اهدنا الصراط المستقيم

اهدنا الصراط المستقيم

حاجة العباد إلى الهداية أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب، ولّما كان حاجة العباد على هذا النحو أمر الله العباد أن يستهدوه وان يسألوه فيفوزوا بأجلّ مطلوب وأحسن مرغوب ما يُدخل عليهم السعادة الأبدية فيتمتعون بشيء منها في دنياهم ويكون مآلهم رضا لا يُنزع عنهم ولذا قال الله في الحديث القُدسي: إنّي قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد الحمدلله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله تعالى أثنى علّى عبدي وإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى مجدّني عبدي وإذا قال إيّاك نعبد وإيّاك نستعين قال الله تعالى هذا بيني وبين عبدي وإذا قال اهدنا الصراط المستقيم قال الله تعالى هذا لعبدي و لعبدي ما سأل، ولكن العبرة أن نحقق المعاني السابقة من الفاتحة، ولذا قال الله تعالى في الحديث القدسي عند مسلم بسنده لأبي ذر: قال الله يا عبادي كلكم ضال إلاّ من هديته فاستهدوني اهدكم، من لم يفزع قلبه إلى ربه فهو ضال، من لم يُخلص العبودية لربه فهو ضال، فالهداية هي أغلى مطلوب يتوجه العبد فيسأل ربه وأحسن مرغوب على وجه الدوام والاستمرار، فالإنسان قبل ان يسأل ويدعو المطلوب منه أن يحمد ويثني وهذا من آداب الدعاء المدح والثناء على الله في الغائب ثم جاء الخطاب إيّاك ومن الحُسن من الكلام أن يكون الثناء في الغيبة ويكون الطلب بالحضور.

أصل الهداية في العربية الإمالة انّا هُدنا إليك، يعني إنّا مِلنا إليك، خرج النبي عليه الصلاة والسلام وهو يتهادى بين رجلين أي يتمايل بين اثنين .

والهدية سُميت هدية لأنها تخرج ولانها تُميل قلب من تعطيه إياها. والهدى سُمى هدى لأنه يمال به من الحِل إلى الحرَمِ، معنى اهدنا أي يا رب اجعل قلبي يميل إليك. السر في الجمع باهدنا طوّل فيه ابن كثير، الأمّة فيها الأولياء والعُبّاد والعُلماء وفيها من خلط عملاً صالحا بآخر سيئا وفيها الفاجر والفاسق وكل هؤلاء يقرئون الفاتحة سبعة عشر مرة كلهم يقولون اهدنا الصراط المستقيم، وفي حديث ابن عباس في صحيح مُسلم: “ما قرأت بحرف من الفاتحة إلا اُعطيته، بعض الفجرة والفسقة هذا الظنّ إن قرأ يكون دعاؤه مُعلقا إن قال اهدني، ولكن من بركة الله على هذه الأُمة ان هذا الدعاء جاء بالجمع فلا بد أن يكون في الأُمة من على صلاح وعلى هداية وعلى خير فإن قال اهدنا يستجيب الله له ولازم هذه الإستجابة ان ينتفع بها كل من حضر فكما ان الجماعة تنفع العبد في أُخرى فإنها تنفع العبد في دنياه، فالجماعة كلها بركة؛ لذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: الجماعة رحمة، بل جعل النبي عليه الصلاة والسلام الأُمة كلها جماعة، لا يحل امرؤ مُسلم إلاّ بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثّيب الزاني والتارك لدينه المُفارق للجماعة ، وفي قولنا: اهدنا الصراط إشارة لطيفة إلى جواز الدعاء للغير حتى قالوا الدعاء الذي يُستجاب هو الدعاء الذي يخرج من لسان لم يعصِ الله في صاحبه فيه؛ ولذا يُبين النبي عليه الصلاة والسلام إذا دعا الرجل لأخيه فإن المَلًك يقول: ولك بمثله“.

