أما التحلق قبل الجمعة، فقد نهى عنه صلى الله عليه وسلم كما ثبت في سنن أبي داود وأما ما ثبت عن أبي هريرة في مسند أحمد، أنه كان يأخذ برمانة منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الجمعة ويعظ، فهذا محمول على الندرة، ويقع على سبيل الفلتة، عند الحاجة والضرورة، وليس على سبيل المداومة.
وكان أبو بكر رضي الله عنه، يقول: ((إذا وعظت فأوجز، فإن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضاً)).
وكان هدي السلف العملي أنهم يبكرون وينشغلون بالصلاة متى يصعد الإمام المنبر، فالمطلوب من الناس أن ينشغلوا بتزكية أنفسهم وليست العبرة بكثرة الكلام، فهذا الأمر منقسم بين اثنين: المتكلم والمستمع، فكما أن على الإمام أن يحسن الأداء فعلى المأموم أن يحسن السماع، وعليه أن يزكي نفسه ويهيئها حتى تستمع وتنتفع، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر [ق] فلمن كان يقرأها؟ لنفوس طيبة ولا تعدل بكلام الله كلام أحد.
ولو أن الأمة زكت أنفسها وجاءت مبكرة يوم الجمعة.
وكان أبو شامة المقدسي (شيخ الإمام النووي) يقول (أول بدعة أحدثت في الإسلام: ترك التبكير إلى صلاة الجمعة).
والعبرة ليست بكثرة الكلام والصراخ، والكلام مهم، لكن الأهم منه أن ينزل هذا الكلام على نفس رضية مطمئنة، وعلى نفس أخذت نصيبها في ذاك اليوم من التزكية، لذا كان يقول بعض السلف (من سلمت له الجمعة من بين سائر الأيام ، ورمضان من بين سائر الأشهر فهو بخير)
والجمعة اليوم من باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأننا سنتبع سنن من قبلنا، حالنا اليوم فيه هو حال اليهود والنصارى في السبت والأحد، ضعنا عن الجمعة وتهنا عنه، أريناه بالصورة وليس بالجوهر والحقيقة، فلا يوجد تبكير يوم الجمعة أبداً وكان ابن عمر يدخل فيصلي اثنتي عشرة ركعة ويطيل في الصلاة، فكان يأتي من أول ساعة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من جاء في الساعة الأولى فكأنما قدم بدنة، ومن جاء في الساعة الثانية فكأنما قدم بقرة، ومن جاء في الساعة الثالثة فكأنما قدم كبشاً، ومن جاء في الساعة الرابعة فكأنما قدم دجاجة، ومن جاء في الساعة الخامسة فكأنما قدم بيضة}، والعلماء يقولون: من طلوع الشمس إلى صعود الإمام على المنبر تقسم خمس ساعات، وحال الناس اليوم كلهم يأتي في الساعة الخامسة إلا من رحم الله ، والبعض يأتي والإمام على المنبر.
وثبت في سنن أبي داود من حديث أوس بن شرحبيل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام ولم يلغ، كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة وقيامها} أين الأمة عن هذا اليوم، فكيف نحن الذين نعيش الستين والسبعين نلحق بمن قبلنا ممن كان يعيش الألف والألفين؟ بالمواسم: ليلة القدر، يوم الجمعة، مجالس العلم، وما شابه.
ولنحرص على تعليم الأمة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث للأمة معلماً ومزكياً، فنحن نحب السنة، لكن لا نخاطب قوماً لا يوجد عندهم تزكية بحيث يحرصوا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن تزكيهم وترفع مستوى التزكية عندهم، فالمطلوب أن تزكي وتعلم، فتتسع دائرة العلم مع دائرة التزكية، فيحصل توائم بين العلم والعمل، ويكون العلم نافعاً وله ثمرة وبركة، أما أن تخاطب أناساً أجلاف ولا يعظمون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاهدون فيها، وتقول: هذه سنة، هذه سنة… ولو أنك صرخت وأعليت صوتك لا يقع لك نفع، [فهذا أمر لا يحصل له بركة ولا ثمرة]، فاحرصوا على التزكية مع العلم ،وفقنا الله لما يحب ويرضى.