مسائل الجرج والتعديل.

مسائل الجرج والتعديل.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداُ عبده ورسوله ، أما بعد.
فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، حياكم الله أيها الأخوة الكرام في هذا اللقاء المبارك مع شيخنا -أبي عبيدة- مشهور بن حسن سلمان -حفظه الله- ونفع به ومتعنا بطول عمره وعلمه.
وهذا اللقاء أيها الكرام في هذا اليوم يوم الجمعة الثامن عشر من شهر الله المحرم للعام الثالث والأربعين بعد الأربعمائة والألف، ومحور اللقاء بإذن الله عز وجل حول بعض مسائل الجرح والتعديل، ومما لا يخفاكم أيها الكرام أن علم الجرح والتعديل علم شريف أصيل ، بل هو من العلوم التي يفاخر بها المسلمون ، فهو علم يعد مفخرة من مفاخر الأمة الإسلامية وهو من المنن التي امتن الله بها على هذه الأمة ، فهذا العلم هو العلم الحارس للشريعة، وهو العلم الحارس لسائر العلوم من أن يدخل فيه دخيل أو أن يتكلم فيه من ليس من أهله ، وغرض هذا العلم الأساسي هو الذب عن الشريعة الإسلامية وصونها وحمايتها.
غير أنه في تطبيقات الناس مؤخراً حصل خلل وخطأ كبير وزلل كبير في هذا العلم مما أدى إلى ظهور بعض التصرفات وبعض التطبيقات المخالفة لضوابط هذا العلم، فإن هذا العلم قائم على ضوابط أصيلة لا بد من مراعاتها والنظر فيها قبل الحكم على الأشخاص وقبل تنزيل الأحكام على الأشخاص.

حول هذا الكلام محور لقائنا مع شيخنا حفظه الله فليتفضل مشكوراً مأجوراً بمقدمة يسيرة قبل أن نطرح عليه بعض الأسئلة المعده لذلك.

الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان:

شكر الله لك وبارك فيك.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

من المقرر عند العلماء والعقلاء أن الخير والشر ثابتان موجودان ولا جديد، وإنما الجديد في الوسائل والطرق.

فالغلو حاصل منذ أن أنشأ الله تعالى الخلق، وخلق الله تعالى الناس على طبائع و الطبائع تختلف فمن استرسل مع طبعه فبعضهم يميل إلى الغلو وبعضهم يميل إلى السهولة واليسر والوسط بين الأمرين.

فالظاهرة هذه موجودة، مذكورة في كتاب الله، ومذكورة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أعني الغلو وكيف ذم الله تعالى الغلو.

ظاهرة الغلو في الجرح ولا أقول التعديل ، أقول الجرح والجرح ، بعض الناس لا هم لهم إلا الجرح.

الظاهرة موجودة ولها أسبابها وتحتاج الأسباب إلى رصد ودراسة أزعم أننا نحتاج إلى عدة علوم إنسانية تشارك في سبب هذه الظاهرة، ليست العلوم الشرعية فقط وإنما العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية ، كالعلم الذي يسمى اليوم بعلم النفس وكذلك بعلم الاجتماع والظروف التي مر بها هذا الطاعن وهذا القادح في خيار علماء الأمة، فهذه كلها لها أسباب.

فالعصمة في النجاة من هذه الفتنة ومن كل فتنة إلى يوم الدين أن تكون وراء العلماء، وأن تسأل دائماً ماذا يقرر العلماء الثقات الربانيون في مثل هذه المسألة ، وألا تنفرد بقول من عندك، وإلا فالاسترسال مع الطبع هو عادة أو سجية، ومن الحمق بمكان ومن قلة الدين بمكان أن يطلق الإنسان كلامه هكذا على عواهنه.

جل المخالفات التي تقع في هذه الأمة هي موجودة عند من قبلنا، عند أهل الكتاب عند اليهود والنصارى.

تأمل معي قول الله عز وجل:
﴿وَقَالَتِ ٱلۡیَهُودُ لَیۡسَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ عَلَىٰ شَیۡءࣲ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ لَیۡسَتِ ٱلۡیَهُودُ عَلَىٰ شَیۡءࣲ وَهُمۡ یَتۡلُونَ ٱلۡكِتَـٰبَۗ كَذَ ٰ⁠لِكَ قَالَ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَ مِثۡلَ قَوۡلِهِمۡۚ﴾
مثل قول من ؟
اليهود والنصارى.
ماذا يقولون النصارى؟
ليس على شيء.
الكلام على عواهنه.
فلان ليس على شيء ، هذا كلام اليهود وهذا كلام النصارى.
فما من مخالفة تقع في هذه الأمة إلى يوم الدين إلا ونحن مسبوقون فيها ، تختلف الوسائل الواتس والتلفون والكتابة فهذه وسائل لكن الأصل في المخالفة أنها موجودة عند من قبلنا
﴿ فَٱللَّهُ یَحۡكُمُ بَیۡنَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فِیمَا كَانُوا۟ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَ﴾
الله الذي حكم.
وتأمل معي الآية لما نعى الله قال:
﴿وَقَالَتِ ٱلۡیَهُودُ لَیۡسَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ عَلَىٰ شَیۡءࣲ ﴾، ثم قال: (( وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ لَیۡسَتِ ٱلۡیَهُودُ عَلَىٰ شَیۡءࣲ)) ، الاستهجان العظيم الذي ذكره الله تعالى في هذا السياق قال:
﴿ وَهُمۡ یَتۡلُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ﴾، تقرأ كتاب الله وهكذا تعتدي على خلق الله وأنت تقرأ كتاب الله، فهذا الاستهجان ما بعده من استهجان.
فهذه الظاهرة موجودة عند من قبلنا. واربط هذه الظاهرة بما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الكثيرة المستفيضة الشهيرة التي قد تصل إلى حد التواتر من اتباع سنن من كان قبلنا فإننا لا نستغرب في هذا الزمان أن نجد زعانف وصغار قليلو العقل والديانة والتحصيل بإطلاق الكلام ، يقولون ليس فلان على شيء ، ليس الشيخ الفلاني على شيء، ليس مدرسة الشيخ الفلاني على شيء ، يهدمون هدماً بكلمات قليلات ويلقون كلاماً على عواهنه وهم لا يفهمون ما يقولون.
لا يفهمون ماذا ؟
لا يفهمون واقع من يتكلمون عنهم ، ولا يفهمون الإنجازات العظيمة التي قام بها فلان ، وهذه الظاهرة هنيئة مريئة حبيبة لأعداء الله ، فجل هؤلاء تجد من يحتويهم ومن يوجههم، فبعض هؤلاء غافلون يتكلمون بلا علم وبلا فهم ، وبعضهم موجهون وهم لا يقلون في أثرهم في أنهم معاول هدم تضرب جذور العلم الشرعي والمدارس العلمية أي الشرعية ، وأثرهم لا يقل عن أثر أعداء الله عز وجل في هذه الأمة.✍️✍️