سؤال : شيخنا في صحيح مسلم في حديث جبريل لما سأله عن معبد أول من تكلم في القدر في البصرة فأبن عمر قال : أنا بريء منه وهو بريء مني ولن يقبل الله عمله ، فهل أراد ابن عمر تكفيره ؟
الشيخ : ماذا قال ابن عمر ؟
السائل : أنا بريء منه وهو بريء مني في حديث جبريل
السائل : هل أراد ابن عمر تكفير معبد ؟
الشيخ : معبد بن جهني ؟ ، قال الشراح : وهذه عبارة القاضي عياض في إكمال المعلم ونقلها النووي بإيجاز في المنهاج في شرح صحيح مسلم ابن حجاج ، أن هذا المذهب مذهب اندثر ولم يبقى لهُ أثر، اعتقاد أن الله تعالى لا يُخلُق شيئاً وإنما الشر يخلقهُ الإنسان وأصبح القدرية مذهبهم خلاف مذهب معبد الجهني ، هذا المذهب أن الأمرَ( أُنف) يعني الأمر مستـأنف وأن هنالك خالقٌ مع الله جل في علاه ، فمن قال بهذا فقد كفر .
هذا المذهب يقول القاضي عياض اندثر وأصبح القدرية في العصور المتأخرة الذين يميلون إلى عكس الجبرية مع سكوتهم عن الخلق وليس مع إقرارهم أن هنالك خالق غير الله جل في علاه ، وكان الخطاب ليسَ موجهاً إلا لأولئك القوم الذين يتقفرون العلم ، قال : لقد ظهر قِبَلَنا أناسٌ يتقفرون العلم ويقولون إن الأمر أُنُف .
السائل : شيخنا معنى أُنُف ؟ أن الإنسان مجبور على فعله هذا هو ؟
الشيخ : نعم مجبور شيء ، واعتقاد أن هنالك خالق مع الله جل في علاه شيء آخر ، فالقدرية الذين كانوا يقولون أن هنالك خالق مع الله – سبحانه وتعالى – يقولون : هؤلاء مالهم وجود – يعني : ما بقي لهم وجود ، بعض الشر كان يظهر ثم سرعان ما يزول ، يعني كأني بهذا القول أن أصله المجوس ، المجوس الذين يقولون : أن هنالك للكون إلهان ، خالق خير وخالق شر ، هذا مجوس ، لذا بعض الحفّاظ يقولون : لو كان ابن عمر سمع من النبي – صلى الله عليه وسلم – قول (القدرية مجوس هذه الأمة ) لكان ألزم ما يُحدث به في هذا الموطن ، وفي هذا إشارة إلى ضعف الحديث ،- أنا العبد الضعيف – درست طرق الحديث مع استحضاري ومعرفتي بأن شيخنا الألباني – رحمه الله – يحسّن الحديث لكني درستُ طُرُقَهُ ، وفي الطبعة الجديدة من كتاب الكبائر للإمام الذهبي تبيّن لي أن جميع طرق الحديث – أعني : حديث القدرية مجوس هذه الأمة – جميع طرق هذه الحديث معلولة إعلالاً شديداً والحديث لا يصلح أن يتقوى بتعدد مثل هذه الطرق ، ووجدت الإمام الذهبي في الكبائر له إشارة لعدم صحة الحديث ، لكن كيفما كان الأمر وكيفما دار فإن هؤلاء القوم اندثروا ، فمن زَعَمَ أن هنالك خالق مع الله غير الله فهذا كافر كفر ربوبية ، والله أعلم .
السائل شيخنا حديث : ما زال المؤمن في خير ما لم يتكلم في الميزان والقدر هل يصح الحديث ؟
الشيخ : هذا أوردَ لهُ طرقاً كثيرة ابن أبي عاصم ، لذا في الطبراني الكبير عن ابن مسعود قال : قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ” إذا ذُكرَ القدر فأمسكوا ، وإذا ذُكِرَ أصحابي فأمسكوا ” ، لذا يؤثَر عن علي أنه قال في القدر لما سُئل عنه قال : ” سرٌ عميق لا تخض به” ، يعني القدر خوض في فعل الله ، والمطلوب من العبد المؤمن أن لا يتفكر في ذات الله ولا في أفعال الله تعالى ، وإنما يستسلم لها ، أما حديث تفكروا في آلاء الله وفي آثار الله ضعيف ، وله طرق – وإن كان السخاوي في المقاصد قال : له طرق كثيرة لعلها تُتبِع على أن لهُ أصلاً . هذه عبارة السخاوي في المقاصد الحقيقة طرقه كثيرة لكن ورد في المقطوعات على لسان التابعين ورد عدد من الآثار في هذا الباب والمعنى صحيح ، فأن تتفكر في فعل الله جل في علاه ، لماذا فعل كذا ولماذا فعل كذا ، أنا وإياك المطلوب منا نتفكر في آثار خلق الله ، نتفكر في الحكمة من خلق الله ، أما لماذا الله يفعل هذا ولماذا لا يفعل هذا ، الواجب علينا أن نسكت ولا نخوض ، وأن نؤمن أن الله جل في علاه يخلق الخير والشر ، وأن له حكمة ، وبعض هذه الحكم هي لنقصان علمنا ، هي أكبر من عقولنا والله تعالى أعلم .
