قال صلى الله عليه وسلم: {صنفان من أهل النار لم أرهما بعد، قوم معهم سياط وأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها} وفي رواية عند أحمد: {إلعنوهن فإنهن ملعونات}، هذا حديث عظيم وجليل وواقعنا شاهد عليه، وفي هذا الحديث إشارة إلى أن الظلم السياسي والفساد الخلقي قرينان ووجهان لعملة واحدة، فمتى وجد الظلم السياسي يكون معه الفساد الخلقي فإن الإنسان المغموس في حمأة الشهوة المشغول بالنظر لتبرج النساء فإنه لا يجرأ أن يقول للظالم إنك ظالم، ولا بد أن يعاقب بأقوام معهم سياط يجلدون الظهور، والإشارة في الحديث ظاهرة وذكر هذين الصنفين في الحديث ليس من عبث إنهما وحي من الله عز وجل.
أما اللعن فإن من فقهه أمور فإن الشرع أمر الناظر أن يلعن هذه المرأة حتى يدرأ عن نفسه شرها فإنك لا تستطيع أن تدرأ شر هذه المرأة المبترجة عن نفسك إلا إن قلت في نفسك واستشعرت بقلبك إن هذه ملعونة، فكيف يتمتع فيها الناظر؟
وللإنسان أن يقول هذا بلسانه على مسمع منها لكن إن ترتب على إسماعها فتنة فلا تسمعها درا للفتنة أمام إن لم يترتب فتنة فأسمعها ولا حرج في ذلك، وهذه المرأة الملعونة بعينها ولا يلزم من لعنها هذا أنه يحكم عليها من أهل النار إنما يحكم عليها اللعن مادامت على هذا الحال ولعنها بمعنى الدعاء عليها، فكما قال ابن تيمية : فإن النصوص التي ورد فيها اللعن في الشرع قسمان: قسم بمعنى الدعاء على الإنسان وقسم بمعنى تقرير الخروج والحرمان من رحمة الله، وقصة الرجل المسيء لجاره لا تخفى فقد صح أن رجلاً جاء للنبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فأرشده إلى أن يخرج متاعه إلى قارعة الطريق فأصبح الناس يمرون ويستفسرون من الرجل عن ماله فلما كان يخبرهم بالخبر كان الناس يلعنون الجار المسيء حتى رجع وتاب، فلعن المعين بمعنى الدعاء عليه لا حرج فيه.