الدنيا الخير فيها يشوبه الشر، والشر يشويه الخير . فقد يفعل الإنسان عبادة فيصيبه عجب ورياء فيهلك بسبب هذه العبادة وقد يذنب الإنسان ذنباً، فينكسر قلبه بين يدي ربه، ويبقى باكياً خاشعاً ذليلاً بين يدي الله على إثر ذلك الذنب فالخير المحض لا يوجد في الدنيا، والشر المحض لا يوجد في الدنيا ، فالدنيا دار مكدرات ودار منغصات .
ووجود الفرق الضالة قد يعطي الإنسان المحق أن ينتبه لأشياء. وقد ذكر بعض العلماء حكماُ لله عز وجل في خلق إبليس فهو أصل الشر ولا يوجد أشرمنه، ولله حكماً في خلقه، ومن ذلك أن تظهر قدرة الله في الذي يخلق؛ فالذي يخلق الشيء ونقيضه هو أقدر على الخلق من الذي يخلق الشيء دون نقيضه. وفي إبليس وجود آثار أسماء الله الحسنى ؛ فكيف نعلم أن الله جبار قهار مذل لولا وجود إبليس ؟ وكذلك الله تواب رحيم غفور وذلك على أثر المعصية .
وكل شر موجود، العاقل يستطيع أن ينظر فيه وأن يتجنبه ويكون له حكمة وموعظة من هذا الشر . ومن هذا الباب قص الله علينا قصص الأنبياء وأقوامهم، فذكر ربنا أنه أهلك كل أمة بسبب الشرك وبسبب ذنب من الذنوب. وبقيت إلى الآن وما عذبت، مع وجود جميع ذنوب الأمم فيها، من اللواط، وتطفيف الميزان وما شابه؛ لوجود توحيد فيها، فوجود أصل التوحيد فينا هذا بفضل الله عز وجل، يرفع العذاب عنا. فالله عز وجل ، لما يذكر لنا الشر الذي وقع في الأمم التي قبلنا من أجل أن نتجنبه ونحذره، على حد قول الشاعر :
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوخيه ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه
والله اعلم.