الدرس السادس والسابع والثامن

شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري

تكملة حديث 7058 وشرح حديث 7059

الدرس السادس والسابع والثامن

للشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله تعالى

أخرج ابن أبي شيبة في المصنف أن أبا هريرة كان يمشي في السوق ويقول: “اللهم لا تدركني رَأْسُ السِّتِّينَ وَإِمَارَةُ الصِّبْيَانِ“.

واستجاب الله تعالى لدعاء أبي هريرة ومات سنة تسعة وخمسين، ويزيد ابن معاوية الذي ولىّ الصغار وُلِيَّ سنة الستين وتحولت الخلافة إلى الوراثة؛ وهذا المراد بقوله بحديث ثوبان:”

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه؛ قال: كنا قعوداً في المسجد، وكان بشير رجلاً يكفُّ حديثه، فجاء أبو ثَعلبة الخشنِي، فقال: يا بشير بن سعد! من يحفظ حديث رسول الله في الأمراء؟

فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته؛ فجلس أبو ثعلبة، فقال حذيفة: قال رسول : «تكونُ النُّبُّوةُ فِيكم ما شاءَ اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفعُهَا اللهُ إذا شاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثمَّ تَكُونُ خِلافةٌ على مِنْهَاجِِ النُّبوَّةِِ، فَتَكُون ما شاءَ اللهُ أنْ تَكُون، ثمَّ يَرْفعُهَا إذا شَاءَ أنْ يَرفَعَهَا، ثمَّ تَكونُ مُلكاً عاضاً1، فتَكُونُ ما شَاءَ اللهُ أن تَكُونَ، ثم يَرْفَعُها إذا شَاءَ اللهُ أن يَرْفَعَهَا، ثمَّ تكونُ مُلْكَاً جبرياً 2 ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أنْ تَكونَ، ثمَّ يرفَعُهَا إذا شَاءَ أن يرفَعَها، ثم تَكُونُ خِلافةٌ على مِنْهَاجِ النُّبُّوةِ» ثم سكت3.

قال حبيب: فلما قام عمر بن عبد العزيز وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته؛ فكتبت إليه بهذا الحديث أُذكِّره إيَّاه، فقلت له: إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين؛ يعني: عمر بعد الملك العاض والجبري، فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز؛ فٌسِّر به، وأعجبه 4.

فالظاهر من كلام أبي هريرة عقب ما ورد من الحديث ومناقشته لمروان بن الحكم، المراد من كلامه من هم من أولاد الحكم بن مروان.

ويزيد وقع عليه خلاف شديد من أهل العلم ولا يجوز لعنه وله وعليه، والشيعة يبالغون ويغالون في ذم يزيد.

ومن الكلمات الجامعة التي نبه عليها الشيخ مرعي الكرمي في كتابه الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعةوقد نقل كلام جمع من المحررين كلمات في بيان ما يزعمه الرافضة في الكذب على يزيد.

يقول: الآثار التي يذكر فيها أن رأس الحسين حمل إلى الشام ووضع بين يدي يزيد، قال وإنما حمل رأسه الشريف إلى قدام عبيدالله بن زياد في الكوفة، وكان جاء بعده، وهذا الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه فرأس الحسين ما جئء به إلى يزيد.

في البخاري خلاف ما شاع عند الشيعة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية أما حمل رأس الحسين إلى الشام فقد روي بوجوه منقطعة لم يثبت شيء منها. ومن هذه الروايات الكاذبة المختلقة يذكر فيها أن يزيد جعل ينكث بالقضيب بين ثناياه.

وأن بعض الصحابة الذين حضروا كأنس بن مالك، وأبي برزة أنكروا ذلك عليه وهذا تلبيس.

والذي فعل ذلك هو عبيدالله بن زياد وليس يزيد، وهو من ذرية الحكم بن العاص. ومما يوضح هذا أن أنس وأبا برزة لم يكونا حينئذ بالشام، كانا في البصرة في العراق حين جيء برأس الحسين وإنما الكذابون جهال بما يستدل به على كذبهم.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وأما حمل الرأس إلى مصر فباطل بإتفاق الناس، وقد اتفق العلماء كلهم على أن هذا المشهد الذي بقاهرة مصر الذي يقال له مشهد الحسين باطل ليس فيه رأس الحسين ولا شيء منه، وإنما افتعل هذا المشهد في أواخر الدولة الفاطمية لاستجلاب قلوب العامة بناه طلائع بن رزيق الرافضي.

وإنما أحدث في أواخر دولة بني عبيد الله بن القداحالذين كانوا ملوكا بالديار المصرية مائتي عام إلى أن انقرضت دولتهم في أيام نور الدين محمود وكانوا يقولون إنهم من أولاد فاطمة ويدعون الشرف وأهل العلم بالنسب يقولون ليس لهم نسب صحيح ويقال إن جدهم كان ربيب الشريف الحسيني فادعوا الشرف لذلك.

قال الزبير بن بكار:” إن الرأس حمل إلى المدينة المنورة ودفن هناك

وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية لما ذكر ما ذكره الزبير بن بكار: إن الرأس حمل إلى المدينة فلم يصح سواه. والزبير أعلم أهل النسب وأفضل العلماء بهذا النسب.

الشاهد أبا هريرة رضي الله تعالى عن كان يتعوذ من امارة السفهاء.

بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ

7059 حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَنَّهَا قَالَتْ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ مِنْ النَّوْمِ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَعَقَدَ سُفْيَانُ تِسْعِينَ أَوْ مِائَةً قِيلَ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ.

تبويب الإمام البخاري رحمه الله لهذا الباب في كتاب الفتن كعادته في سائر صنيعه قطعة من حديث النبي قال البخاري باب قول النبي : “وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَهي جزء من الحديث الذي أسنده إلى زوج النبي زينب بنت جحش ثم ساقه بطوله.

