الخلوات الكلام عليها طويل وهي مذكورة في كتب فقهائنا وعلمائنا، وألف فيها غير واحد، ووجدت من قريب مجموع فيه ثماني رسائل مخطوطة عن الخلوات في تونس.
والخلوات اليوم موجودة على غير حال الأول، فالحال الأول الخلوات كانت تبحث في كتب الوقف، فمثلاً واحد أوقف مدرسة على مبنى وله أساتذة وطلبة على تعليم صحيح البخاري أو غيره، وطالب له محل في هذه المدرسة له مبيت وطعام وشراب، وأراد آخر أن يحل محله، فكان قديماً مقابل أن يتنازل له عن حقه في هذا الحضور يعطيه خلواً وبعض الفقهاء يسمونه [نقل القدم] أو [المفتاح] أو [الجلسة] أو [القفلية] ولها أسماء عديدة.
والآن الخلوات نقلت إلى الإجارات، والإجارات اليوم على النحو الذي تنعقد فيه شبيهة بالوقف فالبيت الذي أملكه أملك منه المنفعة، فإذا أخذت منفعته مني فأصبح لا أملك شيئاً فالمنفعة الآن ولما أصبح المستأجر كأنه مالك ولا يخرج ، وجدت الخلوات، فالخلو مقابل أن يملك الرجل المستأجر هذا المكان ومنفعته دون تحديد زمان.
لكن لو كانت المدة ملزمة لظهرت مسألة الخلوات بشكل واضح جلي، فواحد تأجر عند آخر محلاً لمدة عشر سنوات فاستغل المحل خمس سنوات وبقيت خمساً أخرى، وطرأ عليه أمر فأراد أن يسافر، فله أن يأخذ خلواً مقابل الخمس سنوات المتبقيات، لكن لو مضت العشر سنوات فلا يجوز له أن يأخذ خلواً فلو كانت المدة في عقد الإيجار ملزمة لظهرت مسألة الخلوات على وجه أحسن، لكن اليوم بما أن المالك يعلم أنه لا يقدر على إخراج المستأجر فهو يأخذ منه شيئاً زائداً مقابل أن يمكله المنفعة، لذا يجوز أخذ الخلو من المحل وإن لم يكن قد شغله.
وواقع الخلوات التي تعطى اليوم في المتاجر هي مزيج من حقوق متعددة من حق الاسم التجاري وموقع المحل، ومزاحمة الأقدام عليه وما أحدثه المستأجر في ملك المالك وهذا يسمى عند الفقهاء [حق الكدك]، والكدك هو ما يحدثه المستأجر من بناء دائم في ملك غيره، فلما يخرج من المحل يأخذ مقابله مالاً، فالخلوات اليوم في واقعها الموجود مباحة، وتؤخذ مقابل تمليك المدة، وفي بعض الأحايين مقابل الاسم التجاري وما يحدثه المستأجر في ملك من شيء دائم لا يزول بخروجه منه، والله أعلم.