إذا أردت أن يستجيب الله لدعائك فادعو ما تحب لمن تحب. وفي قول النبي عليه الصلاة والسلام: ما حسدتكم يهود على شيء كما حسدتكم على التأمين، حسدتنا لأننا ندعوا لبعضنا بعضاً وأن قلوبنا مُعلقة بالله.

الذي يستقرأ الكتاب يرى ان المؤمنين معلقة قلوبهم بالمُنعِم، قلوبهم معلقة بالمُسبب لا بالسبب فيصل الى درجة الرضا عن الله عند مسلم في صحيحه قال عليه الصلاة والسلام: ذاق طعم الايمان من رضي بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، والخوف من هذا الحديث من مفهومه لا منطوقه، ومفهومه الذي لم يجد طعم الايمان لم يرضى بالله ربا وبالاسلام دينا وبالنبي عليه الصلاة والسلام نبيا، من حقق التبرؤ من الشرك والحول لابد أن يذق ويرضى، وإن أهل الكتاب معلّقة قلوبهم بالنعمة يا بني اسرائيل اذكروا نعمة الله عليكم، أمّا نحن اذكروني اذكركم.

مسألة هل يجوز طلب الدعاء من الغير؟

الناظر إلى الأدلة يجد ان في المسألة تفصيل هنالك ما يأذن ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، اهدنا الصراط المستقيم، أن تُبادر الدعاء لأخيك فهذا لا حرج فيه وإنّ طلب الدعاء كان معروفاعند السابقين قال تعالى ادعو لنا ربك، يا أبانا استغفر لنا، وفي آثار عن الصحابة ورد فيها المنع، قال رجل لعمر يا عمر ادع الله لي قال له عمر لا أُّمة لك أدع لنفسك لست بنبي، وجاء رجل لحذيفة بن اليمان قال له ادع الله لي فقال حذيفة هذا يرجع إلى ازواجه يقول دعا لي حذيفة قال له ادع لنفسك لست بنبي .

قيل لطاووس ادع الله لي قال طاووس أّمن يُجيب المضطر إذا دعاهادع لنفسك .

والصواب في المسألة أن طلب الدعاء من الغير لا حرج فيه شريطة ألاّ يُرفع عن منزلته وألاّ يُظن ظناً زائدا عن مقداره، ولذاقال عمر: أنا لست بنبي لا تتعلق قلوبكم بي. وهذا في لفتة في قول حذيفة لمّا قال: هذا يرجع إلى أزواجه يقول دعا لي حذيفة أي أنزل حذيفة فوق منزلته وافتخر بدعائه فلمّا لاحظ حذيفة هذا الملحظ قال له ادع لنفسك. وفي قول طاووس لمّاجاءه مُبتلى قال له ادع الله لي، حين عَلِم ان الطالب قلبه مُعلق بالمطلوب قال له ادع الله عزوجل، ويجوز لك أن تدعو الله بصالح عملك، اللّهمّ اني أسألك بحبي لدينك أوبحبي لنبيك، ولك ان تسأل الله بأسمائه والدليل ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث الغار فكل واحد منهم سأل الله ان كنت تعلم أنّ هذا العمل خالصا لوجهك ففرّج عنّا ما نحن فيه، الشاهد أنّ العبد في الضيق والشدّة قلبه معلق بالله لابغيره،ن فالعبد حال البلاء يعرض نفسه على ربه ولا يشكو ويرضى بقضائه وقدره ولذا من وقع في شدّة فعليه بدعاء ذي النون يونس عليه السلام: لا اله الاّ أنت سبحانك اني كنت من الظالمين، وهذا ذكر لله وتنزيه له واعترافاً بالضعف والعجز.

أخبرنا الني عليه الصلاة والسلام في صحيح ابن حبان من حديث ابي هريرة: ان ايوب مكث في بلائه سبعة عشر سنة فقذره الناس الا رجلان من خواصه كان يُمسي به واحد ويصبح به آخر فاجتمعا ذات يوم فقال أحدهما للآخر انّ أيوب أذنب ذنبا لن يغفره الله له، فزوّر من سمع أن يخبر أيوب فامّا رأى أيوب أخبره فنظر أيوب في أعماله ثم قال والله اني لا أعلم ما يقول، والله اني كنت أمر بالرجلين فيحلف أحدهما بالله فارجع الى بيتي فأكفّرعن يمينه مخافة أن يذكر الله الا بحق.

