لقد قرأت في الأرواء نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل…

المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، والنصوص الواردة فيها كثيرة ومتداخلة ومتشابكة، وقد بحثت وحصرت النصوص والأقوال وسأسردها حتى نصل إلى الراجح في المسألة .
 
أخرج الطيالسي في مسنده ومن طريقه أصحاب السنن الأربعة وأحمد في المسند، من حديث الحكم بن عمرو الغفاري: {أن رسول الله نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة}، قال عبدالله بن سرجس رضي الله عنه: (توضأ أنت ها هنا، وهي ها هنا، فأما إذا خلت فلا تقربنه)، إذاً لو توضأ الرجل مع المرأة لا حرج لكن إذا هي خلت وحدها، وزاد شيء من الماء الذي توضأت به، فيكره أن تتوضأ بفضل وضوءها، لذا استشكل السائل أن النبي كان يغتسل هو وعائشة معاً، فأين يقع الاغتسال معاً والوضوء معاً لا حرج، أما أن تتوضأ وحدها وأن يزيد شيء من فضل وضوئها، فيكره للرجل أن يتوضأ بفضل مائها.
 
أخرج البخاري في صحيحه بسنده إلى عائشة رضي الله عنها، قالت:{كنت أغتسل أنا والنبي من إناء واحد}، هذه الواو بمعنى مع وليست للعطف، كنت أغتسل أنا مع النبي في إناء واحد، وهذا يدلل على أنه لا عورة للزوج على الزوجة، ولا للزوجة على الزوج، ويجوز للرجل أن يغسل زوجته بعد الوفاة، وكذلك العكس، فتقول عائشة كما في صحيح مسلم: {لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنا وأزواجه} والذي يدلل على هذا ما أخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته، فقال: سألت عطاءً ، فقال عطاء: سألت عائشة، فقالت: {كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد}، إذاً مراد عائشة مع النبي لأنها أجابت سؤالاً عن أن ينظر الرجل إلى عورة زوجته، فقالت: {كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم}.
 
وأخرج البخاري في صحيحه بسنده إلى ابن عمر قال: (كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً)، قال ابن التين شارح صحيح بخاري: (أي كان الرجال يتوضؤون ثم ينصرفون ثم يأتي النساء يتوضؤون) وهذا التفسير ليس بصحيح، وإنما التفسير الصحيح أن الرجال والنساء من الأزواج والمحارم كانوا يتوضؤون من إناء واحد، وكل منهم يغرف من الإناء ، ودليل ذلك ما ثبت عند ابن خزيمة في الحديث نفسه عن ابن عمر:{أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والنساء معهم يتطهرون من إناء واحد، كل يتطهر منه} وهذا محمول على المحارم والزوجات؛ لأن في الوضوء كشف عورات.
 
إذاً أن يتوضأ الرجال والنساء من إناء واحد لا حرج، وأن يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد لا حرج، أما فضل ماء المرأة وحدها هذا فيه كراهة، وهذا مذهب أحمد واسحق.
وقد قال بعضهم كابن عمر، والشافعي، والأوزاعي قالوا أن فضول المرأة مكروه إذا كانت حائضاً، فهذا ليس بصحيح، لأن الحائض لا تتوضأ.
 
ومنهم من قال كالإمام النووي أن أحاديث كراهية الوضوء بفضل ماء المرأة ضعيفة باتفاق، وهذا ليس بصحيح، وتعقبه الحفاظ وعلى رأسهم الحافظ ابن حجر في الفتح.
 
ومنهم من قال كالخطابي: أحاديث النهي محمولة على ما تساقط من الأعضاء، يكره للرجل أن يتوضأ من فضول ماء المرأة الذي يتساقط من أعضائها، أما ما تبقى بعد وضوئها، فهذا ليس بمكروه الوضوء منه، ومنهم من قال أن الكراهة للتنزيه، لأن الفعل حاصل مع النهي فيصرفه من التحريم إلى التنزيه.
 
وأقوى هذه الأقوال عندي القول الأول وهو قول أحمد واسحق وهو : أن الرجل والمرأة  لهم أن يتوضؤون من إناء واحد، ويغتسلون من إناء واحد، لكن إن فضل ماء المرأة وتوضأت وحدها، فيكره للرجل أن يتوضأ به، لكن ليس هو بنجس ويجوز الاستفادة منه، ولا حرج في ذلك.
 
وكذلك العكس أي أن تغتسل المرأة أو تتوضأ بفضل وضوء الرجل، فقد أخرج الإمام أبو داود، والنسائي من طريق حميد بن عبدالرحمن الحميري، قال: {لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعاً}. وقوله{وليغترفا جميعاً} يؤكد ما قلنا.
 
ومنهم من ضعف الحديث وقال: الحديث مرسل؛ لأن الصحابي مبهم، وهذا كلام غير صحيح، لأن الحديث الذي صاحبيه مبهم حديث مقبول لأن الصحابة عدول.
 
ومنهم قال بالجواز بإطلاق واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل بفضل ميمونة وقال: {إن الماء لا يجنب} فعلق النبي صلى الله عليه وسلم الجواب على حال الماء، فما دام الماء طاهراً يغتسل منه، وقال في الميموني في رواية عن أحمد حديث مضطرب ورجح حديث الحكم، والراجح إعمالاً لجميع ما ورد في الباب من أدلة مذهب أحمد واسحق ، والله أعلم .