لا يوجد في الزمن الأول، وهو الزمن الأنور، وهو خير الأزمنة وأفضل القرون لا يوجد أناس متخصصون بالرقية، فلو سألنا من كان من الصحابة متخصصاً بالميراث لقلنا فلان وفلان، ولو سألنا من كان متخصصاً بفقه المنازل لقلنا فلان وفلان، ومن كان متخصصاً بالتفسير لقلنا فلان وفلان، وهكذا في سائر العلوم لكن لو قلنا: من كان من بين الصحابة والتابعين يعمل بالرقيا؟ فلا نعرف أحداً متخصصاً بها.
فالرقيا للمرأة تكون ممن يخص هذه المرأة، فامرأة احتاجت للرقيا يرقيها زوجها، ابنها، أخوها، أبوها، والبركة بالقرآن وليست بالراقي، {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً}. فيشترط في الرقية أن يكون المرقي عنده يقين أن القرآن ينفع، وأنه شفاء، والعلماء يقولون: القرآن شفاء للأبدان، وشفاء للأرواح، فإن قرأ إنسان وهو متيقن والمقروء عليه متيقن، وعنده إيمان تام بأن القرآن ينفع، فالحمد لله.
فالمرأة الأصل فيها أن يرقيها أحد محارمها، فإن احتاجت للرقيا وتعذر هذا المحرم، فحينئذ تلجأ إلى من يرقيها وتلتمس فيه الصلاح، ويشترط أن لا تقع الخلوة بينها وبين الراقي، وكثير من الذين يرقون والعياذ بالله، دجالون، ولا يجوز للمرأة أن يخلو الراقي بها، فهذا حرام، ولا يجوز للراقي أن يمسها وإنما يقرأ عليها، إلا عند الضرورة القصوى كالطبيب.
والعلماء يقولون: يحرم على المرأة أن تذهب عند الطبيب الذكر، يجب عليها أن تذهب للطبيبة المسلمة، فإن لم تجد المسلمة تتحول للطبيبة الكتابية، والطبيبة الكتابية في الشرع مقدمة على الطبيب المسلم، لأنها امرأة مثلها، ولا تظنوا أن الأطباء جماد لا يتأثرون، فالأطباء فيهم أحاسيس، وبعض الورعين منهم يسألون ويقولون نجد في أنفسنا شيئاً من الشهوة لما تأتيه المرأة شابة وجميلة، وتكشف عن مواطن الشهوة، فلا تقل لا يجد في نفسه، إلا إن سلبته من مشاعره وأحاسيسه، وينبغي للرجل أن يغار على ابنته وزوجته، ولا يجوز له بأي حال من الأحوال أن يذهب بها مباشرة إلى الطبيب مع وجود الطبيبة، فإن وجدت الطبيبة المسلمة فحرم أن تذهب إلى الكتابية، فإن لم توجد المسلمة ولا الكتابية تذهب للطبيب المسلم، فإن تعذر وجود المسلم تذهب للطبيب الكتابي، وبعض الناس اليوم يذهب إلى الطبيب الكافر مباشرة، لا أقول الكتابي ولكن الكافر الملحد الفاجر، وهذا حرام.
وتقع اليوم بسبب هذه التجاوزات كثير من المحاذير الشرعية، قد يعلمها الزوج وقد لا يعلمها، بل قد تعلمها المرأة وقد لا تعلمها، وقد تعلمها وتشعر بها وتخجل أن تتكلم بها، ولذا ينبغي أن نحتاط.
ويجب على الأطباء، لاسيما في الكشف عن العورات ومسها، يجب ألا يمارس ذلك بنفسه، وينبغي أن تكون عنده من الممرضات والطبيبات ليدرأ ما استطاع هذا عن نفسه، وتأملوا قول الله: {ولا تقربوا الزنا}، ولم يقل: ولا تزنوا، فالخلوة من قربان الزنا، والمس والمصافحة من قربان الزنا، والسفر إلى بلاد الكفر من قربان الزنا، والتكسر في الكلام من قربان الزنا وهكذا. والله أعلم.