كلمة لشيخنا المحدث مشهور حسن حول الفتن والأحداث الجارية
10-2-2011 من شرح مسلم
أحد الإخوة يطلب أن أنشر كلاما أورده ابن الجوزي في كتابه الحسن البصري: قال حميد خادم الحسن: كنت عند الحسن يوما، فجاءه رجل وخلا به، وشاوره في الخروج مع ابن الأشعث على الحجاج، فقال اتق الله يا ابن أخي ولا تفعل، فإن ذلك محرم عليك، وغير جائز لك، فقلت أصلحك الله، لقد كنت أعرفك سيء القول في الحجاج غير راض عن سيرته، فقال لي يا أبا الحسن، وأيم الله إني اليوم لأسوأ فيه رأيا وأكثر عليه عتبا، وأشد ذما، ولكن لتعلم عافاك الله أن جور الملوك نقمة من نقم الله، ونقم الله لا تلاقى بالسيوف، وإنما تلاقى وتستدفع بالتوبة والدعاء والإنابة والإقلاع عن الذنوب، إن نقم الله متى لقيت بالسيوف كانت هي أقطع، ولقد حدثني مالك بن دينار أن الحجاج كان يقول: اعلموا أنكم كلما أحدثتم ذنبا أحدث الله من سلطانكم عقوبة. ولقد حدثت أن قائلا قال للحجاج: إنك تفعل بأمة رسول الله كيت وكيت فقال: أجل، إنما أنا نقمة على أهل العراق لمّا أحدثو في دينهم ما أحدثوا وتركوا من شرائع نبيهم ما تركوا. كان الحسن يقول في قصصه: أيها الناس، اتقوا الله فإن عند الله حجاجين كثر. انتهى.
قال الشيخ مشهور: الأحداث التي تجري في مصر خطيرة وأظنها إن لم أكن مبالغا لعلها من أخطر ما جرى في تأريخ هذه الأمة، وكلما حاولت أن أتناساها فإنها تهجم عليّ في خلوتي وجلوتي ويقظتي ومنامي وقعدتي وأكلتي وشربتي، وأسأل الله السلامة، أسأل الله السلامة، والخوف من تركيب الأحداث وترتيبها، والخوف أن تكون إرهاصات .. أن يكون ما يجري إرهاصات ((من كيس الكاتب:” أَرْهَصَ يُرْهِصُ إرْهاصاً:- بالشيء: تنبّأ به وتوقعه” من قاموس المحيط)) لما ثبت في صحيح مسلم، وأجهد أن أدفع ذلك عني وأرجو الله أن لا يكون ذلك كذلك، ومنهج السلف في التعامل مع أحاديث الفتن أنهم يخافون ويرهّبون ولا يسقطون، لا يسقطون الأحداث قبل وقوعها ولكن منهجهم أنهم يخافون ويرهبون، حديث صحيح مسلم أسنده إلى أبي هريرة قال “: قال النبي: منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، ومنعت الشام مُدْيَها ودينارها، وعدتم كما بدأتم، وعدتم كما بدأتم، وعدتم كما بدأتم، قال أبو هريرة: شهد على ذلك دم أبي هريرة ولحمه، أو قال لحم أبي هريرة ودمه “. النبي قال منعت العراق، والعراق لم تفتح إلا بعد وفاة النبي، فأخبرنا بما سيكون بصيغة الماضي، ليدلل على أن الأمر حق لا بد منه، ومعنى منع العراق قفيزها ودينارها: أنه يتحكم في خيراتها غير أهل بلدها .. يتحكم في خيرات العراق غير أهل بلدها، ولذا أسند مسلم على إثر حديث أبي هريرة إلى جابر بن عبد الله قال سئل .. قال أسند إلى أن جابر سئل: أن العراق تمنع دينارها وقفيزها سئل من الذي يمنعهم؟ قال العجم، العجم مشيج من أقوام مختلطون مختلفون الأنساب، تجمعهم العجمة العربية العجمة باللسان، الذي يمنع العراق خيرها دول عديدة وكثيرة ليس بينها قرابة ولا نسب، وإنما بينها عجمة باللسان، ثم سئل من الذي يمنع مصر إردبها ودرهمها؟ قال هم الروم، والروم هم قوم ينتسبون إلى إسحاق ، فيجمعهم نسب واحد، هؤلاء يمنعون أهل مصر خيراتها، فأهل مصر بعد العراق، مُنعت العراق الخيرات التي هم فيها، وأخبرنا نبينا أن مصر ستمنع خيراتها أهلها، أنا لا أقول هذه الأحداث التي تجري هي المعنية، وأرجو الله أن لا تكون هي، والواجب علينا أن ندفع التوبة بالإنابة … أن ندفع الفتنة بالإنابة والتوبة، وأن ندفع الشر بالعمل الصالح، الناس لا يريدون فلانا، لكنهم ماذا يريدون؟ لا يعرفون، على هم مقدمون؟ لا يدرون، ما يدرون، ولا ندري كيف ترتب الأمور، وأسأل الله عز وجل أن يحفظ دماء أهل مصر وأن يحفظ دمائهم وأعراضهم، لا ندري إذا وقع اشتباك بالأسلحة وإذا فُجر مبنى في بعض دول أمريكيا إيش يترتب على هذا التفجير؟، وهل سيكون هنالك احتلال عسكري؟، ولا سيما أن مصر قريبة من فلسطين، والدنيا كلها حريصة على اليهود، ولا يمكن أن تبقى فوضى في مصر دون حسم عسكري حفاظا على الجيران، فالأمور من أراد أن يربطها وأن يفكر فيها بعمق يخاف شديدا، هؤلاء يظنون مساكين أنهم قد حرروا، حتى أني لُمت بعض من أحب من إخواني هناك فقال نحن أسقطنا حكومة الأردن، وأسقطنا حكومة اليمن وسنعمل ثورة في الجزائر، وسنعمل وسنعمل، كأنهم فتحوا البلاد وحرروا العباد وأقاموا الدين، وهم يسيرون في طريق مجهول لا يدرون ما هو مآله وما هو مصيره، فيا رب سلم سلم، أنا لا أقول أن حديث منعت مصر .. لا أقول أن الأحداث التي تجري هي المعنية، لكني أخاف أن تكون هذه إرهاصات لمثل هذا الحديث، وأن تكون الأحداث طويلة وورائها مهندسون، و اعلموا علم اليقين أن من قواعد علم الإعلام أن الرأي العام وهم لا حقيقة له، أي عنصر جديد يدخل يغير الرأي العام، فالأمور كلها ظلمات بعضها فوق بعض، من خرج عن نص .. من تجاوز حكم شرع في مسألة .. لابد أن يلقى ظلاما وظلمة في البصيرة والبصر في الدنيا والآخرة، فالناس فوق الظلمات التي هم فيها لو سألتهم ماذا تريدون؟ لا نريد فلان.. لا نريد فلان، وبعد ذلك إلى أين أنتم مقبلون؟ من الذي يحرككم؟ من الذي يقودكم؟ ماذا يراد بكم؟ والله إنهم لا يعلمون، وهم ملايين، هم لا يعلمون، لا نقول هذا دفاعا عن ظالم، معاذ الله، نقول هذا حفاظا على الثوابت الشرعية وحفاظا على الدماء وحفاظا على الأعراض وابتعادا عن الفوضى وابتعادا عن فقدان الأمن، وقد كان بعض السلف يقول: “إمام غشوم خير من فتنة تدوم“، إمام غشوم خير من فتنة تدوم، فالذي يجري خطير، أصحاب التؤدة والبصيرة إن قلبوا النظر وفحصوه وسبروه فيضعون أيديهم على قلوبهم ويقولون: يارب يارب سلم سلم، واجعل عاقبة الأمور إلى خير، واحفظ بلاد المسلمين، احفظها من كل مكروه ومن كل شر ومن كل ضر ومن كل سوء ومن كل كيد ومن كل فتنة، وارفع عنهم البلاء والغلاء والفتن ما ظهر منها وما بطن، واحفظ أموالهم واحفظ أعراضهم، وخلصهم يا ربنا من خطاياهم، واجعلهم ينعمون بالطاعات ليجدوا ثمارها في الحياة، في الدنيا والآخرة، هذه أيضا .. يعني شيء بامتداد ما يجري ..تمتلأ النفوس أسى وحسرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يقول السائل: ما صحة قول من قال إن القتلى في أحداث مصر شهداء؟
الشيخ: هذا الكلام على هذا الاطلاق غير مقبول، يعلق الأمر بنياتهم، فمن قتل وهو يسعف الناس وهو يطعم الناس، فلو كانوا منهي عنه .. فالمنهي عنه لا يعامل معاملة المعدوم، فلو طبيبا مر فرءاهم ورأى جريحا ساقطا فأسعفه فقتل ظلما فهو شهيد إن صدقت نيته، بخلاف القبطي، وبخلاف المتبرجة، وبخلاف تارك الصلاة، وبخلاف الذي يلعب، ويطبل ويغني، فهم ليسوا سواء، وأمرهم إلى الله، وحسابهم عند الله – عز وجل – ليس هذا الأمر إلينا، ليس هذا الأمر إلينا، هذا لربنا – عز وجل – .
