كانت الحياة يسيرة وكان الصدق في العصر الأول الأنور هو الأصل، ولم يكن عندهم كتمان وإخفاء في العيوب، فلذا لما طلب النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة، فقالت أم سلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا رسول الله إني امرأة غيرة، وذات عيال، وكبيرة لا ألد))، فبينت عيوبها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: {أما أنا فأكبر منك، وأما الغيرة فأدعو الله عز وجل أن يذهبها، وأما العيال فلله ورسوله}، فالشاهد من القصة أن أم سلمة ذكرت عيوبها وكان العصر آنذاك عصر صدق ولم يكن الطب قد تقدم.
وأن يتزوج الرجل المرأة لدينها وإلا يدقق هذه التدقيقات، بناءً على حسن المتوكل، وحسن الظن بالله، واقتداءً بما كان عليه الأولون فهذا حسن، لكن لو أراد يعمل الفحص لا سيما عند وجود أمارات وإشارات وقرائن على أمراض وراثية فلو فعل فلا أرى في هذا حرج لكن الحرج الذي أراه أن يجعل هذا الفحص لازماً كما قد سن في بعض القوانين.
ومع وجود الحرج لو ظهر عيب فهذا لا يمنع إن أراد الزوج أن يتغاضى عنه، ويقبل الزوجة، هذا لا يمنع من الزواج إذا عرفه الرجل وتحمله، أو عرفته المرأة وتحملته.
وإن وقع هذا الفحص فينبغي أن يكون من جهة أمينة، تحفظ أسرار الناس ولا تبوح بها، ويقع هذا عند وجود أمراض وراثية عند عوامل معينة تظهر بكثرة، فلو أراد الإنسان أن يحتاط فلا حرج في هذا، لا سيما أن الشرع قد حث على أن يكون الولد قوياً سليماً معافى صحيحاً، والولد من مقاصد الزواج، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {تناكحوا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة}.
فإن قيل إن في هذا الحديث اعتراض على قدر الله قلنا: لا؛ فهذا كما قال عمر: ((نفر من قدر الله إلى قدر الله)) وليس في هذا اعتراض لكن المهم أن لا يكون هذا على وجه الإلزام، ويكون عند وجود الأمارات وتعليق القلب بالرب والتوكل عليه خير، والله أعلم.