خرج البخاري رحمه الله في صحيحه أكثر من ستمائة ألف رواية، وتعب في كتابه تعباً شديداً؛ وكان كلما وضح حديثا في صحيحه صلى ركعتين وتأنى وتامل؛ ومن يطعن في صحيح البخاري مطعون فيه مغمودٌ في عقله ودينه وحبه لهذه الأمة، وإن ضياع بعض بلاد المسلمين أهون من الغمد في صحيح البخاري.

وذكر الفتنة مقصود بها فتنةٌ خاصة في آخر الزمان لما تفقد الأمة العلماء الذين يستضاء بهم وهم في الحقيقة يعرفون الفتن قبل وقوعها، كما أسند أبو نعيم في الحلية قال الحسن البصري: “عن زُرَيْكُ بْنُ أبي زُرَيْكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: “إِنَّ هَذِهِ الْفِتْنَةَ إِذَا أَقْبَلَتْ عَرَفَهَا كُلُّ عَالِمٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَرَفَهَا كُلُّ جَاهل“. 5

من أسباب إنتشار الفتن قلة العلم والعمل، والعقل يضيع في الفتنة والناس يخوضون ولا حلم ولا علم ولا عقل؛ ويتتابع الناس بعضهم وراء بعض، وتأتي أشياء عجائب غرائب نستغرب كيف يفعلونها الناس.

في زمن النبي بدأ الخير وانطلق في جزيرة العرب؛ فالعرب هم حملة هذه الرسالة.

والحديث فيه لطيفة فيه زوجتاه وزينبتاه زينب الربيبة وزينب الزوجة، وزوجتاه أم حبيبة تروي عن زينب بنت جحش.

والعجيب أن الحديث عند الحميدي أخرج سنده من طريق ابن عيينة عن عروة عن زينب بنت سلمة عن حبيبة بنت أم سلمة عن أم حبيبة عن زينب فزاد حبيبة بنت زينب وأم حبيبة.

لذا قال الإمام البخاري: رضي الله عنهنَّ؛ وهنا يجوز أن يقول لتابعي رضي الله عنه تبعا لغيره أمّا استقلال حتى يظن الناس أنه صحابي فلا، وإن كانت المقولة صحيحة رضي الله عنه لكن كشعار هي خاصة بالصحابةالصحابي لا نقول عنه ﷺ، هي معناها صحيح، لكن هي شعار النبي محمد ﷺ، ولا يجوز أن نقول له جلَّ وعلا، لكن معناها صحيح لغةً؛ نبينا محمد جليل وعزيز جلالة وعزة تليق به وليست الجلالة المطلقة التي هي لله تعالى، لكن كاصطلاح خاص بالله جل في علاه فهذا مصطلحا خاص إذا ذكر فلتةً لا حرج.

وإن ذكر التابعي مع الصحابة رضي الله عنهما لا حرج، أما التخصيص باستمرار بحيث يتوهم الناس أنه صحابي فلا.

التابعي يقال عنه رحمه الله، والصحابي رضي الله عنه والنبي عليه السلام أو وهو الأتم (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وعن الله عز وجل سبحانه وتعالى أو جلَّ وعز أو جل وعلا وما شابه.

اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

الظاهر في تلك الليلة لما رأى النبي ما رأه كانت ليلتها، بات النبي عندها، تقول: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ مِنْ النَّوْمِ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ أي استيقظ متألماً ألماً شديداً حتى بدا على وجهه واحمر من شدة ألمه مما رأى في المنام، إذا رؤيا الأنبياء حق لابد أن تقع؛ والشياطين لا يتلاعبون في الأنبياء،

تأثر على من لم يدرك من أمته ممن سيشاهدون من الفتن، وفتنة يأجوج ومأجوج فتنة عظيمة للغاية والنبي يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كلمة الإخلاص فيها النجاة من عذاب الله، والنجاة من الفتن، وفي هذا إشارة أن الإنسان إن أكثر من الذكر في وقت الفتنة فأمرٌ حسن.

ففي وقت الفتنة لما تكون غير خاضعة لعقل وتموج الأمور كموج البحر لا يمكن للإنسان أن يقف في وجهها يغيرها؛ فعلى الإنسان أن يكثر من الذكر ومن العبادة.

عن معقل بن يسار أن النبي قال: “الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجَ كَهِجِرَةِ إِلَيَّ“.6 فالنبي قبل أن يطلع في منامه من حال أمته وما سيقع في آخر الزمان بدأ بالذكر بقول لا إله إلا اللهكلمة الإخلاص التي فيها النجاة من الفتن ومن عذاب الله.

قوله: “وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ. الويل كلمة وعيد يتوعد النبي العرب مما سيلحق بهم لا سيما آخر الزمان.

وخص النبي وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ:

  1. العرب لأن الله أطلعه أن الفتن ستصيهم.

  2. ولأنهم حملة الرسالة.

  3. ولأنهم أول من دخل في دين الله سبحانه وتعالى.

هناك إشارة في قوله وَيْلٌ لِلْعَرَبِ أن وقع الفتن قريب عهد بوفاته فالكثرة الكافرة من المسلمين أبانت أخباره في هذا الحديث هم العرب.

