إياك نعبد وإياك نستعين

اياك نعبد واياك نستعين

يقول الله سبحانه وتعالى: اياك نعبد واياك نستعين بعد ان يتحقق العبد بالحمد والثناء والتمجيد، فيحصل حقيقة الحمد كيفية وكمية حينئذ يتشرف ان يخاطب ربه فينتقل من خطاب الغيبة الى خطاب المباشر.

قبل اياك نعبد واياك نستعين كلها كانت خبر للغائب ثم ينتقل العبد لخطاب الله عزوجل في قوله تعالى اياك نعبد واياك نستعين، وهذا الانتقال من الغائب الى المخاطب أو العكس يُسمّى في العربية الالتفات تغير الكلام يعني انتبه، الثناء في الغياب أحسن من الثناء في الحضور، والتبرؤ من القوة واعلان الطاعة في الحضور أحسن منه في الغياب، وقد ورد الالتفات في القرآن بتقديم وتأخير قال تعالى: وسقاهم ربهم شرابا طهورا، انّ هذا كان لكم، سقاهم للغائب ولكم للمواجهة، حتى اذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح عاصفة، كنتم للمواجهة، الخطاب وبهم للغائب، فالتقديم والتأخير للأهمية، تقديم العبادة على الاستعانة لأنّ العبادة هي الغاية والاستعانة الوسيلة، قد يُقال أنا بدأت يا ربي وأخاف أن لا أُكمل فبك أستعين فثبتني يا الله وقد يحصل بعض العُجب بعد العبادة فبك أستعين يا الله خاصني من عُجبي يا الله التي تعقُب العبادة.

وقد يُقال من عطف الخاص على العام فالاستعانة نوع من أنواع العبادة لكن على تأويل ابن كثير رحمه الله أنّ هذا للأهمية قدّم الغاية وأخرالوسيلة، مثله في القرآن: من بعد وصية يوصي بها أو دين، فأخر الله الدين للأهمية. ولذا يقول الله في الحديث القدسي: اني قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين اذا قال الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي واذا قال الرحمن الرحيم قال الله اثني علي عبدي واذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي . وفي رواية عند مسلم فوض الي عبدي واذا قال اياك نعبد واياك نستعين قال الله هذا بيني وبين عبدي، فلا يتشرف العبد الشرف الحقيقي الذي ينول به خير الدنيا والآخرة بحيث يكون الله ولياً له ناصراً له ومؤيدا له يحفظه ويربيه التربية الخاصة لا العامّة .

فمعيّة الله معيّتان :-

  • عامة لكل الناس

  • خاصة للمتقين ولأوليائه الصالحين

بم نعبد الله ؟

إياك نعبد بالحب والرجاء والخوف ، إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، هاتان الجملتان هما سر الشفاء في الفاتحة وسِرُ خلق الله للإنس والجن والملائكة والسماء والأرض وما بينهما، قال الحسن البصري: انزل الله مئة وأربعة كتب وجمعها في اربعة من الكتب التوراة و لإنجيل والزبور والقرآن، وجمع الأربعة في القرآن، وجمع القرآن في المفصل ( من سورة قاف إلى الناس ) وجمع المُفصل في فاتحة الكتاب وجمع فاتحة الكتاب في قوله تعالى: إيّاك نعبد إياك نستعين، من قرأهما وحقق ما فيهما علما وعملا فإنما ما يكون قد عًمِل بجميع كتب الله. وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون، ولقد بعثنا في كل أُمة رسولا إن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت، لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، فالله سبحانه هو السيد فهو المُخبر والآمر والناهي فأخباره واحدة، لا تتعارض ولا تتناقض ولا تختلف وأوامره تختلف من أمة إلى امة ومن وقت إلى وقت؛ لأنه سبحانه هو المُربي.

