كلمة عن الأمانة

http://meshhoor.com/wp/wp-content/uploads/2017/10/AUD-20171016-WA0042.mp3إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ،من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا اله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:-
فإن الله جل في علاه ذكر الأمانة في القرآن الكريم بصيغ ثلاثة:-
1- الصيغة الأولى: ذكرها مفردة، وذلك في قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا .
2- الصيغة الثانية: ذكرها بالإضافة وذلك في قوله تعالى: وَٱلَّذِينَ هُمْ لِأَمَٰنَٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَٰعُونَ.
3 – الصيغة الثالثة: قيدها وذكرها مع أصحابها فذكر أهلها، في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا.
قال أهل العلم: مدار السياسة الشرعية على الأمانة والعدل، فالركنان للسياسة الشرعية في الشرع، الحكم بما أنزل الله وأداء الأمانات إلى أهلها.
والأمانة بالمعنى الأول والثاني تشمل التكاليف الشرعية كلها، فكل أمر أمر الله تعالى به، بل كل ندب ندب إليه ربنا أو نبينا صلى الله عليه وسلم فهو من الأمانة، فحال الرجل مع ربه ومع أهله ومع نفسه هذه كلها أمانات، فإنا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ أي التكاليف الشرعية، وكان عرضه سبحانه عرض تشريف لا تكليف، وإلا فإن أمر فإن السماوات والأرض كما قال الله عز وجل: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ، فعجزت السماوات والأرض والجبال على حمل الأمانة لثقلها، قال الله عز وجل: وحملها الإنسان.
هل الإنسان يحمل الأمانة؟
يحمل الأمانة.
لكن هل الإنسان يؤدي الأمانة؟
قل من الناس من يؤدي الأمانة بالمفاهيم المذكورة في الآيات.
قلنا الأمانة بمفهوم الإضافة إذا أضيفت لأهلها والأمانة المطلقة تشمل جميع تكاليف الشرع، وإذا قيدت إلى أهلها فهذه خاصة بالودائع، تكون الله أمر أن ترد الودائع إلى أهلها ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )، أي الودائع إلى أصحابها هذه يراد بها الودائع، أما الأمانة المطلقة فالإنسان يحملها أعني التكاليف الشرعية، لكن أنى له أن يؤديها.
فمن علامات صاحب المسؤولية، وصاحب الديانة التقي النقي في هذه الحياة أن يفحص قدرته على الأداء وألا يغره التحمل، فالكل يتحمل الأمانة بجميع أنواعها لكن أداء الأمانة لا يقدر عليها إلا الموفق، ولذا قال الله تعالى: ” وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا” ، يجهل ويظلم نفسه بأن تحمل الأمانة، لكن إن أداها زال الظلم، فالعبرة في الحكم على الإنسان في الآداء لا في التحمل.
الناس في الشرع من حيث التقسيم الملي العقدي ثلاثة لا رابع لهم، وهذا أمر مهم جدا، وهذا أمر يؤكد صحة مذهب أهل السنة والجماعة.
الناس من حيث التقسيم الملي ثلاثة أنواع، والشيء الذي يُقسَّم الناس عليه من ناحية ملية عقدية إنما هي الأمانة، الأمانة هي الفيصل في التقسيم، لذا قال الله عز وجل: «إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا»، بدأ الله تعالى بتفصيل الظلوم الجهول، فقل من يحمل الأمانة، قال تعالى: لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا، فالناس مدار تقسيمهم على الأمانة، فمنهم من حملها في الظاهر دون الباطن وهم ( المنافقون)، قال: ( ليعذب الله المنافقين والمنافقات)، هذا المنافق حمل الأمانة لكن أبدى أنه حملها لكن في حقيقة الأمر هو لم يحملها وكان مآله ليعذب، لام التعليل هذه لام عجيبة، وجاءت بعد ذكر حمل الأمانة وجاءت بعد نعت الإنسان أنه كان ظلوما جهولا قال: ” ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات”المشركين والمشركات ردوا الأمانة في الظاهر والباطن، لم يظهروا حملها فأنكروها في الظاهر والباطن، وبدأ بليعذب، ثم جاء للقسم الثالث الذي قال الله عنه أنه كان ظلوما جهولا وهو داخل، ولأنه داخل كان ظلوما جهولا، ابتدأ الله تعالى في ذكر القسم الثالث بقوله ويتوب، لماذا قال الله ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات؟
لأن الأمانة ثقيلة ولا يحملها على وجه التمام والكمال إلا الأنبياء، غير الأنبياء لا يحملونها حملا كاملا، فبدأ بعد أن ذكر المشركين والمشركات والمنافقين والمنافقات ولما ذكر المؤمنين فقال ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات هذا القسم الثالث الذين حملوها في الظاهر والباطن.
الله ما ذكر الفاسقين،لماذا؟
لأن الفاسقين عند ( الخوارج ) قسم رابع مستقل يقابل المؤمنين والمؤمنات، لكن أين موقعهم من الآية مع قوله ويتوب؟
لا موقع لهم، فدل هذا على بطلان مذهب الخوارج الذين يكفرون بالمعصية.
فأين الفاسقين والفاسقات؟
أين يكون موقعهم في الآية؟
أين يدخلون؟
تحت ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات، ذِكر ( يتوب ) يشعر أن المقصر ممن حمل الأمانة في الظاهر والباطن ممن خانته إرادته، ممن أخذ شيئا من الشهوات المحرمة في هذه الحياة هو داخل في المؤمنين والمؤمنات، لأن الله قال قبلها “ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات”.
فأقسام الناس الملية ثلاثة لا أربعة، ولسرٍ عظيم قال: ( ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات) ثم ختم الله الآية وجعل رأسها قوله سبحانه وكان الله غفورا رحيما، وهذا يؤكد ما قلنا.
هل الأصل في الإنسان العدالة أم الأصل في الإنسان عدم العدالة؟
الله ماذا قال عن الانسان؟
ظلوما جهولا .
الظلم بم يزول؟
الظلم يزول بالعدل، والجهالة تزول بالعلم.
لذا الأصل في خبر الإنسان ماذا؟
إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا، والفسق هو مطلق الخروج، فالعرب تقول: فسقت روح فلان أي خرجت وتقول: فسقت الحية من جحرها أي خرجت، فالفسق في الشرع يشمل الكفر ويشمل الخروج، فإن كان الخروج كاملا كان كفرا،وإن كان الخروج جزئيا كان فسقا، فالأصل في أخبار الناس كما قال الله تعالى « إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا»، والأصل في الناس أنهم على الستر، لكن في الأخبار الفسق حتى يقع التبين والتثبت.
أسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يحمل الأمانة، الأمانة في التكاليف الشرعية كلها، فأنت في هذه الحياة عشت للأمانة، ولذا يوم القيامة على جنبي الصراط الأمانة والرحم، فالشيئان اللذان يمنعان من أن يهوى الإنسان في النار يوم القيامة الأمانة والرحم، كلما أراد أن يسقط الإنسان الأمانة ترد، أو الرحم يرد، إلا والعياذ بالله إذا كان الإنسان والعياذ بالله لا يؤدي الأمانة فحينئذ هو بمقدار ما حمل من الأمانة، وكذلك الرحم.
رابط الكلمة :
 
⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.✍✍
⬅ للاشتراك في قناة التلغرام:
http://t.me/meshhoor