلا قال الشيطان: كفيت سائر يومك”، وكما أنه مطلوب منا أن نتعوذ بربنا من شَرَك وشر الشيطان مطلوب منا أن نلوذ به وأن نسميه قبل كل عمل نقول بسم الله الرحمن الرحيم، الاسم مأخوذ من أمرين، إما أنه مأخوذ من السمة وهي العلامة او السمو وهو الارتفاع، ولا يبعد أن يكون مأخوذ من الأمرين، فعلامة المؤمن عن العاصي أن يسمي الله عزوجل ومن لاذ بالله رفعه الله وامتاز عن غيره من سائر الخلق. قال صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم إن ذكر الله خنس وإن نسي وسوس، لذا لا يقوى الإنسان على الشيطان إلا بالذكر ومن لم يكن ذاكراً لله فلابد أن يكون للشيطان منه نصيب على قدر غفلته.

الإنسان ما لم يحصن نفسه بذكر ربه فإن للشيطان نصيب وافر منه، قال الله تعالى: “ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين” من فهم هذه الآيات ووُفِّق إلى مدى خطورتها لعلها تقلب حياته، ولعله لا يترك ذكر الله. العرب تقول فلان أعمى وفلان أعشى، الأعمى الذي لا يبصر والأعشى الذي يكون بصره ضعيفا، ربنا لم يقل ومن أعرض كما في سورة طه “ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلكأتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى” هذا الإعراض وأما في الأيات “ومن يعش” نتكلم عن ناس يقرؤون القرآن ويصلون الصلوات في المسجد ويعرفون شيئا من فضل الذكر ولكن عندهم ضعف في الذكر، يعش يضعف يذكر لكن ذكره ضعيف، والمصيبة الكبرى “وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون” يرى نفسه أنه على أتم الهداية وكمالها، ويعرف حقيقته يوم القيامة فيتمنى “ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين” فالشركة التي كانت بينهما في الدنيا لا تنفعه “ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون” لن يخفف عهم اشتراكهم في العذاب شيئا، “أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين” دلت الآية على أن الذي يعش عن ذكر الرحمن هو أصم يسمع الموعظة ولا ينتفع، وأسباب عدم الإنتفاع بالموعظة سوء الإستقبال والموعظة لتمام النفع تحتاج إلى حسن ارسال وحسن استقبال، يحسن الإنسان بالموعظة فتكون الموعظة مدللة بالآيات وصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون لذلك حسن استقبال فمن ابتعد عن ذكر الله لا ينتفعون بالموت واعظ فالشيطان قرين لهم.

فالمطلوب من الإنسان قبل كل فعل حلال أن يقول بسم الله، علماء اللغة يقولون هذه باء متعلقة بفعل محذوف يقدر على حسب فعل السياق، مثال عندك ماء تشربه تقول بسم الله يعني أشرب بسم الله وعندك طعام تقول بسم الله يعني آكل بسم الله رجل شرب الخمر أو أكل لحمى الخنزير أو زنى وقال قبل كل معصية بسم الله فهذا كما قال علمائنا إن كان مستهزىء كفر وخرج من الملة. فكل شيء أحله الله لك وتقول بسم الله تتق ب بذلك إلى الله يعني أنا يا الله أفعل باسمك أنت شرعتت وأنا أفعل بما شرعت. ثبت في صحيح البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم قد أردف رجل خلفه من الصحابة على ناقته فعثرت الدابة فقال الرجل تعست الدابة تعس الشيطان قال النبي صلى الله عليه وسلم:” لا تقل هكذا فإن الشيطان يتعاظم حتى يصبح كالدار ولكن قل بسم الله فإنه يتصاغر مثل الذبابة”، فالذي يعين الإنسان على الإستقامة ويستشعر بالمباحلت أنها عبادات ويعينه على استحضار النوايا الصالحات ذكر الله عزوجل ولا سيما التسمية. والنوايا الصالحات تقلب العادات إلى عبادات وتحول الملذات إلى طاعات والذي يعين على استحضار النية الصالحة التسمية وفهم معناها.

سؤال: بالنسبة لقول”الله يلعن الشيطان” يتردد كثيراً بين الناس هل هذا يجعل الشيطان يتعاظم؟
الجواب: نحن نحارب الشيطان محاربة شرعية ولا يمكن أن نحاربه إلا باللجوء إلى الرحمن والتعوذ من شره قولك”الله يلعن الشيطان” لا يحميك ولا تلوذ به أما الحصن الذي تلوذ به”أعوذ بالله” أو تقول”بسم الله”، والشيطان ملعون لكن أن يعتقد العبد أنه إن لعنه فإنه أمن شره فهذا خطأ، من لعن الشيطان قرر شيئاً حقاً لكنه لم يحتمي منه فالعبذ إن سأل ربه ينبغي أن تكون عبارته مؤدية للغرض الذي من أجله فعل الفعل فهذا القول يرادفه”اللهم انصر دينك” الله ناصر دينه لكن خذلان المسلمين اليوم لم ينصروا دين الله أما الدعاء الصحيح” اللهم اجعلنا ممن ينصروا دينك”أو”اللهم من علينا بأن تضرم لهذه الأم بأمر رشدٍ فيعز فيه الولي ويذل فيه العدو” هذا دعاء وكلام طيب، لو أن الله نصرنا على حالنا ما نصر الله دينه، نصر الله معاصينا وحاشاه أن ينصر معاصينا فمن رحمة ولطف الله بنا وحبه لدينه ونفسه سبحانه وتعالى أن حالنا هذا الذي نراه وهو رحمة من الله بنا، فالعبد إن تكلمَ تكلمْ بتبصر وبصيرة وترجم لقوعد قرآن الله، ومن المحزن أن الله أنزل القرآن بحال واستخدموه بحال آخر يقول تعالى” إنا أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون” لا ذكر وعز لكم دون هذا الكتاب،الآن أصبحنا نسمع القرآن نقول فلان عنده ميت القرآن أصبه يسمع للموت وهو بالآصل فيه الذكر ومصدر قوتنا وعزنا وتقدمنا ووجودنا بين الأمم عكسنا الصورة نسأل الله الرحمة والعافية.

القرآن الكريم كان في عجمة على اللسان فما كان يتلى حق تلاوته فيسر الله جل في علاه طلبة العلم ومعلموا القرآن فعلموا الناس العلم والتجويد فهذا الواجب في هذا الزمان لكن الأهم من هذا أن نفهم معاني القرآن هذا واجب كفائي، الأمة كلها أثمة هذه الآيام ما أحد قام به، تدبر وفهم القرآن ضعيف،فالواجب على من قرأ القرآن أن يتدبر، احمل دفتر صغير وقلم واكب ما معنى كلمة كذا وانظر في عناه في تفسير صغير في بيتك فإن اشكل عليك شيء فاسأل، القرآن الكريم رسالة الله لنا فمن كان يحب الله فالواجب عليه أن يفهم هذه الرسالة. نسأل الله عز وجل لي ولكم الثبات على الأمر والعزيمة في الرشد والغنيمة من كل بر.