وقع فيه خلاف بين أهل العلم، والتفصيل فيه يطول جداً ولكني أختصر على قدر الاستطاعة.
فقد روى بإسناده إلى أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب الرجل قائماً فقيل لأنس: والأكل؟ قال أنس: ذلك شرٌ، وفي رواية عند مسلم عن أنس قال: {زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرب الرجل قائماً} وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر من شرب قائماً أن يستقيء، وثبت في صحيح مسلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يشرب قائماً فقال له: {أتحب أن يشرب معك هر؟} قال :لا ، فقال له صلى الله عليه وسلم {كيف وقد شرب معك الشيطان} ولذا فالأصل في المسلم أن يشرب جالساً وأن يشرب على ثلاث دفعات بعد التسمية ، ثم يحمد الله وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيمن يشرب هكذا: {إنه أهنأ وأمرأ وأبرأ}
وأما شرب النبي قائماً، فقد صح ذلك والراجح عند أهل العلم أن إعمال الأدلة كلها خير من إهمال بعضها، والأصل أن تنزه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرام وعن المكروه، قال غير واحد من أهل العلم: أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم من الشرب قائماً هو ليصرف النهي من التحريم إلى الكراهية وهذا المسلك ليس بصواب.
والصواب ما اختاره بعض المحققين من العلماء وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وهو أن الأصل في الشرب قائماً حرام ويجوز الشرب قائماً للضرورة، فشرب النبي صلى الله عليه وسلم من شن وهو قائم ، فمثلاً إذا كان هناك ثلاجة ولم تستطع أن تشرب منها إلا قائم فلا حرج فلا تشرب قائماً إلا عند الحاجة.
فالأصل أن ننزه النبي صلى الله عليه وسلم عن فعل المكروه الذي يبتعد عنه أهل العلم ، فالنبي أولى بذلك ، فقاعدة أن النبي إذا فعل المنهى عنه ليصرفه من التحريم إلى الكراهة ليست بصواب ، ناقشها الشاطبي في الموافقات مناقشة حسنة، وبين أن النبي صلى الله عليه وسلم إن نهى عن شيء وفعله فيكون النهي على حال، والفعل على حال آخر، والله أعلم..