يقول السائل: ما هو الواجب على المسلم في هذه الأزمنة التي كثرت فيها الفتن؟ وما هي النجاة؟ وهل يجب على كل مسلم أن يحذر من هذه الفتن؟
الشيخ: نعم، ثبت في سنن أبي داوود أن النبي قال: “إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، فمن ابتلي فصبر فواها (أي فهنيئا له)”، وثبت في صحيح مسلم أن النبي قال: ” العبادة في الهرج(الهرج هو القتل وهو أشد مظاهر الفتنة) كهجرة إلي“ وثبت في صحيح البخاري أن النبي استيقظ ذات ليلة فزعاً فقال: ” سبحان الله ! ماذا أنزل الله من الخزائن؟ ماذا أنزل الله من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجرات كي يصلين؟ (أي يقمن الليل)” فلما أطلع الله نبيه على الفتن طلب النبي من أزواجه أن ينشغلن بقيام الليل، فالعبادة وقت الفتنة تمنع صاحبها من الخوض بباطل، والواجب في وقت الفتنة التثبت، وأن لا ينعق الإنسان مع الناعقين، وأن لا يصيح مع المستهترين، وأن لا يطيش مع الطائشين، فالفتنة لها هباء تضيع العقول، فالواجب على الإنسان أن يحفظ لسانها، والفتنة العمّية التي لا يعرف لها قبل من دبر .. ولا يعرف فيها لاحق من الباطل .. الواجب على المسلم أن يعتزلها، كما فعل أسامة بن زيد وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وجمع من السلف، لما وقعت الفتنة بين الصحابة كان بعضهم يقول أعطني سيفاً له عينان تبصران.. ولسان ينطق .. إن أردت أن أقتل مسلما قال لي هذا مسلم، ففي وقت الفتنة الواجب على الإنسان أن يعتزل الفتنة، في وقت الفتنة العمّية يجب على المسلم أن يعتزلها، والاعتزال إنما يكون .. إنما يسبقه علم ويصحبه زهد، ولذا كان ابن سيرين يقول: “تفقه ثم اعتزل“، وقال علي القاري: “العزلة من غير عين العلم زلة، والعزلة من غير زاد الزهد علة“، العزلة من غير زاي الزهد علة، فالعزلة تحتاج لعلم، فموقفك يا من تسأل في الفتنة، إن كنت من أهل العلم تكون صاحب بصيرة، وإن لم تكن من أهل العلم فإياك أن تأخذ موقفك من وسائل الإعلام، لا يجوز لا في وقت الفتن ولا في غيرها الاعتماد على الأخبار، وعلى محطات الله أعلم بمن ورائها، والله أعلم ما يريدون بالأمة، ولم نر منهم خيرا.. ما رأينا منهم خيرا.. أبدا.. يدفعون بأناس قد يموتون وهم يغطون الأخبار، يبذلون الغالي والنفيس ليضللوا الناس، فإياك أن تكون جريحا أو صريعا أو قتيلا لمعركة الإعلام، لا تأخذ موقفك من الإعلام، اسأل أهل العلم، لا تتعجل .. تريث..، لا يندم إلا المتعجل، ما يمنعك أن تسكت؟ ثم متى رأيت الحق نطقت، وكما كان يقول حذيفة .. كان يقول: ” من أراد أن يعلم هل أصابته الفتنة أم لا فلينظر هل كان يرى شيئا حلالا أصبح يراه حراما؟ ( شيئا حسنا أصبح يراه قبيحا) فإن كان الأمر كذلك فليعلم أن الفتنة أصابته“ فمن لم تصبه الفتنة من يتريث ولا يتعجل، نقول كما قال سعيد بن المسيب لما سئل عن الفتنة التي جرت بين أصحاب النبي قال: “فتنة نجى الله منها أيدينا فننجي منها ألسنتنا “ فتنة نجى الله منها أيدينا فننجى منها ألسنتنا، الخوض بظن ليس من منهج أهل السنة، وليس من منهج السلف، إسقاط الحديث على الأحاديث (أظن الشيخ يقصد على الواقع والله أعلم) ليس من منهج السلف، لكن السلف يخافون، إذا جاءت الفتنة يخافون، فإذا ما تبرهن