السائل : شيخنا في السير الذهبي نقل توثيق أئمة الجرح والتعديل في معبد ، وثقوه في الحديث .
الشيخ : حديث معبد الذي في الأول هو في صحيح مسلم.
السائل : شيخنا لا في السير للذهبي – العلماء وثّقوا معبد.
الشيخ : معبد راوي الحديث ، يقول : لقد ظهرَ قبلنا أي في العراق أناسٌ يقولون إن الأمر أُنُف.
السائل : شيخنا يحيى ابن يعمر هو الراوي ؟
الشيخ : يحيى ابن يعمر قال أنا أخذته عن يمينيه وذاك أخذه عن شماله .
السائل : قال أول من تكلم في القدر في البصرة هو معبد .
الشيخ : صحيح أول من تكلم في القدر هو معبد الجهني ، طبعاً كلامه في القدر ، هنا مسألة أخرى الأن فتحت علينا باباً آخر ، أولاً : هو تكلم في القدر ولم يؤمن بالقدر ، فرق أن تتكلم بكذا و الكلام بكذا ، تكلم في القدر فكان يغمز في القدر على مذهب القدرية ، أما لما ذكر القدرية قال : يقولون إن الأمر أُنُف ، ما ذكَرَ معبداً بأن الأمر أُنُف ، فكان معبد ممن فتح هذا الباب وولجهُ أقوام من المجوس فزعموا أن الأمرَ أُنُف وأن هنالك خالق في الكون ، خالق للشر غير الله ، هذه الفرقة هي التي اندثرت وهي التي لم يبق لها أثر هذه واحدة.
ثانياً : وهذه مسألة دقيقة محيرة والله جل في علاه شرح صدري لجواب وأرجو أن يكون من الصواب – رواية أصحاب الصحيحين عن أهل البدع هل تخرجهم عن مرتبة الاحتجاج بهم ، يعني هل هم ثقات ، أصحاب الصحيحين ؟. البخاري روى عن عمران ابن حطان وهو خارجي جلد ، ومسلم روى عن معبد الجهني مثلاً ، العدالة تحتاج لأمرين : ديانة وضبط ، والعلماء ذكروا المبتدع متى تُقْبَل روايته ومتى لا تُقْبَل روايته ، شيخنا الألباني – رحمه الله – كان يقرر أن المبتدع تُقبَل روايته مالم يروِ شيئاً يروج بدعته ، فإن كانت روايته لا تروج بدعته فَتُقبل روايته – يعني – الخارجي يُكفر من يكذب ، من يكذب على الرسول ﷺ – عنده كافر ، يكفر بالمعصية فالذي يكفر بالمعصية لا يكذب ، فالذي يكفر بالكذب لا يكذب وهكذا .
الذي يبدو لي بعد تأمل – والله تعالى أعلم – الآتي :
العلم في القرون الأولى في عصر الرواية قبل التدوين كان الغالب على الثقة الضبط ، لأن الناس كانوا في عافية وكانوا على ديانة ، فكانوا ينظرون إلى كون الراوي ثقةً أن يكونَ ضابطاً لا يخالف من روى الحديث ممن هو أوثق منه أو أكثر منه عدداً، الثقة عند المتأخرين بعد تدوين الحديث أصبح في الديانة ولم يكن في الضبط ، لأن الضبط بعد أن دُوِنَ الحديث في بطون الكتب أصبح لا يوجد كبير أثر للضبط ، ( كتب الأن الحديث دُوِنت – وقد وجدتُ عبارةً – أظن في الرابع عشر من سير الذهبي – رحمه الله- يبين أن الثقة ما قبل القرن المائة الرابعة غير الثقة ما بعده ، وهذا يشير لهذا ، فلماذا وَثَقَ أهلُ العلم معبداً ومعبدٌ بدعي – عنده بدعه – وبدعة القدر رُمِيَ بها جهم ، وجمال الدين القاسمي له رسالة مطبوعة اسمها الجرح والتعديل وفي هذه الرسالة حصر في قوائم من رُمِيَ ببدعة ممن أخرج لهم أصحاب الكتب الستة ، وعبدالحكيم القاضي – المحقق – تَعقب وزاد ، فالذين رُموا بالبدعة ممن أخرج لهم أصحاب الكتب الستة ، وهي أنظف كتب الرواية على الإطلاق كُثر ، والسبب كما قلنا أن هؤلاء كانوا في عصر الرواية وكان الضبط معروفاً عندهم – ولم تَقُم قرائن على كذبهم – أي أنهم لم (يَرووا ) شيئاً يوافق بدعتهم ، فما عدا ذلك ، رواية المبتدع في القرون هذه – قرون الضبط – تُقبَل ورواية المبتدع في العصور المتأخرة لا تُقبَل وهذه على وزان قول الفقهاء 🙁 تتغير الأحكام بتغير الزمان وتغير المكان وما شابه – والله تعالى أعلم -.