قال حُذَيْفَة بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ عُمَرَ إِذْ قَالَ أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ النَّبِيِّ فِي الْفِتْنَةِ قَالَ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ لَيْسَ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ وَلَكِنْ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ قَالَ لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا قَالَ عُمَرُ أَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ قَالَ بَلْ يُكْسَرُ قَالَ عُمَرُ إِذًا لَا يُغْلَقَ أَبَدًا قُلْتُ أَجَلْ قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ قَالَ نَعَمْ كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً وَذَلِكَ أَنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ مَنْ الْبَابُ فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ مَنْ الْبَابُ قَالَ عُمَرُ7

وقفل الفتنة للأمة هو عمر رضي الله عنه، فإذا مات عمر إنفك القفل وبدأت الفتن تموج في هه الأمة موج البحر لاسيما إذا كان عمر يقتل ولا يموت، ولما سمع الصحابة قول الله لا سيما عمر رضي الله عنه “{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3]” عمر رضي الله عنه بمجرد ما سمع هذه الآية بكى وقال: والله ما بعد الكمال إلا النقصان. والنقصان هو الفتنة. تتجلى الفتنة من أن ينقص من دين الله جلَّ وعلا.

فتوعد النبي للعرب مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، القرن والقرنان في حياة الأمم كالسنة والسنتين في حياة الأشخاص، فالأمر ليس ببعيد، قريب والنبي بعث في آخر الزمان، والمتبقي من الدنيا أقل بقليل مما مضى وذهب، وهذا الشر الذي اقترب لهذه الأمة، وهي فتنة عظيمة لايمكن لأحد أن يوقفها إلا الله جل وعلا، البشر لا يقدرون على إيقاف هذه الفتنة لعظمها، ولأنها تنال الناس كلهم لاسيما العرب.

والفتنة كما قال النبي : [عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّ النَّبِيَّ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» وَعَقَدَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ عَشَرَةً، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ»].

في رواية عند البخاري في كتاب حديث الأنبياء برقم 3346 قالفُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وحلق بأصبعيه الإبهام والسبابة أو الإبهام والتي تليهاهذا التحليق هو التسعين.

العرب كانت تعد بطريقة بالأيدي، يعدون بالآلاف، يجعلون اليسار للمئات والألوف، واليمين للآحاد والعشرات وإذا أرادوا أن يقولوا ألف وكذا، اليمين والشمال، وإذا أظهر الحركتين باليمين والشمال أظهر أنه يعد إلى ما قبل المليون زمن.8

فالمراد بالتسعين وضع السبابة مع التي يليها قوله أو مائة وضع الخنصر في أصل الإبهام، فالحركة هي هي، الشك وقع من الراوي فيما علم ان عقد النبي في يمناه أو بشماله وهذا الشك قريب جدا لما عقد التسعين وعقد المائة.

يريد من قوله: “فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِيعني فتح شيئاً قليل مثل هذه الحركة.

يأجوج ومأجوج قبيلتان عظيمتان من ولد أياس بن نوح. هما موجودتان، لا يمكن لأحد أن يجزم أين هما. حبسهما ذو القرنين وهما مذكورتان في موطنين من كتاب الله في سورتي الكهف والأنبياء. إذا فتحت يأجوج وماجوج يأتون من كل مكان ينسلون أي يمشون بعجل.

عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: شَكَا نَاسٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، كَثْرَةَ الْمَشْيِ فَدَعَا لَهُمْ، وَقَالَ: “عَلَيْكُمْ بِالنَّسَلانِ، قَالُوا: فَنَسَلْنَا، فَوَجَدْنَاهُ أَيْسَرَ عَلَيْنَا9 أي المشي الذي فيه شدة دون ركض، وهي وصايا طبية يقولها كل الأطباء لعلاج كثير من الأمراض والنبي أرشدنا لهذا.

حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ؟

قَالَ: “يَأْجُوجُ أُمَّةٌ، وَمَأْجُوجُ أُمَّةٌ، كُلُّ أُمَّةٍ أَرْبَعُمِائَةِ أَلْفِ أُمَّةٍ، لا يَمُوتُ الرَّجُلُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى أَلْفِ ذَكَرٍ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ صُلْبِهُ، كُلُّ وَاحِدٍ قَدْ حَمَلَ السِّلاحَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا؟

قَالَ: ” هُمْ ثَلاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ مِنْهُمْ أَمْثَالُ الأَرْزِ، قُلْتُ: وَمَا الأَرْزِ؟

قَالَ: “شَجَرٌ بِالشَّامِ طُولُ الشَّجَرَةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ ذِرَاعٍ فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : “هَؤُلاءِ الَّذِينَ لا يَقُومُ لَهُمْ حَيْلٌ وَلا حَدِيدٌ، وَصِنْفٌ مِنْهُمْ يَفْتَرِشُ بِأُذُنِهِ، وَيَلْتَحِفُ بِالأُخْرَى، لا يَمُرُّونَ بِفِيلٍ وَلا وَحْشٍ وَلا جَمَلٍ وَلا خِنْزِيرٍ إِلا أَكَلُوهُ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَكَلُوهُ، مُقَدِّمَتُهُمْ بِالشَّامِ، وَسَاقَتُهُمْ بِخُرَاسَانَ، يَشْرَبُونَ أَنْهَارَ الْمَشْرِقِ، وَبُحَيْرَةَ طَبَرِيَّةَ“.10

فصل النبي خروج هاتين القبيلتان في آخر الزمان بحديث طويل جداً أخرجه الامام مسلم في صحيحه.

الإمام البخاري رحمه الله لم يفصل التفصيل الذي فصله مسلم. وذكر يأجوج ومأجوج في روايات اسرائيلية كثيرة فذكر بعض من أسلم من اليهود من التابعين ذكروا أشياء أخذوها عن كتبهم السابقة مثلاً: بعض يأجوج ومأجوج طوله كشجرة الأرز وبعضهم له أذنان يفترش الواحدة ويتغطى بالآخرى وبعضهم طوله الشبر والشبرين لكن الثابت عن النبي وهو من الوحي والغيب الذي أطلعه الله عليه فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول“.

