السائل استشكل أمرين الأول : أنه إذا أجتمع أناس على إناء كبير فيه طعام فهذا فيه خير ، لكن لا نستطيع أن نلعق الطعام، أما لو أخذ كل واحد نصيبه بإناء صغير فإن كل واحد يستطيع أن يلعقه ، وهذا خير، والإناء الذي يلعقه صاحبه يستغفر له كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه البركة حتى نلمس ثمارها في حياتنا .
والأحسن من ذلك أن نسكب في إناء كبير بمقدار بحيث لو اجتمع عليه هؤلاء يلعقونه، فنجمع بين البركتين وبين السنتين . فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، عند أبي يعلى أنه قال : {أحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي } واخرج أبو داود ابن ماجة عن وحشي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لعلكم تأكلون متفرقين } فقال هذا الرجل : نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه ؛ فإنه يبارك فيه} فالسنة أن نسكب بمقدار الحاجة وأن نجتمع على الطعام ، فنتحصل على ثمرتين وبركتين وطاعتين حث عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلماء الاجتماع يقولون : إن من الأمور التي لها أثر على الأخلاق أنواع الطعام والشراب. فالعائلة الواحدة لما تجتمع على طعام واحد تتفق أخلاقها . أما هذه الأيام فأفراد العائلة الواحدة كل يأكل وحده وقد يأكلون من أصناف عديدة ، فتختلف أخلاقهم، وهذا العمل مما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم من أننا سنتبع سنن من قبلنا، فإنه من عمل أهل الكتاب، فهم لا يجتمعون وكل يأكل وحده .
وإن من علامات الساعة أن يكثر الطعم ولا يذكر اسم الله عليه . فالسنة الاجتماع وذكر اسم الله على الطعام، أما عند الضرورة إن أخذ الرجل مقداره بإناء فلا حرج فقد أخرج الإمام البخاري بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا أتى أحدكم خادمه الطعام فإن لم يجلسه معه، فليناوله أكلة أو أكلتين، أو لقمة أو لقمتين؛ فإنه ولي حره وعلاجه } فإن لم يجلس الخادم معه فإن يناوله بيده أكلة، فهذا لا حرج فيه عند الحاجة، وإلا فالأصل الاجتماع ولعق الإناء . والله أعلم.