السائل : شيخنا سؤال – هل مذهب معبد في القدر غير مذهب قتادة ؟
الشيخ : الذي يبدو لي أن معبداً مذهبهُ في القدر غير مذهب المجوس ، وأن حكم ابن عمر يخبرهم أن ابن عمر بريء منهم ، على أولئك القوم الذين يقولون أن الأمر أُنُف، أما معبد فتح باباً – فتح باب شرٍ في العراق .
السائل : قتادة – شيخنا – ما مذهبهُ في القدر ؟
الشيخ : كان يقول بالقدر ولكن أي قدر ، كان يقولون : عن الحاكم فيه تشيع أي تشيع ، الاصطلاحات تَغُر وتضر .
السائل : هذه مشكلة شيخنا كثير لأن كثير من السلف يقول : القدري يُقتل يعني يعرض على السيف؟
الشيخ : التشيع أقسام : في تشيع مُرَكْز – إن جاز لنا التعبير في هذا العصر – لكن تشيع الحاكم أنه يفضل علياً على عثمان – وهذا قولٌ قال به بن عيينه في فترةٍ من حياته ثم تاب منه ، وابن عيينه إمام كبير ، فلو بقي التشيع قائماً على تفضيل علي على عثمان لهان الخطب ولهان الأمر، الآن لما نقول تشيع – التشيع الموجود اليوم كان في القرن الرابع والخامس موجود عند من ؟ عند العبيديين ، القرن الخامس كان موجود عند العبيديين ، وكان موجوداً عند الباطنيين ؛ التشيع اليوم اسمه تشيع ، فما تغرك العبارة ، نحن كأصل كما قرره علمائنا – شيخ الإسلام في منهاج السنة والإمام الذهبي في عدد من كتبهِ – أننا لا نُكفر هذه الفرق ، وتأمل معي – وهذه مسألة مهمة في التأمل – النبي ﷺ – يقول : ( افترقت اليهود على احدى وسبعين وافترقت النصارى على اثنين وسبعين وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ) ، الأمة لها معنيان :
المعنى الأول : أمة الدعوة .
المعنى الثاني : أمة استجابة .
فالكفار من أمة الدعوة – الكفار أمة الدعوة – الكفار من أمة محمد – ﷺ – بمفهوم أنهم من أمة الدعوة ، تأمل معي الحديث مرة أخرى ، ذكر النبي ﷺ اليهود وذكر النصارى ثم قال أمتي ، فَجَعلَ أمته مقابل اليهود والنصارى ، إذن هذه الأمة – أمة الدعوة أم أمة الاستجابة ؟
السائل : أمة استجابة .
الشيخ : استجابة ، ذِكر أنهم في النار لا يلزم من كونهم في النار أنهم كفار كالمتبرجة ) والصنفين الذين أخبر عنهم النبي ﷺ في صحيح مسلم ( صنفان لم أرهما) فلا يلزم من كونهم من أهل النار أنهم كفار ، لذا قال افترقت اليهود وافترقت النصارى ثم افترقت أمتي ، فأمتهُ المذكورون هنا أمة استجابة ، فما يقال عن علمائنا السابقين أنهم فيهم مشرب بدعي ، هذا يقيناً أن من كان فيه مثل هذا المشرب لا يُكفر، و ما قيلَ عن قتادة في القدر قيل أيضاً أنه تاب منه ، أنه ما مات عليه وإنما تاب منه، والكلام ليس في قتادة خاصة إنما الكلام في تصور المسألة على وجه فيه شيء من إحاطة وفيه شيء من معرفة المعالم المهمة البارزة في الموضوع والله تعالى أعلم .