النفس البشرية قوة كاملة تستشرف الغيب فالنفس كما فيها غرائز وشهوات أيضاً تحب استطلاع الغيب، والشرع أملء هذه القوة وأشبعها وأمدها بأخبار تعين المسلم على الإستقامة والخير؛ فجاء التفصيل على أحوال البرزخ والجنة والنار والمحشر وأشراط الساعة والفتن، بعض الخلق يستبدلون الذي هو خير بالذي هو ادنى فيملأون النفس بالخرافات والخزعبلات وهذه أشياء ما أنزل الله بها من سلطان.

من أنكر يأجوج ومأجوج كفر لأنه ينكر القرآن وقد ذكرهم الله في كتابه، والنبي فصل في أحوالهم، في زمن الرسول فتحت يأجوج ومأجوج هذا الردم فحلق سفيان هكذا إما باليمنى وإما باليسرى والراجح باليمنى.

يحفر يأجوج ومأجوج هذا السد فيخرجوا على هذه الأمة فتقع الفتنة لا يستطيعون الخروج لأنهم كلما حفروا لا يستثنون أي لا يقولون إن شاء الله.

كلما فعلوا شيئاً رجعوا فوجدوا السد كما كان، بآخر الزمان يلهم الله بعضهم أن يستثنوا يقول إن شاء الله فيحفر السد ويستطيعون الخروج منه.

في زمن الرسول في تلك الساعة والرسول نائم استطاع يأجوج ومأجوج أن ينقروا هذه الحفرة ورؤياه حق.

وفي هذا إشارة لوجودهم وعدم الجزم بأماكنهم، وفصل النبي لنا حالهم بعد الخروج، ومن المعلوم أن أول الخروج يكون المهدي وفي وقت المهدي يخرج الدجال وأواخر عهد الدجال يحاول دخول المدينة فيجد الملائكة قد أشهرت سيوفها في وجهه لا يستطيع الدخول.

ينزل في حرة من حراتها يواجه في ذلك المكان شاب من أهل الحديث ممن اعتصم بقول النبي .

من أسباب النجاة من الفتنة أن تعرف أحاديث الفتن وتتيقن عليها، ففي حديث النواس ابن سمعان رضي الله عنه الطويل يقول النبي :”لما ينزل الدجال الحرة ثم يدعو رجلا ممتلأً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جَزلَتينِ أو جِزلَتينِ رمية الغرض أي يجعل الجزلتين أو القطعتين ويرمي الغرض الذي يريد من بين الغرض،

قال ابن حجر في فتح الباري:

  • فِي رِوَايَة أَبِي الْوَدَّاك فَيَأْمُر بِهِ الدَّجَّال فَيُشْبَح فَيُشْبَع ظَهْره وَبَطْنه ضَرْبًافَيَقُول: أَمَا تُؤْمِن بِي؟ فَيَقُول: أَنْتَ الْمَسِيح الْكَذَّاب، فَيُؤْمَر بِهِ فَيُوشَر بِالْمِيشَارِ مِنْ مَفْرِقه حَتَّى يُفَرِّق بَيْنَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَمْشِي الدَّجَّال بَيْنَ الْقِطْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُول: قُمْ، فَيَسْتَوِي قَائِمًا“.

  • وَفِي حَدِيث النَّوَّاس بْن سَمْعَان عِنْد مُسْلِم فَيَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعهُ جَزْلَتَيْنِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِل وَيَتَهَلَّل وَجْهه يَضْحَك“.

  • وَفِي رِوَايَة عَطِيَّة فَيَأْمُر بِهِ فَيُمَدّ بِرِجْلَيْهِ ثُمَّ يَأْمُر بِحَدِيدَةٍ فَتُوضَع عَلَى عَجَب ذَنَبه ثُمَّ يَشُقّهُ شَقَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ الدَّجَّال لِأَوْلِيَائِهِ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَحْيَيْت لَكُمْ هَذَا، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَبّكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَأْخُذ عَصًا فَضَرَبَ أَحَد شِقَّيْهِ فَاسْتَوَى قَائِمًا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَوْلِيَاؤُهُ صَدَّقُوهُ وَأَحَبُّوهُ وَأَيْقَنُوا بِذَلِكَ أَنَّهُ رَبّهمْوَعَطِيَّة ضَعِيف.

  • قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ هَذَا اِخْتِلَاف عَظِيم يَعْنِي فِي قَتْله بِالسَّيْفِ وَبِالْمِيشَارِ، قَالَ فَيُجْمَع بِأَنَّهُمَا رَجُلَانِ يَقْتُل كُلًّا مِنْهُمَا قِتْلَة غَيْر قِتْلَة الْآخَر، كَذَا قَالَ، وَالْأَصْل عَدَم التَّعَدُّد، وَرِوَايَة الْمِيشَار تُفَسِّر رِوَايَة الضَّرْب بِالسَّيْفِ، فَلَعَلَّ السَّيْف كَانَ فِيهِ فُلُول فَصَارَ كَالْمِيشَارِ وَأَرَادَ الْمُبَالَغَة فِي تَعْذِيبه بِالْقِتْلَةِ الْمَذْكُورَة، وَيَكُون قَوْله فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِمُفَسِّرًا لِقَوْلِهِ إِنَّهُ نَشَرَهُ.

  • وَقَوْله فَيَقْطَعهُ جَزْلَتَيْنِإِشَارَة إِلَى آخِر أَمْره لِمَا يَنْتَهِي نَشْره.

  • قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ: وَقَدْ وَقَعَ فِي قِصَّة الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِر أَنَّهُ وَضَعَ يَده فِي رَأْسه فَاقْتَلَعَهُ، وَفِي أُخْرَى فَأَضْجَعَهُ بِالسِّكِّينِ فَذَبَحَهُ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَرْجِيح إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى لِكَوْنِ الْقِصَّة وَاحِدَة .

  • قُلْت (ابن حجر): وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِير الْكَهْف بَيَان التَّوْفِيق بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا بِحَمْدِ اللَّه تَعَالَى.

  • قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فَإِنْ قِيلَ كَيْف يَجُوز أَنْ يُجْرِي اللَّه الْآيَة عَلَى يَد الْكَافِر؟ فَإِنَّ إِحْيَاء الْمَوْتَى آيَة عَظِيمَة مِنْ آيَات الْأَنْبِيَاء فَكَيْف يَنَالهَا الدَّجَّال وَهُوَ كَذَّاب مُفْتَرٍ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّة؟

  • فَالْجَوَاب أَنَّهُ عَلَى سَبِيل الْفِتْنَة لِلْعِبَادِ إِذْ كَانَ عِنْدَهُمْ مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مُبْطِل غَيْر مُحِقّ فِي دَعْوَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ أَعْوَر مَكْتُوب عَلَى جَبْهَته كَافِر يَقْرَؤُهُ كُلّ مُسْلِم، فَدَعْوَاهُ دَاحِضَة مَعَ وَسْم الْكُفْر وَنَقْص الذَّات وَالْقَدْر، إِذْ لَوْ كَانَ إِلَهًا لَأَزَالَ ذَلِكَ عَنْ وَجْهه، وَآيَات الْأَنْبِيَاء سَالِمَة مِنْ الْمُعَارَضَة، فَلَا يَشْتَبِهَانِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: لَا يَجُوز أَنْ تُعْطَى أَعْلَام الرُّسُل لِأَهْلِ الْكَذِب وَالْإِفْك فِي الْحَالَة الَّتِي لَا سَبِيل لِمَنْ عَايَنَ مَا أَتَى بِهِ فِيهَا إِلَّا الْفَصْل بَيْن الْمُحِقّ مِنْهُمْ وَالْمُبْطِل، فَأَمَّا إِذَا كَانَ لِمَنْ عَايَنَ ذَلِكَ السَّبِيل إِلَى عِلْم الصَّادِق مِنْ الْكَاذِب فَمَنْ ظَهَرَ ذَلِكَ عَلَى يَده فَلَا يُنْكِر إِعْطَاء اللَّه ذَلِكَ لِلْكَذَّابِينَ، فَهَذَا بَيَان الَّذِي أُعْطِيَهُ الدَّجَّال مِنْ ذَلِكَ فِتْنَة لِمَنْ شَاهَدَهُ وَمِحْنَة لِمَنْ عَايَنَهُ اِنْتَهَى.

  • وَفِي الدَّجَّال مَعَ ذَلِكَ دَلَالَة بَيِّنَة لِمَنْ عَقَلَ عَلَى كَذِبه. لِأَنَّهُ ذُو أَجْزَاء مُؤَلَّفَة، وَتَأْثِير الصَّنْعَة فِيهِ ظَاهِر مَعَ ظُهُور الْآفَة بِهِ مِنْ عَوَر عَيْنَيْهِ، فَإِذَا دَعَا النَّاس إِلَى أَنَّهُ رَبّهمْ فَأَسْوَأ حَال مَنْ يَرَاهُ مِنْ ذَوِي الْعُقُول أَنْ يَعْلَم أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيُسَوِّيَ خَلْق غَيْره وَيَعْدِلهُ وَيُحَسِّنهُ وَلَا يَدْفَع النَّقْص عَنْ نَفْسه، فَأَقَلّ مَا يَجِب أَنْ يَقُول: يَا مَنْ يَزْعُم أَنَّهُ خَالِق السَّمَاء وَالْأَرْض صَوِّرْ نَفْسك وَعَدِّلْهَا وَأَزِلْ عَنْهَا الْعَاهَة، فَإِنْ زَعَمَتْ أَنَّ الرَّبّ لَا يُحْدِث فِي نَفْسه شَيْئًا فَأَزِلْ مَا هُوَ مَكْتُوب بَيْنَ عَيْنَيْك.

  • وَقَالَ الْمُهَلَّب: لَيْسَ فِي اِقْتِدَار الدَّجَّال عَلَى إِحْيَاء الْمَقْتُول الْمَذْكُور مَا يُخَالِف مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْله هُوَ أَهْوَن عَلَى اللَّه مِنْ ذَلِكَأَيْ مِنْ أَنْ يُمَكَّن مِنْ الْمُعْجِزَات تَمْكِينًا صَحِيحًا، فَإِنَّ اِقْتِدَاره عَلَى قَتْل الرَّجُل ثُمَّ إِحْيَائِهِ لَمْ يَسْتَمِرّ لَهُ فِيهِ وَلَا فِي غَيْره وَلَا اِسْتَضَرَّ بِهِ الْمَقْتُول إِلَّا سَاعَة تَأَلُّمه بِالْقَتْلِ مَعَ حُصُول ثَوَاب ذَلِكَ لَهُ، وَقَدْ لَا يَكُون وَجَدَ لِلْقَتْلِ أَلَمًا لِقُدْرَةِ اللَّه تَعَالَى عَلَى دَفْع ذَلِكَ عَنْهُ.

  • وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ: الَّذِي يَظْهَر عَلَى يَدَيْ الدَّجَّال مِنْ الْآيَات مِنْ إِنْزَال الْمَطَر وَالْخِصْب عَلَى مَنْ يُصَدِّقهُ وَالْجَدْب عَلَى مَنْ يُكَذِّبهُ وَاتِّبَاع كُنُوز الْأَرْض لَهُ وَمَا مَعَهُ مِنْ جَنَّة وَنَار وَمِيَاه تَجْرِي كُلّ ذَلِكَ مِحْنَة مِنْ اللَّه وَاخْتِبَار لِيَهْلِك الْمُرْتَاب وَيَنْجُو الْمُتَيَقِّن، وَذَلِكَ كُلّه أَمْر مَخُوف، وَلِهَذَا قَالَ لَا فِتْنَة أَعْظَم مِنْ فِتْنَة الدَّجَّالوَكَانَ يَسْتَعِيذ مِنْهَا فِي صَلَاته تَشْرِيعًا لِأُمَّتِهِ.

  • وَأَمَّا قَوْله فِي الْحَدِيث الْآخَر عِنْد مُسْلِم غَيْر الدَّجَّال أَخْوَف لِي عَلَيْكُمْفَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِلصَّحَابَةِ لِأَنَّ الَّذِي خَافَهُ عَلَيْهِمْ أَقْرَب إِلَيْهِمْ مِنْ الدَّجَّال فَالْقَرِيب الْمُتَيَقَّن وُقُوعه لِمَنْ يَخَاف عَلَيْهِ يَشْتَدّ الْخَوْف مِنْهُ عَلَى الْبَعِيد الْمَظْنُون وُقُوعه بِهِ وَلَوْ كَانَ أَشَدّ. ‏

انتهت الفوائد من فتح الباري“.

وَفِي حَدِيث النَّوَّاس بْن سَمْعَان عِنْد مُسْلِم فَيَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعهُ جَزْلَتَيْنِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِل وَيَتَهَلَّل وَجْهه يَضْحَك“.

رواية صحيح مسلم:

حيث دلت السنة على أن هلاك قوم يأجوج ومأجوج يكون بدعاء وبهذا تطهر الأرض من أهل الشرك والكفر ، ولا يبقى إلا أهل التوحيد والإيمان :

ففي صحيح مسلم (2937 ) بعد ذكر فتنة الدجال: (فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ [أي يبحث عن الدجال] حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمْ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمْ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ.

فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنْ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنْ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنْ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنْ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنْ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنْ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنْ النَّاسِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ). 11

في صحيح مسلم يقول الدجال لما يراه أرأيت لو أني شققتك شقين ثم أحييتك او تؤمن بي فيقول افعل فيفعل ثم يدعوه فيقوم حياً فيقول له الدجال أو تؤمن بي فيقول لا والله؛ والله ما ازدت فيك إلا بصيرة أخبرنا النبي أن شاباً يقابله في الحرة وها أنا ذا ولن تسلط علي فيأتي بالسيف يضعه على رقبته لينشر رقبته فتصبح نحاساً فلا يقدر عليه.

عصم الله هذا الشاب بيقينه على حديث النبي تعلم أحاديث الدجال وكان الصحابة رضي الله عنهم يتعلمون أحاديث الدجال كما يتعلمون السورة من القرآن ويعلمونها أولادهم، فمن أسباب النجاة من الفتنة أن نتعلم أحاديث الفتنة.

مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعهُ جَزْلَتَيْنِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِل وَيَتَهَلَّل وَجْهه يَضْحَك“.

نعود لحَدِيث النَّوَّاس بْن سَمْعَان عِنْد مُسْلِم فَيَدْعُو رَجُلًا أي في تلك الحرة في زاوية وناحية من نواحي المدينة خارج المدينة على حدودها فَيَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعهُ جَزْلَتَيْنِ، رمية الغرض. قال القاري: أي قدر حذف الهدف، فهي منصوبة بقدر، وفائدة التقييد به أن يظهر عند الناس أنه هلك بلا شبهة كما يفعله السحرة والمشعوذة. ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِل وَيَتَهَلَّل وَجْهه يَضْحَك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق“.

المنارة البيضاء في زمن ابن كثير كانت موجودة، وما زالت في المسجد الأموي، موجودة بين مهرودتين ينزل عيسى من السماء عند المنارة البيضاء بين مهرودتين، أي ثوبين مزعفرين مصبوغين ظاهرين، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، ينزل بملائة مصبوغة وهذه الملائة تقسم على بدنه قسمين ويكون واضعا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر ماءً كأنه خارج من الحمام، وإذا رفع رأسه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ينزل الماء منه يتحدر كهيئة اللؤلؤ من صفاء الماء، هذا وصف عيسى لما ينزل بتفصيل من نبينا وهو من الوحي.

فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات أين يقع بصر عيسى أو من يجد نفس عيسى عليه السلام من الكفار آخر الزمان يموت، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، أين ينتهي نظره ينتهي نفسه، كل من رآه من الكفار يقعون أمواتاً فيطلب عيسى بن مريم الدجال حتى يدركه بباب لُد (بضم اللام) وهي مدينة فلسطينية معروفة، فيقتله وفي رواية يقتله بحربة بيده، ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه فيمسحوا عن وجوههم، وهذا في بيت المقدس ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة بينما هم كذلك الناس في أمان والدجال قد أزهقه الله، إذا أوحى الله إلى عيسى إني قد أخرجت عباداّ لي لا يدان لأحد بقتالهم اليد هي الي تقاتل أي لا قدرة لأحد عليهم فحرز بعبادي إلى الطور أي ضم عبادي واجمعهم بجبل الطور الذي هو بيت المقدس يجتمعون يدعون؛ وهذا باب من أبواب النجاة من الفتنة، فإذا وقعت الفتنة التي تموج موج البحر والعبد الذي لا يدان له فيها موقفه منها الدعاء وهو من أسباب النجاة منها.

ويبعث الله تعالى يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبريا فيشربون ما فيها ويمر أخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء.