ما الفرق بين المبتلى والمعاقب؟

العقوبة يعقبها ضعف وتشتت وحرمان وخور وشقاء، والذي يعقب البلاء خير وتمكين لما قال الله ليوسف وكذلك مكنّا ليوسف، وأن تترسم مقدمات النصرلقول الله سبحانه لنبيه الاّ تنصروه فقد نصره الله، ولذا يونس حين وقع في البلاء أقرّ بالذنب الصحوب بالندامة على ما فرط، كما في حديث ابن مسعود عند أحمد في البزار الندم بركة وقال عليه الصلاة والسلام اذا سرتك طاعتك وساءتك معصيتك فأنت مؤمن، ويختلف الذنب بتفاوت قُرب صاحبه من ربه فكلما علت منزلته فالتقصير في حقه يعظُم كما قال ابن مسعود للتابعي: رأينا لكم أفعالا كانت بالنسبة الينا كالجبال وهي في حقكم كانها ذبابة فجاءت على أنف احدكم فقال بها هكذا، فالتوبة بداية الخيرلا تكون في ترك الذنوب والمعاصي فقط بل التوبة من ترك المأمور وفي حق هذا اوجب، فهذه من معاني اهدنا.

ما معنى الهداية؟

ان توجد القدرة في النفس على الطاعة.

في الإنسان قوتان : قوة تصّور وقوة إرادة .

قوة التصور: هي ان تتخيل الأمور وتُنزلها منزلتها، إن صلّى الإنسان السّنة دون الفروض فهو ضال بقوة التصور ولو صام كل السّنَة وترك رمضان فهو ضال بقوة التصور لأنها لم تخضع إلى الشريعة .

كما قال البعض: الشرع ولّى العقل ثم عزله، فالشرع قاض والعقل شاهد ويجوز للقاضي ان يطرد الشاهد متى شاء، فالعلم قاضي على العقل، لأن العلم هو الذي يَضبط قوة التصور عند الإنسان. والقوة الثانية هي قوة الإرادة: القوة العملية ، الإنسان حتى يستقيم أمره ويجمع قوته على ربه وهذه نعمة عظيمة دعا بها الأنبياء فقال: رب أوزعني ان اشكر نعمتك التي أنعمت عليّ و على والديّ وأن أعمل صالحا ترضاه، ما معنى أوزعني ؟

أجمع قواي عليّ .

الفاتحة فيها ذكر أركان الإيمان الستة وانواع التوحيد الثلاثة . حين تقول اهدنا فأنت ضعيف، الأمر بيد الله، فمذهب أهل السنة والجماعة في القضاء والقدر مذهب وسط بين الجبرية والقدرية، الجبرية تقول ان الإنسان في هذه الحياة كالريشة في مهب الريح لا قدرة له ولا إرادة له كل شيئ مجبور عليه وهؤلاء ضالين.

أما القدرية يقولون الإنسان يخلق أفعاله الله ليس لإرادته دخلٌ في عمل الإنسان وهؤلاء ضاليّن.

أمّا مذهب أهل السنة للإنسان إرادة ولله إرادة وإرادة الله غالبة وحُكم الله على الإنسان بعمله المُسبق الذي لا يتخلف، فالضلال والهدى والخيركله من خلق الله والله خلقكم وما تعملون، لكن قدرة الله الكونية وقدرته الشرعية، فالذي يشرب الخمر لا يشربه الا بقدرة الله الكونية.

حين تقول: اهدنا الصراط المستقيم، السؤال ما هي أقسام الهداية؟

  • هناك هداية عامّة بها تُصلح شؤون الكون والذي قدّر فهدى، قال الله تعالى: فمن ربكما يا موسى، قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثمّ هدى، هداية عامّة للدّواب والاشجار والافلاك والبحار والكون يجري على وفق هداية الله له.