الله أمرنا ان نتجه إلى بيت المقدس ثم نسخ ذلك أن نتجه إلى البيت الحرام ، أيهما أفضل؟

في وقت الإتجاه إلى البيت المقدس كان ذلك الوقت أفضل وفي الوقت الذي حّولنا فيه إلى البيت الحرام ، صار التوجه إلى بيت الله الحرام أفضل لنا وأحب إلى ربنا، ولكن مدار خلق الله للكون من أجل أن نحقق العبودية لله وما خلقت الإنس والجن إلاّ ليعبدون ، هو الذي جعل الليل والنهار خِلفة لمن أراد أن يذّكر او أراد شكورا، عبادة لمن أراد ان يذّكر بالعلم او شكورا بالعمل، والعبادة مدارها على علم نافع يقع به التذكر وعلى عمل صالح يقع به الشكر.

لماذا لم تأتي نعبد إياك مع ان الأصل في تركيب الجمل عند العرب ذكرالفعل اولا ثم الفاعل ثم المفعول؟ ونعبد هو الفعل والضمير المستتر نحن هو الفاعل وإياّك هو المفعول ، فلماذا قُدم المفعول ؟

التقديم عند العرب يفيد الأهمية، أما إذا قُدم المفعول على الفعل هذا يفيد الحصر (إياك نعبد) أي لا اعبد لا أذل ولا اخنع ولا اخشع و لا أخضع إلاّ لك يا الله في العبادة فلا تكون إلا لله معنى (اياك نعبد) هي عين نفس قول العبد لا إله إلاّ الله .

من فوائد تكرارها:-

  • تعلق العبد بالله .

  • نظر الموفق الى حال النعمة الى المُنعم وفي حال البلاء الى المبتلي وكأنّ هذا أمر قد خُصصنا به فلأن المقام مقام عبودية تقتضي بتقديم المعبود على العابد.

  • تدل على الثبات والاستقرار؛ بسبب عطف الجملة الاسمية على الجملة الاسمية، لو قال نعبد إياك فلكان بالإمكان أن نعبده ونعبد غيره، ولكن بالتقديم حُصرت العبادة فيه وانتفت عن غيره؛ ولذا جاءت الآية مُفصِلة ما أرسلنا من قبلك من رسول إلا اوحينا إليه انه لا إله إلا انا فاعبدون، فالعبادة مردها ان تؤدي حق الله عزوجل، ولذا معنى لا إله إلا الله يعني لا معبود بحق إلا الله ولذا حين تقول إياك نعبد فأنت تحصرالعبادة في الله وحده ولا تعبد غيره ولقد بعثنا في كل امة رسولاً ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت؛ ولذا المسلم حين يقول لا إله إلا الله هو يجتنب، و الإقرار والإعتراف بأي إله غير الله ويقول ان هناك آلهة ولكنها باطلة من أثبتها واثبت عبوديته لها فقد كفر وخرج من الملة .

ما سر تقديم العبادة على الاستعانة؟

من قال: ايّاك نعبد وايّاك نستعين، فقد برأ من مذهب الجبرية والقدرية.

ولماذا جاءت بنون الجمع وليست أعبد؟

النون تفيد الجمع أو العظمة، قد يقول قائل الانسان يعبد الله وحده ولكن المقام مقام ذل ومحبة فهذا كمال العز والعظمة أن يعبد الانسان ربه، وجاءت النون أيضاً حتى تتناسب مع السياق، حين تحمد الله في الغياب ثم تمتثل بين يديه كأنّ لك عند الله منزلة وكأنّ الله يقول لك سل ماتريد لك ولمن تُحب أو كأنّ الله يقول أنت عظمتك وقيمتك بأن تتشرف بخطابي وهذا مقام ذل لله الذي يُنافي أن يقع ذل لغيره فأنت عظيم بذلك اليّ، فنون الجمع سواء للجمع أو العظمة فهي تحتمل الامرين .

ما هي العبادة ؟

هي كمال الحب مع كمال الذل، لا تتحقق العبودية إلا بالاثنين معاً، العرب تقول عُبّدت الطريق يعني ذللت الطريق، فأين يجد العبد كمال حبه وكمال ذله، فهو يعبده؛ لذا قال عليه الصلاة والسلام: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس وانتكس واذا شيك فلا انتقش، ورحم الله عبداً اذا كان في المقدمة كان في المقدمة واذا كان في المؤخرة كان في المؤخرة واذا كان في السقاية كان في السقاية، فهذا عبد متواضع ذليل الى الله فهو يعلم انّ النعمة التي أعطاها الله اياه ينفع بها سائر الناس، فدائماً الإنسان يتبرأ إلى الله بشعار دخول الإسلام لا إله إلا الله.

