الجواب : نعم ، النّبيُّ- صلى الله عليه وسلم- يقول في الحديث : ” لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسافِرَ …” فعلّق الحكُمَ على السفرِ ، فكل ما يُعرف أنَّه سفر يجبُ فيه المَحْرَم .
” لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ … ” في رواية : “مسيرة يومٍ وليلة ” وفي رواية : “مسيرةَ يومين ” وفي رواية: ” مسيرة ثلاثة ” في الأحاديث الصحيحة ” إلا مع ذي مَحرَم ” .
لكن كُلَّما امتدَّ وقتُ السفرِ مع غير المَحرَم اشتدَّ الإثم .
سفرُ المرأةِ من غيرِ المَحرَمِ يجوزُ ضرورة ً، مثل تلك المرأة التي أُسِرت فاستيقظت ثُمَّ وجدت الكُفَّار نائمين ، فخرجت فوجدت الرَّكوب حتى كانت كُلَّما أرادت أن تركب ناقة رغَت ( أخرجت صوت ) فكانت تخافُ من استيقاظِ الكُفَّارِ حتى جاءت إلى ناقةٍ ذلول ، وهيَ ناقة النبي – صلى الله عليه وسلم – فَرِكبتها ورجعت إلى المدينة ، فنذرت إنْ نَجَّاها الله لتَذبَحنَّها ، هذا الحديث مُهِم ، هذا الحديث أصل في بيان مسألة تُبحث في ما يُسمَّى اليوم في ” *الِعلاقات الدَوْلية* ” ، فرَجِعت إلى المدينة ، فقيل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – أنَّها نذرت أن تنحرَها ، والناقة ناقةِ النبي – صلى الله عليه وسلم- فقال النبي – صلى الله عليه وسلم- :” بئسَ ما جَزَتْها ” *لا نَذرَ في ما لا يملكُ الإنسان* ، هذا أصلٌ أصيل ، أنَّ اليدَ العادية إنْ تملَّكت فإنَّه لا عبرةَ لمِلكها ، بعضُ العلماء وهو مذهب الإمام أبي حنيفة وهذا يُذكَر في فروع مباحث الدلالات في علم الأصول، يقولون : الله يقول في سورة الحشر :” لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ” ، قال إذا أحتلَّ الكافرُ شيئًا ثمّ غَنِمهُ المُسْلِمون فإنَّه يُوزَّع في الغنيمة ولا يرجع إلى صاحبه ، لِم َ ؟
قال لأنَّ الله يقول ” للفقراء” ، سَمَّاهم فُقراء وأثبت لهم أموال ودِيار ، فلمَّا سَمَّاهم فُقراء خرج المال عن مُلكهم لأنَّه لا يوجد شيء ليس له مالِك (خرج المال عن ملكهم هذا كلام مردود وليس بصحيح ) ، اليد العادية لا عبرة فيها بدلالة أنَّ النبي قال “لا نَذرَ في ما لا يملك الإنسان ” ، والدلالات عند تزاحُمها فدلالة المَنْطوق مُقدَّمة على الدلالات الخَفيَّة ، مثل هذه الدلالة للفُقراء هذه دلالة لازم تُسمَّى عند العلماء ، أنتم قلتم للفُقراء ، لماذا لم تقولوا أموالهم وديارهم ! فنسبَ المالَ إليهم ونسب الديار إليهم ؟ فسياق الآيات يقتضي أن يأخذوا مالًا ، فكان لَمَّا أعدَّ الله لهم شيئًا من فيء ، الله جلّ في علاه قال “للفُقراء” يعني هذه لَفته بيانيه وليست قيداً تشريعياً وهذا الكلام يحتاج إلى شيء للبسط ، لكن المَقصِد أنَّ في هذا الحديث أنَّ هذه المرأة سافرت ورجعت إلى أهلِها دون مَحرَم ، يعني امرأة أُسِرَت استطاعت أن تهرب تقول أنا لا أرجع إلى دياري حتى أجد مَحرَم ! فأيُّ محرم الآن ! هذا يُجَوِز عَوْدة الأسيرة إلى ديارها وإن لم يَكُن هنالك مَحرَم .
فالعلماء قالوا : سفرُ المرأةِ للضرورة جائز، وألحقوا به لو أنَّ امراةً كافرةً أسلَمت ولا تستطيع أن تُقيم دينها إلا بأن تُهاجرَ إلى ديار المُسلمين ؛ فلها أن تعود إلى ديار المُسلمين من غير مَحرَم، هذه ضرورات معتبرة، أمَّا التَّوَسُّع القائِم اليوم فهذا أمرٌ ليس بحسن، والله تعالى أعلم .
مجلس فتاوى الجمعة
22_7 _ 2016
رابط الفتوى :
خدمة الدُرَر الحِسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان✍?