  • النوع الثاني من الهداية: الله يقول لنبيّه: وانك لتهدي الى صراط مستقيم، ويقول له: انّك لاتهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء، هل هناك تعارض؟ مَعاذَ الله، فالهداية مُثبتة بالآية الاولى غير الهداية المنفية في الآية الثانية، فالهداية المثبة للنبي عله الصلاة والسلام هي هداية الدلالة والبيان والذي يقوم بذلك الانبياء ومن ورثهم من العلماء وأعوان العلماء من الخُطباء والوعّاظ يدلّون الخلق على الحق قال تعالى: وانك لتدعوهم الى صراط مستقيم.

  • امّا أسمى الهدايات فهي المقصودة أصالة اهدنا الصراط المستقيم“: وهي هداية الالتزام والتوفيق وهي بيد الله تعالى وحده وليست بيد رسول الله، فمعنى قوله تعالى في القصص:وانك لاتهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء، لاتجعل يا محمد من شئت موفقا ملتزما الا ما يحب الله ويرضى ، فالنبي عليه الصلاة والسلام أراد هداية ابوطالب قبل أن يموت ولكن ما أراد الله له الهداية فلم يمت على الاسلام، ولكن أراد الله سبحانه لسليمان الفارسي الهداية.

الهداية في المعاني الثلاثة المذكورة هي الهداية في الدنيا وهناك هداية في الآخرة وهي للمؤمن والكافر، أمّا هداية المؤمن كما في سورة محمد: الذين قُتلوا في سبيل الله سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرّفها لهم، يهديهم الى منازلهم في الجنة. اما الكافر قال تعالى: احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم الى صراط الجحيم، ما معنى أزواجهم؟ يعني أمثالهم وعلى أشكالهم، أنزلوهم منازلهم في جهنّم.

من كان مهدّيا ومصليّا لماذا يقول: اهدنا الصراط المستقيم؟ البعض قال المراد الثبات، ثبّتنا يا الله على الصراط وزدنا منه على وجه نُحَصّل ما لم نُحَصّله، فان الذي فاتنا منه أكثر من الذي نحن فيه كما قال جلّ في علاه والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم.

حاجة الناس للهداية حاجة متجددة كحاجة الابدان للطعام والهواء، وحاجة القلب متجددة للهداية لذا يقول في كل الصلوات اهدنا الصراط المستقيم، فالعبد على الرغم انه في الطريق فهو بحاجة أن يبقى فيه فهو يدعو الله أن يهديه هداية التوفيق والالتزام بالرغم من أنه على الصراط. العبد يعتريه نسيان وغفلة فهو دائما بحاجة الى الله فهو حين يقول اهدنا الصراط المستقيم، وقت الظهر غير وقت العصر غير وقت الغرب، فالحاجة متجددة مستمرة دائماً وتختلف في كل شؤون الدنيا مع الجميع، تختلف من وقت الى وقت في كل موقف مع كل أحد، فنحن نحتاج الهداية ونحن على الصراط.