من السنّة ان يبدأ الإنسان نهاره بأن يقرأ في اول ركعتين يصليهما سورة الكافرون و سورة الإخلاص وفي آخر نهاره في سنة المغرب يقرأ سورة الكافرون و سورة والإخلاص فهو على استمرار يبرأ من الشرك ويعلن التوحيد ولا يصرف كمال حبه وكمال ذله إلا لربه، فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، كالنطق بالشهادتين والصلاة والصيام والحج والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومساعدة المحتاج وغيرهاعبادة ظاهرة، أما العبادة الباطنة من الرغبة والرهبة والحب والخوف والرجاء والخشوع والذل، فالعبادة القلبية اوسع في الشرع من العبادة البدينة؛ لذا يثاب العبد على فعل قلبه ما لا يُثاب على فعل بدنه وكانت مقامات العلماء والأولياء ليست بكثرة العبادات البدنية بل وقَر في قلوبهم من خير كما كان يقول ابو بكر بن عيّاش ما سبقكم ابو بكر بكثرة صلاة وصيام ولكن سبقكم بما وُقر في قلبه، فكل الخلق حتى الأنبياء علاقتهم مع ربهم علاقة عبودية يعبدون الله وحده بمحبة وخوف ورجاء .

زعم قوم انهم يحبون الله فابتلاهم الله بمقياس ومعيار المحبة الحقيقية لله قال: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله، مدار العبادة إنما يكون في المحبة المنوطة بالاتباع والخوف والرجاء الذي يتولد عنهما الإخلاص، فلا تُقبل العبادة عند الله إلا ان يُخلص فيها العبد، الله يخاطب نبيه: لئن أشركت ليحبطن لعملك، من باب أولى ان يكون الخطاب لغيره حتى يقع التحذيرعلى أبلغ وجه، فالشرك الخفيّ وهو الرياء أخفى من دبيب النّملة السوداء على الصخرة الصّماء في الليلة الظّلماء فنسأل الله ان يُعيذنا من الشرك ويرزقنا الاخلاص، يقول الامام الشافعي رحمه الله: لا يخاف من الرياء الاّ المخلص، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو من أجل أن يعلمنا: اللّهم اني أعوذ من أن أُشرك بك شيئا أعلمه واستغفرك لشيء لا أعلمه“.

فلا تُقبل العبادة إلا بشرطين:-

  1. الشرط الأول: ألاّ يُريد القلب بعبادته إلا ربه حتى لو تخلل بعض المنافع خلال العبادة فهي ثمرة خيّرة للعبادة مثل الحاج الذي يذهب للحج فيشهد منافع له فلا حرج في هذا .

  2. الشرط الثاني : ان تكون على هدي النبي عليه الصلاة والسلام قال: من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد ، في سنن الدرامي قصة الرجل صلّى ركعتين قبل أذان المغرب في وقت النهي بعد صلاة العصر إذا سقطت الشمس فقال له سعيد بن المُسيب لقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام بالصلاة في هذا الوقت، فقال يا أبا محمد أُيعذبني الله في صلاتي ركعتين له فقال له سعيد إن الله لا يُعذبك على صلاة ركعتين له بل يُعذبك على خلاف السنة .

حين تقول: اياك نعبد تأمّل كم يحب المؤمن إخوانه وكم يواليهم في كل ركعة تدعو لسائر إخوانك على وجه الأرض ولا تقول إياك أعبد على صيغة الإفراد .

