التبرع بالدم لا حرج فيه؛ ذلك أن الدم ليس بنجس، والدم يسحب وسحبه جائز، وله أصل في الشرع وهو الفصد والحجامة، حتى من يقول بنجاسة الدم، فإن طريقة السحب الآن لا تعرضه للهواء ولا يفسد، فيبقى حكمه بعد سحبه بالطريقة الطبية الحديثة كحكمه وهو في الجسم، ولا ينبغي لمن يقول بنجاسة الدم أن يقول بنجاسته حال سحبه، لا سيما أنه ينبني عليه التطبب ولا أرى حرجاً أبداً في جواز التبرع بالدم، بل أقول: من تبرع بدمه لمريض له الأجر والثواب إن شاء الله .
أما أن يبيع الرجل دمه فهذا حرام، وهذا ينافي كرامة الإنسان، قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم}، فالإنسان مكرم ولا يجوز أن يبيع شيئاًَ من أعضاءه أما إذا اضطر الرجل لشراء الدم فالإثم على البائع وليس على المشتري، وأيضاً التبرع لغير المسلم جائز.
ومن باب الاستطراد يذكرون في كرامات الشيخ الإمام محمد أمين الشنقيطي رحمه الله وهو من أئمة هذا العصر، توفي من قبل نيف وعشرين سنة، فأشار الطبيب يوماً أن يوضع له دم فقالوا له ذلك، فقال الشيخ: لا أريد دماً، لأني لا أعرف هذا الدم كيف غذي، وهل صاحبه أكل من حلال أم من حرام، وأنا أصبر على قضاء الله. ولما اشتد المرض بالشيخ فأصر الطبيب وهمس في أذن ابنه أن والدك بحاجة إلى الدم، وأنه ليس ملك نفسه، والأمة بحاجة إليه، فأذن ولده دون إذن الأب حرصاً على حياته، فوضع له الدم، فقال بعض من سمع ولده يحدث أنه لما نزعت الإبرة خرج الدم من مكانه على غير العادة، فما قبل بدنه دم غيره.