يقول شيخ الاسلام رحمه الله: وانّما فُرض على المُكلف من الدعاء المتجدد الذي يتكرر بتكرار الصلوات بتكرار الركعات فرضها ونفلها وهو الدعاء الذي تتضمنه ام القرآن وهو قوله تعالى: “اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، لان كل عبد مضطر دائما الى مقصود هذا الدعاء وهو هداية الصراط المستقيم فانه لا نجاة من العذاب الا بهذه الهداية ولا وصول الى السعادة الا به، فمن فاته هذا الهدى فانه إمّا من المغضوب عليهم وإمّا من الضالين، وهذا الاهتداء لا يحصل الا بهُدى من الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وهذه الآية مما يبين به فساد مذهب القدرية يزعمون أن العبد يفتقر في حصول هذا الاهتداء بل كل عبد عندهم فهو ما يُحَصل به الطاعة والمعصية لا فرق عندهم بين المؤمن والكافر ولم يخص الله المؤمن عندهم بهدي حصل به الاهتداء والكلام عليهم مبسوط في غير هذا الموضع. وقال المقصود هنا: ان كل عبد فهو مُفتقر دائما إلى حصول هذه الهداية، وأمّا سؤال من يقول فقد هداهم إلى الإيمان فلا حاجة إلى الهُدى وجواب من يُجيب بأن المطلوب دوام الهُدى فكلام من لم يعرف حال الإنسان وما اُمر به فإن الصراط المستقيم حقيقته أن تفعل كل وقت ما أُمرت به في ذلك الوقت من علم وعمل ولا تفعل عن ما نُهيت عنه وإلى أن يحصل له إرادة جازمة لفعل المأمور وكراهة جازمة لترك المحذور وهذا العمل المُفّصل والإرادة المُفصّلة لا يُتصور أن يجعل للعبد في وقت واحد، بل كل وقت يحتاج أن يجعل الله في قلبه من العلوم والإرادات ما يُهدى به في ذلك الوقت، نعم حصل له هُدى مُجّمل بأن القرآن حق وأن الإسلام حق ولكن هذا الهُدى مُجمل لا يُغنيه إن لم يحصل له هُدى مُفصل في كل ما يأتيه ويذره من جزيئات التي يَحار في كثير منها أكثر عقول الخلق التي تغلبه الهواء والشهوات لغلبة الهوى والشهوات على النفوس.

قد تبين من سورة الفاتحة شيء من عِظم هذه السورة والذي نجهله أكثر بكثير مما نعلمه وهذه السورة الناظر في مقاصدها الأصلية ان الله جلّ في عُلاه وقد تدرج بالنعمة علّمهم أن يحمدوه بكلامه وهذه نعمة الحمد ثم نعمة العبادة ثم نعمة الهداية ثم تّم الأمر على خير وجه بالنعمة، وهي شبيه بقول الله: اليوم أكملت لكم دينكم واتتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا .

ما هي أسباب الهداية ؟

هي ما ذُكِر قبل اهدنا الصراط المستقيم:-

  • محبة الله من الحمد ثم رجاء رحمة الله من الرحمن الرحيم، ثم الخوف من الله من مالك يوم الدين، ثم عبادة الله ثم الاستعانة بالله.

اختلف المُفسرون في تفسير الصراط المستقيم، ولكن هذا اختلاف تنوع وليس خلاف تضاد، منهم من قال الصراط المستقيم هو الدين، من قال الإسلام من قال الإيمان من قال القرآن من قال العمل الصالح، الصراط هو الاسلام الصحيح الخالي من الزيادة والنقصان النقي من البدعة والخرافة الذي يوصل الى رضا الله والجنّة.

( الصراط) فيها قراءات من السبعية المُتواترة، تُقرأ بالسين (السراط) وتُقرأ بالزين (الزراط).

الصراط في اللغة من صرط سواء بالسين او الزاي فهذا هو الإبدال إبدال السين صاد، في مُعجم مقياس اللغة يقول السين والراء الطاء اصل له معنى واحد يدل على غيبة في ممر وذهاب من ذلك قولهم صرطت الطعام يذهب إلى الجوف ويغيب لأنه إذا صُرط غاب فالصراط يسع الناس كلهم وهم يمشون فيه ويغيبون من سِعته ما معنى الصراط قال النقّاش هي الطريق بالرومية وهذا خطأ لا يوجد في القرآن كلمة غير عربية فالطريق غير الصراط وغير السبيل.

ما الفرق بين الصراط والطريق والسبيل ؟

  • الصراط : طريق موصل لا إلتواء فيه ولا عِوج ، قد يكون مطروقا وقد يكون غيرمطروق فهو طريق واسع يتسع جميع الذين يمشون فيه وقد يكون في داخله عدة طرق موصلة فلما اتسع وتشعّب وكان له طرق كثيرة وُصف بالإستقامة فالصراط يتسع جميع الطرق.