وبالمناسبة هناك آثار وردت عن الصحابة فيها تفصيل عن أخبار المياه في هذا الزمان، والمياه في آخر الزمان تكون شحيحة جداً وتكاد ألا توجد إلا في الشام، والفرات والنيل يجفان ويحسران عن جزيرة من ذهب لكن هنا المراد أن يأوج ومأجوج أولهم يمر على بحيرة طبريا يشرب منها ويمر آخرهم عليها ويقولون لقد كان في هذه مرة ماء، فيحصر عيسى وأصحابه فلا يستطيعون الحركة ولا التنقل يحصرون على الجبل حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم، ومائة دينار في زمن محمد شيءٌ كثير.

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ قَالَ سَمِعْتُ بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ قَالَ سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا ‏12

في صحيح البخاري يقول النبي لمالك بن عوف الأشجعي وكان تحت قبة من أدم وقال له يا عوف أعدد ستاً بين يدي الساعة، وذكر من بين هذه الست وأن يعطى الرجل مائة دينار ويضل ساخطاًالآن المال آخر الزمان يكثر وفتنة هذه الأمة في المال ولما أصبحت هذه الأمة غنية طمع أعداؤها فيها فيرغب نبي الله عيسى واصحابهأي يرغبون إلى الله في الدعاء فيستجيب لهم. يأجوج ومأجوج يأكلون الأخضر اليابس.

رواية النَّوَّاسَ في صحيح مسلم:

النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلاَبِيَّ، ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ، نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ ‏“‏ مَا شَأْنُكُمْ ‏“‏ ‏.‏ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ‏.‏ فَقَالَ ‏“‏ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالاً يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا ‏“‏.

قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ قَالَ ‏“‏ أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ‏“‏ ‏.‏ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ قَالَ ‏“‏ لاَ اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ ‏“‏ ‏.‏ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الأَرْضِ قَالَ ‏“‏ كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَىْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ ‏.‏ فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ثُمَّ يَدْعُو رَجُلاً مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأَسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاَّ مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّور.

وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ ‏.‏ وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهُمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الأَرْضِ فَلاَ يَجِدُونَ فِي الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلاَّ مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لاَ يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ ‏.‏ فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ ‏“‏ ‏.‏13

في رواية عند مسلم يقولون قتلنا من في الأرض، فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فترجع وقد اختضبت دما حتى يفتنون على وجه التمام.

فلما يرى عيسى فتنتهم وشراستهم وقوتهم، الذي ازعج واحمر وجه النبي لما علم أن الردم فتح، فعيسى لما حرز عباد الله إلى الطور فيرغبون بالدعاء إلى الله فيغرس الله النغف في رقابهم والنغف دود، في رواية في انوفهم وفي رواية في آساتهم أي أدبارهم فيصبحون فرسة كموت نفس واحدة يصبحون بين ليلة وصبحها موتى، فرسة أي قتلى ثم ينتقل عيسى وأصحابه إلى الأرض فيخرجون فلا يجدون موضع شبرٍ إلا ملئه زهمهم ونتنهم أي دسمهم ورآئحتهم المنتنة.

فيرغب نبي الله عيسى واصحابه إلى الله بالدعاء فهذا بلاء فيرسل الله طيراً كأعناق البخت ضخمة كبيرة كأعناق الإبل فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا وبر أي لا يمنع وصول هذا المطر البيت في الحضر والوبر؛ البيت المبني في الحجارة أو في الطين الصلب لا يمنع وصلو المطر إلى مكانهم فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة والزلفة هي المرآة يترك الأرض كالمرآة فيذهب وسخهم ونتنهم ثم يقال للأرض أنبتي ثمرك وردي بركتك، في هذا إشارة أن البركة مع مضي الزمن تذهب وفي آخر الزمان بعد القضاء على يأجوج ومأجوج يقول الله للأرض أنبتي ثمرك ردي بركتك فترجع البركة.

البركة هذه الأيام قليلةالبركة في الجماعة والبركة في الثريد كما قال الرسول ، البركة في الكيل لا في الوزن؛ وبركة هذه الأمة في بكورها أول النهار؛ فبقيت البركة في أشياء لكنها قليلة، لكن قديماً البركة في كل شيء كانت موجودة.

فيقول الله للأرض أنبتي ثمرك وردي بركتكفيومئذ تأكل العصابة أي الجماعة من الرمان ويستظلون من قحفها، قشر الرمانة تظل مجموعة من الناس أي عدة أمتار لتكون الرمانة مثل الخيمة، ويبارك في الرسل أي الحلوب اللبن حتى تكون اللقحة الناقة الحلوب، وفي اللغة العربية هي حديثة العهد بالولادة يكون لبنها مدرار، حتى أن اللقحة من الإبل تكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر تكفي القبيل من الناس، واللقحة من الغنم تكفي الفخذ من الناس، والفخذ باللغة العربية الجماعة الذين بينهم قرابة ونسب.

وبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيباً فتأخذهم تحت اباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها، المقصود يجامع الرجال النساء ويقول الواحد منهم أدركنا من يقول لا إله إلا الله. يتهارجون فيها كالحمر على الطرق من غير حياء.

وفي حديث أبي يعلى عن عائشة يقول النبي :”يمر فيقول المؤمن في ذاك الزمان لو انكم تنحيتم إلى قارعة الطريقأي من وسط الطريق إلى قارعته، هذا حال المؤمن في أخر الزمان فيتهارجون فيها كتهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ؛ قال: والذي نفسي بيده؛ لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة، فيفترشها في الطريق، فيكون خيارهم يومئذ من يقول: لو واريتها وراء هذا الحائط . 14

فأطلع الله نبيه محمد على هذا الشر ليخبرنا به وينبهنا ولنعرف معالم ما سيقع من فتن في آخر الزمان، فلما أطلع الله نبيه على فتح يأجوج ومأجوج تالم لحالنا وقال لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ“.

