هذا سؤال قد سئله غير واحد، فمنهم من قال: قلبك ،ومنهم من قال: الدهر، أي الزمن يكشف لك عن عجائب القرآن.
وربنا يقول: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}، فالقرآن سهل، ولكن العلة في النفوس التي تقبل على القرآن، فهو سهل ميسور ربنا يسره، والعلة في نفوس الناس، فربنا يقول: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} فالناس لا تنتفع بالقرآن لوجود الأقفال على القلوب.
والمطلوب منا التخلية قبل التحلية؛ أن نخلي نفوسنا عن هواها، وعما يدنسها وعن أمراضها وأن نقبل على كتاب الله بنفوس مطمئنة طيبة، وللقرآن وحشة، والبعيد عنه لما يقرأه يستثقله فالمطلوب أن نزيل هذه الوحشة.
والنبي صلى الله عليه وسلم يبين في الحديث أن القلب الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب، لذا فالمطلوب منا أولاً مع القرآن أن نقبل عليه بنفوس مطمئنة، وقلوب فيها حياة سليمة، فيها رقة، فإن فعلنا فهذا هو مفتاح التعامل مع القرآن، والكلام الصعب تقبل على أي تفسير فتقرأه.
والتفاسير متنوعة، وأنصح طالب العلم أن يقرأ من التفاسير ما يخدم تخصصه، فالفقيه يلزمه تفسير القرطبي مثلاً، والمحدث يلزمه أن ينظر في تفسير الطبري أو ابن كثير، وهكذا.
فالعلة في عدم فهم القرآن القلوب المليئة بالشهوات الحريصة على الدنيا، وغير المقبلة على الآخرة، وهذا أكبر سبب لصد الناس عن القرآن.
وبعد أن يقبل الإنسان على قراءة القرآن بالمفتاح الموجود يقرأه قراءة يستكشف الكلمات الصعبة فقط، بتفسير موجز مثل: “زبدة التفسير” أو تفسير السعدي “تيسير الكريم المنان” ثم يبدأ يتوسع فيقرأ “مختصر ابن كثير” ثم يرجع لـ “تفسير ابن كثير” وهكذا، وقد يضطر طالب العلم أن ينظر في بعض الآيات من أكثر من تفسير.
ويعجبني مسلك الشيخ الشنقيطي رحمه الله، ففي تفسيره قال: لا يلزم كل آية تفسر، ففسر الآيات التي تحتاج إلى استنباط أحكام ووقع فيها خلاف فحررها وأبدع رحمه الله تعالى، فأنصح بالنظر في تفسير “أضواء البيان “.
لكن المهم أن الذي يريد أن يستفيد من القرآن أن يقبل على الآخرة وألا يتعلق بالدنيا، وأن يطهر نفسه من أدناسها فحينئذ ينتفع بالقرآن، {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}، فيكون شهيداً حاضراً فهنا يقع النفع من القرآن.
أما إن كنت تقرأ القرآن على خطاب من قبلنا وأنت غير معني، أو على أنه كتاب ثقافة كما تقرأ غيره، فالنفع حينئذ بالقرآن قليل، فالعلة في عدم استفادة الناس من القرآن اليوم نفوسهم وقلوبهم وعدم التزكية وتدنيس النفس بالذنوب والمعاصي، والله أعلم.