  • الطريق: قد يوصل وقد لا يُوصل وقد يكون فيه إلتواء وفيه وُعروة، ويمكن للطريق ان يضيق حتى لو أن الطريق كان واسعا وسهلا غيرملتوٍ ويسع ويُوصل لو لم يُسلك فيبقى صراطاً لذا آخر الناس في مكان الغُربة لا يوجد إلّا قلّة من المُهتدين ماذا يقولون اهدنا الصراط المستقيم، سُلِك أم لم يُسلك، السلوك أو عدمه لا يُؤثر على كونه صراطا مستقيما.

  • السبيل : دائما يكون مسلوكا فالصراط منازل وسُبُلُ كلها متآلف غير مختلف قال الله: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلُنا، هذه الُسُّبُل جزء من الصراط وهي سُبُلُ مطروقة ، بعض ما في الصراط مطروق وبعضه غير مطروق ولذا قضت سنّة الله في كل مئة عام يأتي مُجّدّد يُجددّ لها أمر دينها فالمكان الذي في الصراط ليس بسبيل يجعله سبيلاً فهو يُحولها بإجتهاده فيجعلها سُبُل مطروقة، فالصرط سُبُل وزيادة الداعية يحتاج حتى يكون موفقا ان يمشي في سبيل وتكون عنده تجارب دعوية؛ لذاعلّمنا الله ان نقول اهدنا الصراط المستقيم.

لماذا قال الله عز وجل قل هذه سبيلي ادعو إلى الله؟

لأن الدعوة تحتاج إلى تجارب سابقة؛ لذا لمّا لقى النبي عليه الصلاة والسلام موسى قال له موسى بما أمرك ربك؟ قال أمرني بخميسن صلاة، قال يا محمد إنهم لا يستطيعون ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف إنك ما بلِوت الناس يعني هذا الطريق ما سلكته بعد لذا الدعوة إلى الله ناسب ان يكون قوله هذه سبيلي، أنا امشي في دعوة الله طريق مسلوك سلكه من قبلي من الأنبياء لذا قال الله وأن ّ هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعُ السُبل؛ لأن الإنسان بحاجة إلى دين فمن لم يكن على هداية كان على ضلالة، وكان الناس كأسراب القطى يتبع بعضهم بعضا حتى الذي لا عقل له فيُقلد غيره؛ ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في شرح الحديث عن الطبراني كان النبي جالسا بين أصحابه وبيده عود فخط خطا مستقيما وعلى يمين الخط المستقيم خطوط متعرجة وقصيرة وعلى يساره خطوط قصيرة متعرجة وقرأ قوله تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوهوأشارإلى الخط الطويل المستقيم ثم قرأ

ولا تتبعوا السُبل فتفرق بكم، واشار إلى الخطوط القصيرة المتعرجة التي على يمين الخط المستقيم أصحاب الغلو والتي عن يسار الخط المستقيم اصحاب الشهوات وكلاهما خارج عن الصراط المستقيم ثم قال عليه الصلاة والسلام إن على رأس كل سبيل شيطان يدعو له ولم يبقى إلاّ مؤمن واحدا إلا ان يقول اهدنا الصراط المستقيم .

فائدة المستقيم : الصراط لا يلزم فيه الاستقامة لذا جاء النعت خارجاً عنه، فالخط المستقيم من صفاته: أنّه أقرب طريق موصل، لا يوجد طريق أقرب إلى الله ولا يوجد طريق أقرب إلى الجنة من هذا الطريق. والمستقيم لا يقبل التغيير فالحق يبقى حقاً، فالثوابت الشرعية تبقى هي كما هي. تميز الخط المستقيم عن كل الأمور المُنحرفة عنه ولذا هذا الفرد الذي يسأل ربه الصراط المستقيم متميز في هذه الأمّة عن سائر الناس لأنه يسأل بفهم وعلم ويعمل بمُقتضى ما يسأل .