الآية فيها خلاف طويل وكثير، والعلماء ذكروا أشياء منها ما هو قريب ومنها ما هو بعيد، وأبعد الوجوه عندي أنها نزلت خاصة في امرأة بغي كانت في المدينة تسمى هزال وهذا بعيد، وكذلك من الأقوال البعيدة في الآية أنها نزلت في أهل الصفة أنهم وجدوا الطعام والشراب والمبيت عند البغايا فأرادوا أن يتزوجوهن، ولم يثبت هذا بسند صحيح.
وأقوى الأقوال أنها جاءت لاستشباع واستشناع الزنا، وقد بين المولى عز وجل، أن الزاني طبعه خبيث فلا يستطيب بالحسن المليح، فلا يطيب له إلا الخبيث، الزانية، والزانية لا يطيب لها إلا الزاني الخبيث، فالعلماء قالوا ليست الآية على ظاهرها، بمعنى لو أن رجلاً مسلماً محصناً عنده امرأة محصنة وزنا، فلا تحرم عليه زوجته، ورجح القرطبي وابن العربي أن المراد بالنكاح في الآية: {الزاني لا ينكح} أي يطأ، فتكون هذه الاية من الآيات التي ذكر فيها النكاح بمعنى الوطء، كما ورد في قوله تعالى: {حتى تنكح زوجاً غيره}، فالزاني تحت حمأة الشهوة وشدتها لا يكترث فيطأ الزانية أو المشركة، فالمهم أن يلبي هذه الغريزة البهيمية عنده دون أن ينظر إلى الموطوءة كما ينظر الذي يريد الزوجة والولد، فالزاني لا يبحث إلا عن زانية أو مشركة، وكذلك الزانية لا تبحث إلا عن زان أو مشرك، فالمراد بالآية الإخبار.
ويؤكد هذا ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عمرو بن شعيب عن أبي عن جده أن مغيثاً كان ينقل أسارى الكفار وكانت له صديقة في مكة تسمى عناق فرآها ذات يوم في مكة، وكانت مشركة فعرضت عليه الزواج فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما عرضت عليه، فقال له صلى الله عليه وسلم: {إنها لا تحل لك إنها مشركة}.
ولا يجوز أن نستنبط من هذه الآية أنه يجوز أن يتزوج المشرك من المسلمة الزانية، وإنما المراد الإخبار ولا يجوز أن نقول أن المسلم إذا زنا وكانت تحته امرأة ليست زانية، فلا نقول إنها لا تحل له، وأصبحت زوجته حراماً عليه، فإنما المراد الإخبار بأن الزاني لا يبحث إلا عن زانية أو مشركة، لا تقيم لشرفها وزناً، وكذلك الزانية لا تبحث إلا عن زان أو مشرك، والله أعلم.