وفي رواية عند الطبراني يقول فيها موتوا إن استطعتمأي موت على الهداية على التوحيد والسنة.

ولذا يجوز تمني الموت ويسأل العبد ربه الموت إن كان في الموت نجاة من الفتنة، فمن صحيح دعائه قوله:” اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي، وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّك)) 15 .

قال النبي ((إنها حق، فادرسوها ثم تعلموها)) 16 .

قيل: أنهلك وفينا الصالحون قال: نعم إذا كثر الخبث إذا كثر الكفر والفجور والفسق فإنكم تبعثون على نياتكم وتحاسبون على أعمالكم ولكن الفتنة تصيبكم جميعاً وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةًويقول الله عز وجل:” وما كان ربك ليهلك القرى بظلم واهلها مصلحون.” قال مصلحون ولم يقل صالحين فإذا لم يوجد من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وكثر الخبث وعمَّ وزاد وانتشر فحينئذ يهلك الناس جميعا، ليس مآل الصالح عند الله كمآل الفاجر وهذا من عدله سبحانه لكن الهلاك يقع.

وهنا قاعدة من قواعد الفتنة: الفتنة إن لم نكن نحاربها حاربتنا وإن لم نغزها غزتنا وإن لم نعمل على دحرها وبعدها عنا جاءتنا.

فالفتنة حتى لا تنال منا لابد أن ننال منها، ولا بد أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.

1 (1) وراثياً يتكادمون عليه تكادم الحمير.

2 (2) قهرياً يسوق الناس بعصاه؛ يملأ الدنيا جوراً وظلماً.

3 (3) أخرجه الطيالسي في «مسنده» (1/349-350/439)، وعنه أحمد (30/355-356/18406) –ومن طريقه الحافظ العراقي في «محجة القرب إلى محبة العرب» (175-176/84)-، والبزار في «البحر الزخار» (7/223-224/2796) عن داود بن إبراهيم الواسطي، عن حبيب بن سالم، عن النعمان به.

قال العراقي: «هذا حديث صحيح … وداود بن إبراهيم(أ): سكن البصرة، وثقه أبو داود الطيالسي وابن حبان، وباقي رجاله محتج بهم في الصحيح».

قال شيخنا الإمام الألباني رحمه اللهفي «الصحيحة» (1/1/35): «لكن حبيباًهذاقال فيه البخاري: «فيه نظر»، وقال ابن عدي: «ليس في متون أحاديثه حديث منكر، بل قد اضطرب في أسانيد ما يروى عنه».

إلا أن أبا حاتم، وأبا داود، وابن حبان: وثقوه؛ فحديثه حسن على أقل الأحوال إن شاء الله تعالىوقد قال فيه الحافظ: «لا باس به».

قلت: وهو كما قال.

وله شاهد من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهمابنحوه، أخرجه الطبراني في «الكبير» (11/رقم 11138).

وسنده جيد؛ كما فصّله شيخنا الألباني رحمه اللهفي «الصحيحة» (7/2/802-803/3270).

(أ) في «الأصل الخطي»: «إبراهيم بن داود» على القلب، وصوّبه محققه جزاه الله خيراً-.

قال شيخنا الإمام الألباني رحمه الله-: «هذا مقلوب، والصواب: (داود بن إبراهيم)، ولست أدري هل هو مني، أم من العراقي؟ فإن كتابه ليس في متناول يدي الآن».

قلت: رحم الله شيخنا! ما أثبته وأدق نظره، لقد أتعب من بعده.

4

5 رواية زريك عنه: قال ابن سعد في الطبقات“: أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا زُرَيْكُ بن أبي زريك قال: سمعت الحسن يقول: إن هذه الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم وإذا أدبرت عرفها كل جاهل. وإسناده صحيح، زُرَيْكُ قال عنه الضياء في المختارة ” ( 58 / 180 / 1 ): ” زريك بن أبي زريك وثقه يحيى بن معين ، وكذلك وثقه ابن الجنيد كما في الجرح و التعديل ” ( 1 / 2 / 624 ). ( أفاده الألباني في السلسلة الصحيحة ( 4 / 197). ورواه البخاري في التاريخ الكبير” ( 4 / 321 ).

6 أخرجه مسلم

7 صحيح البخاري» كتاب الفتن» بَاب الْفِتْنَةِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ. حديث 6683

8 فصل هذا الموضوع الصنعاني في كتابه سبل السلام الجزء الثاني صفحة236.

9 سنن ابن ماجة رقم الحديث: 953

10 أخرج الحاكم وابن مردويه بسنديهما إلى حذيفة.

11

12 صحيح البخاري: ‏الجزية‏: ‏ما يحذر من الغدر‏

13 صحيح مسلم (2937 )

14 رواه أبو يعلى . قال الهيثمي : “ورجاله رجال الصحيح “. وصحح شيخنا الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة برقم (481) بمجموع طرقه

15 أخرجه أحمد بلفظه، 36/ 423، برقم 22109، والترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة ص، برقم 3235، بنحوه، وحسنه، وقال: سألت محمد بن إسماعيل يعني البخاري فقال: ((هذا حديث حسن صحيح))، وفي آخر الحديث قال صلى الله عليه وسلم((إنها حقٌّ فادرسوها ثم تعلّموها))، والموطأ، برقم 736، والحاكم، 1/521، والبزار، 2/ 121، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 318.

16 هذه الزيادة عند أحمد، والترمذي كما في التخريج السابق، وصححها الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2582.