ف ايّاك نعبد وايّاك نستعين ضمير المخاطبة بضمير الكاف بعد ان نحمده ونثني عليه ونمجده نسأل حاجتنا من الله وهي أن يهدينا الصراط المستقيم، وقبل أن نسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم علينا أن نتبرأ من أمرين:-

  • الامر الاول: أن نتبرأ من الشرك بجميع صوره وهذه تتحقق من ايّاك نعبد، فالأصل بالعبادة المنع حتى يأذن الشرع والأصل فيها التوقيف ولا يكون ذلك بالعقل ولا بالمألوف ولابالعادة ولابالتقاليد انُما يكون ذلك باذن الله قال تعالى: ان الحكم الاّ لله أمر الاّ تعبدوا الاّ ايّاه ذلك الدين القيّم، وتشريع العبادة لاتكون الاّ لله أم لهم شركاء شرعوا لهم ما لم يأذن به الله، والنبي عليه الصلاة والسلام يبين: انّ الله شرع لكم سُنن الهدى، الله شرع لنا أوامر ودين ونهانا وزجرنا وربّانا فرغبنا ورهبنا وهو المُربي وهذه الأوامر توافق خلق الانسان، فجاءت شريعتنا وسطية لتُحقق مصالحنا في المعاش قبل المعاد وفي الدنيا قبل الآخرة، قال تعالى في محكم كتابه: وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية، يعني وجوه خاشعة واركان متعبة من العمل والمآل النار الحامية؛ لماذا؟لأنها عبدت ربها بالتقاليد وبالعقول وبغيرسنة رسول الله، ذكرالله مقام العبودية لأشرف الخلقالحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، وفي مقام التحدي وان كنتم في ريب ممّا نزلنا على عبدنا وفي الاسراء والمعراج سبحان الذي أسرى بعبده، فمقام العبودية مقام عظيم، كما في البخاري من الحديث الطويل حين يقول اهل النار ادعوا الله أن تقوم الساعة من شدة الهول في المحشر فالكل يقول نفسي نفسي فيقول عيسى عليه السلام اذهبوا الى محمد فانه عبد الله.

  • الامر الثاني: الذي تتبرأ منه من ايّاك نستعين هو التبرؤ من قوتك وحولك وطولك وأن تستعين بالله على عبادته؛ لذا النبي عليه الصلاة والسلام يقول لمعاذ: يا معاذ انّي والله لاحبك لاتدعنّ دُبُر كل صلاة أن تقول اللّهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك، وفي الصحيحين من حديث أبو موسى الاشعري قال لابي موسى: ألا أُدلّك على كنز من كنوز الجنة؟ قال: نعم، قال النبي: لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة، يقول المُفسّرون ذكر الملائكة التي تحمل العرش ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية، ذِكر الذين يحملون العرش هو: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ما هو السر في قولنا إيّاك نستعين وليس عليك نتوكل ؟

علينا ان نفهم شيئا يسيراً عن التوكل، فالتوكل له ركنان:-

  • الأول: الثقة، أن تثق بمن تتوكل عليه.

  • الثاني: الاستعانة، ان تستعين به، في الدنيا قد تستعين بمن لا تثق ، وقد تثق بمن لا تستعين، لذا تمام الاعتماد والاستعانة لاتكون إلاّ بالله؛ فلذا قال الله تعالى: وكفى بالله وكيلا، حين تقول حسبى الله ونعم الوكيل : يعني به أثق وعليه أستعين وبه أعتمد فلا يكون التوكل إلاّ بالله جلّ في عُلاه.

من بداية سورة الفاتحة تحمد وتثني وتُمجد وهذا يتضمن الثقة فالثقة حاصلة ولكن هذه المعاني ليس فيها استعانة فكان قولنا: إيّاك نستعين، واجتمعت الثقة مع الاعتماد والاستعانة فحصل التوكل، فالتوكل مذكور ضمنياً، لو كانت الآية إياّك نعبد وإيّاك نتوكل لكان فيها تكرار، ولأهمية الثقة ولأنها متضمنة فأراد الله من العبد ان يفهم وإن استعنت بالله وحصلت الثقة من الحمد والثناء والتمجيد فأنت الآن متوكلا .

التوكل مصروف إلى الله أصالة فلا يمكن لعبد ان يتوكل على غيره لكن يمكن لعبد ان يثق بشخص ويمكن لعبد ان يستعين بشخص، حصل التوكل وحصل من خلال هذا التضمن شيئا زائدا وهو حصرالاستعانة بالله سبحانه، والاستعانة بالله تحتاج إلى إخلاص، والإخلاص ان يُصرف القلب للرب وأن لا يُشرك في عمله لغيرالله والإخلاص يحصل أولا لإستحضار النيّة وتكون قبل العمل وفي أثناء العمل وبعد العمل .