لهم الحق اعتزلوا، وما شاركوا، و النبي يقول: “من سمع منكم بالدجال فلينأ إلى الجبال فإنه ربما يتبعه مما يثيره من الشبهات“ والنبي يقول: “إن القاعد في الفتنة خير من القائم، وإن القائم فيها خير من الماشي، وإن الماشي خير فيها من الساعي، وإن الساعي فيها خير من صاحبها“، الجالس الذي ينظر من بعيد أحسن من الذي ينظر وهو قائم، والذي ينظر وهو قائم خير من الذي ينظر وهو يمشي إليها، والذي يمشي إليها خير من الذي يسعى إليها خير من الذي .. يمشي بقوة، والذي يسعى إليها خير من صاحبها الذي نبعت الفتنة من تحت قدميه، فالفتنة تصيب الناس كل على قدره، وكلما ابتعدت عنها عصمك الله – سبحانه–، لذا قالوا:إحكام البدايات سلامة في النهايات، فالواجب علينا في الفتنة أن نبتعد عنها ما دامت عمّية، لا نعلم.. لانعلم هذه الفتنة إلى أين تسير؟ ما الذي يراد بها؟ علامات كثير وأسئلة محيرة، وقوات عالمية وقوى عالمية تتدخل بقوة وبشراسة فيما يجري، وأيدي خفية تدير ما يجري، فليست الأمور التي تستمر أكثر من أسبوعين وملايين يجلسون وينامون ويقومون، يقال هذه عفوية! لا يقول هذا عاقل، عاقل.. لا يقول هذا!، ملايين تجلس وتنام وتمكث أسابيع وترسم وتتقدم في الرسم شيئا فشيئا، ونسأل الله اللطف في أحداث غد، يخشى من أحداث غد أن تصبح في مواجهات بالرصاص الحي وبالدبابات، وإذا لم تكن غد فبعد غد، في المكان القريب، فنسأل الله – عز وجل – أن تمضي الأحداث على خير وأن يعصم الدماء والأعراض والأموال، فالذي يجري خطير وخطير للغاية.
يقول السائل: هل في قوله: كهجرة إلي، إشارة إلى أن الأصل في الفتنة وجوب الهجرة؟ والابتعاد عنها؟
الشيخ: نعم، الواجب .. إن السعيد لمن جنب الفتن، كان من دعاء النبي .. يقول – كما في مسند أحمد –: “اللهم إن أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإن أردت بي فتنة فاقبضني إليك غير مفتون“هذا دعاء النبي.. وإن أردت بي فتنة فاقبضني إليك غير مفتون، وكان من دعاءه كما عند أبي عاصم في السنة والاسناد صحيح: “اللهم إني أعوذ بك من ضراء مضرة ومن فتنة مضلة“ ولما قال النبيكما في صحيح البخاري، قال: “سلوني، ولا يسألني أحد اليوم عن مسألة إلا أجبته” فسألوه حتى ألحوا أو ألحفوا عليه بالسؤال، قال فغضب النبي ……. قال فنظرت فوجدت الناس كل قد وضع ثوبه على وجهه يبكي، قال فقام رجل فقال من أبي؟ قال أبوك حذيفة، وكان إذا لاحه الرجال غمز في نسبه، فغضب النبي واشتد غضبه، فرأى عمر ذلك في وجه رسول الله ، فنادى في المجلس بأعلى صوته، فقال: “رضينا بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن أو قال اللهم إنا نعوذ بك من سوءى الفتن“ فكان الصحابة يتعوذون بالله من الفتن، فالهجرة وسؤال الله – عز وجل – بأن يبعد الفتن عنا .. هذا هجّير الصالحين، في وقت الفتنة .. الفتنة العمّية لا تعرف عقلا، لا تعرف شيئا، الواجب على العاقل أن يبتعد عنها وأن يدعو الله، إذا النبي لما رأى الفتن قال من يوقظ صواحب الحجرات، إفزع للعبادة، من رأى منكم الدجال فليفزع .. فليفزع إلى الجبال، لا يعرض نفسه إليه، ربما يتبعه، أنا أعجب ممن يذهبون إلى مواطن الفتن ويشاركون فيها!.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. منتدى كل السلفيين