الاستعاذة (مجلس فتوى 16-1-2015)

الاستعاذة

أقول – وبه سبحانه أصول وأجول – المعوذتان ما تعوذ أحد بمثلهما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، والمستعاذ به في المعوذتين “رب الفلق”، “رب الناس”، “ملك الناس”، “إله الناس”، ولا يجوز لأحد أن يستعيذ إلا بالله، فهو الذي يُلجأ إليه، وهو الذي يقي العباد من شرور الإنس ومن شرور الجن ولا يقدر على ذلك إلا هو، والاستعاذة عبادة خاصة به سبحانه.

وقد ذكر ربنا حال من استعاذ بغيره – كما كانت تفعل العرب في الجاهلية – فبين سبحانه أن هذه الاستعاذة زادت المستعاذ بهم رهقاً وكفراً وكبراً؛ فقال: “وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً”، والرهق هو الظلم وارتكاب المعاصي والكبر.

كان الرجل إذا نزل بأرض قفراء لا أحد فيها نادى واستعاذ بسيد هذا الوادي من الجن حتى يحميه من الشرور فأخبر الله عنهم في هذه الآية، والعجيب في لغة القرآن أن الله تعالى جعل الجن رجال في الآية السابقة، وجعل الإنس شيطاناً فقال: “شياطين الإنس والجن”، فكل من استعاذ بغير الله مغلوب مقهور لا يحقق له مراده.

فينبغي للقلب أن يسافر دوماً إلى الله وإلى الدار الآخرة، وأن يطلب منه أن يحميه من سائر الشرور، بداية من شرور النفس وشرور سيِّء العمل إلى غير ذلك من الشرور.

مما ينبغي أن يُعلم أن الله جلَّ في علاه يستعاذ به باسم ذاته وبصفاته أيضاً، ولذا استنبط أهل السنة من قوله صلى الله عليه وسلم: “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق” بأنه يجوز الاستعاذة بكلمات الله، وبأن كلام الله ليس بمخلوق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستعين إلا بالله وصفاته، ولأنه لا يستعيذ بمخلوق من شر مخلوق، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الدعاء الطويل الذي كان يقوله في السجود: “أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك”، فجازت الاستعاذة برضاه وبعفوه وهذا من صفاته سبحانه وتعالى، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر”، فيجوز للعبد أيضاً أن يستعيذ بعزة الله وهذا من صفاته، وكما ثبت في الموقوف والمرفوع عن ابن مسعود – رضي الله عنه – “أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات”.

وعلمنا القرآن أننا إن دعونا وسألنا ربنا بأسمائه وصفاته فإن ذكر الأسماء تناسب مقام الدعاء، وهنالك سر عظيم وارتباط وثيق بين هذه المذكورة في المستعاذ منه – “رب الفلق”، “رب الناس”،“ملك الناس”، “إله الناس” – مع المستعاذ به وهي الشرور التي سنذكرها في درسنا القادم إن شاء الله.