قد يقع الإنسان بعد ان يفرغ من العمل نسأل الله العافية في العُجب، وكان بعض السلف يقول: لئن انام طوال الليل وأُصبح نادما أحّب إليّ من أن اقوم طوال الليل وأُصبح مُعجبا، فالعُجب النية الفاسدة ما يعقب العمل والرياء النية الفاسدة التي ينبعث منها العمل، هذا الفرق بين الرياء والعُجب، حتى يحصل الإخلاص على العبد أن ينوي النية الصالحة قبل العمل وفي اثناء العمل وبعد العمل .ثانيا أن يُخفي العمل ما استطاع؛ لذا عُرف عن بعض الصالحين أنه ما سجد لله سجدة في المسجد إلاّ صلاة الجماعة والنبي عليه الصلاة والسلام قال: إنّ أفضل صلاة المرء في بيته إلاّ الصلاة المكتوبة، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فالعبد الموفق هو في خلوته خير منه في جلوته ( يعني بين الناس )، وعند البزّار ابن ماجة من حديث ابن جلبان: يأتي اقوام يوم القيامة بحسنات مثل جبال تِهامة فتصبح هباءً منثورا ، فسُئل عن سبب ذلك فقال: إنهم كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، الأصل في العمل الصالح الذي يعمله الإنسان ان يكون خبيئة ولا يُحدّث به أحدا إلا من باب التحدث بنعمة الله للضرورة؛ لقوله تعالى: وأمّا بنعمة ربك فحدّث، بنية دعوة الناس إلى الخير، إذا إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، نحن نتوكل عليه سبحانه فعبادتنا توكل عليه والتوكل حاصل ضمناً لأننا جمعنا بين الثقة المأخوذة من الثناء بأنواع مع الاستعانة ، فإذا دمجنا الثقة مع الاستعانة حصل التوكل، لكن في سر في عدم ذِكرالتوكل حتى لا يقع التكرار وحتى وسيلة أحد شقّي التوكل وهو الاستعانة التي يجوز أن تُصرف لغير الله حتى تبقى في طريق الهداية مصروفة إلى الله.

الناس بالنسبة للعبادة والاستعانة أربعة أصناف:-

  • الصنف الأول: هو الذي يعبده ويستعين به.

  • الصنف الثاني: الذي يعبده ولا يستعين به.

  • الصنف الثالث: الذي يستعين به ولا يعبده.

  • الصنف الرابع: الذي لا يعبده ولا يستعين به .

يقول الله في الحديث القُدسي وهو عند مسلم لأبي ذر: يا عبادي كلّكم ضالّ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم كيف نهتدي ؟ نتبرأ من الشِرك ونستعين بالله ونتبرأ من الحول والقوة والطَول .

بعض الناس يبدأ بنية عمل الخير مثل حفظ القرآن يبدأ بهمّة ونهمة ثم ينقطع، من كرم الله بمجرد ان يتوجه العبد إليه يُؤلف قلبه ويحببه للطّاعة. إن قطع العمل له لأنه ركن إلى إمكانيته و نشاطه ولم يتبرأ من حوله وقوته، هو عبد الله واخلص العبودية لله ولكنه ما تحقق في مقام التبرؤ من الحول والقوة، فالله يُركنه إلى نفسه؛ ولذا السلف ما فعلوا شيئاً وانقطعوا عنه إلاّ ابن عمر في حادثة واحدة، قال النبي عنه عليه الصلاة السلام: نِعم الفتى هو إلاّ انه كان يقوم الليل فتركه ، فكان بعدها ابن عمر لا ينام إلاّ جالسا يغفو غفوات وبقي مُحافظا على القيام حتى مات.

من أحسن بركات الإخلاص الثبات على العبادة ، حين يفعل الإنسان خيرا يتخلص من الحول والقوة حتى لا يغترّ بما عنده وبما فعله و إنما هو من محضِ فضل الله عليه .