الاصل في الذكر أن يكون سراً، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه أنه لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً في السفر يكبر الله بأعلى صوته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {أربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصماً ولا غائباً}، فلا يجوز للرجل أن يجهر بذكره على أصل القاعدة، إلا ما ورد فيه الجهر، والأصل في الذكر بعد الصلوات أن يكون سراً.
لكن ثبت في صحيح مسلم قول ابن عباس: (( كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير))، وهذا كما قال الشافعي والشاطبي وقد أصل وفصل الشاطبي في أواخر كتابه “الاعتصام” هذه المسألة، وقد بين بما لا يزيد عليه أن هذا الجهر كان فقط من اجل التعليم، فيجوز للإمام أن يجهر بالأذكار ليعلم الناس فقط.
والظاهر من صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان في المدينة ولم يكن في مكة، فمتى رأى الإمام مصلحة في جهره بالذكر لوجود اناس في المسجد لا يفقهون ولا يعلمون هذه الأذكار فيجهر أمامهم حتى يحصل التعليم، فمتى حصل التعليم يرجع إلى الأصل، وهو الإسرار.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمكث في مصلاه بمقدار قوله {اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام}، ثم يخرج فأين الجهر؟ فالذكر كان يقع منه في الطريق، وهذا ثابت عن أبي بكر وعمر كما في سنن البيهقي وغيره، كانا لا يجلسان بعد الصلاة إلا بمقدار الجلوس على رَضْفْ الجمر.
أما الجلوس والذكر مع تمطيط وترنم وتطريب، فليس هذا من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر السلف على من يفعل ذلك، ولم يرد الجهر بالذكر عن احد من الصحابة إلا ابن عمر رضي الله عنهما، وابن عمر له انفرادات والله أعلم.